CET 00:00:00 - 20/08/2010

مساحة رأي

بقلم: راندا الحمامصى
الحجاب الظاهر، الكل عليه قادر. أما حجاب القلب فهو جوهرة النفس التقية لذات الروح الأبية النقية، والتى به ترقى الروح إلى العوالم الإلهية...

فى البداية، أود أن أوضح لأعزائي القرّاء والزملاء الكتّاب، أننى لست مع أو ضد الحجاب والنقاب، فهذه حُرية ومعتقد شخصى– ولكن أود أن أقول أيضًا فكري ومعتقدي في هذه القضية الشائكة، التى أصبحت هى السمة الرئيسية فى حديث الساحة والساعة.

أجد أنّ حجر الأساس لحياة نفس تعيش في ظلّ الرّحمن، هو اتّباعُ الفضائل الأخلاقيّة، واكتساب أخلاق تنيرها مواهب، صفات ممدوحة لدى الخالق.

علينا أن نتحلّى برّداء التقدّيس كي نفتح مدائن القلوب بسيف القدرة والإقتدار. لقد ملّ النّاس من الوعظ والإرشاد، وجفّ معين صبرهم من الخُطب والكلمات الرّنّانة، ولا شيء غير الأفعال يمكن أن يخلّص العالم من آلام المخاض، ويجذب قلوب أفراده. إنّها القدوة الحسنة لا المواعظ، والفضائل القدسيّة لا التّصريحات، وقوانين الحكومة.

 وإنّ ما يجب التّركيز على أهميّته في العلاقات الإجتماعيّة والسّياسيّة، أن تكون الكلمة مرادفة للعمل، والعمل ملازم للقول في جميع الأمور- صغيرها وكبيرها- بحيث يدعم كلّ منهما الآخر ويعزّزه.

عندما نتعمّق في مدى تأثير إطاعة الأحكام الإلهيّة على حياة الفرد، فعلى الإنسان أن يدرك أنّ الهدف من هذه الحياة، تهيئة الرّوح للحياة الأخرى. لذا عليه أن يتعلّم كيف يتحكّم بنزواته الحيوانيّة، فيوجّهها بدل أن يكون عبدًا لها.

 إنّ الحياة في هذا العالم سلسلة من التّجارب والإنجازات، أعمال من التّقصير والتّقدّم الرّوحاني الجديد، وأحيانًا تبدو مراحل الحياة صعبة جدًا،  ولكنّ الإنسان يستطيع أن يشاهد المرّة- تلو الأخرى- أنّ النّفس التي تنفّذ أحكام الله بإستقامة وثبات، ومهما بدا ذلك صعبًا، فهي حتمًا تترقّى وتنمو روحانيًّا، بينما التي تساوم على الأحكام لأجل سعادتها الظّاهريّة، فهي تسعى وراء وَهْم لا سبيل إلى تحقيقه، وسعادة صعبة المنال. وفوق هذا كلّه تتقهقر روحانيًّا، وغالبًا ما تغرق في مشاكل عديدة.

كثيرًا ما نجد إنسانًا متحلّيًا بالفضائل الإنسانيّة، ولكنّه عندما يخضع لشهواته ونزواته، نجد أن أفعاله قد تجاوزت حدّ الإعتدال إلى درجة الخطورة، وأضحت نواياه الحسنة شرّيرة، وأضلّته شهواته عن الطّريق السّويّ، فلم تعد فضائله تستخدم بما هو جدير به.

 إنّ الإنسان الفاضل بنظر الخالق، هو الجدير بالذّكر والثّناء، طالما بقيت أفعاله نابعة من المنطق والإدراك، وعلى أساس من الإعتدال الحقيقي."
ولا شك أن التقاليد والمفاهيم الموروثة عن الأمم السابقة المسيحية واليهودية والزرادشتية، كان لها تأثيرها على مفاهيم المجتمعات الإسلامية لقضية الأزياء والثياب، ومسألة التميز. وكان لمسألة وجود فئتين إجتماعيتين متميزتين، وهي فئة الأحرار والعبيد، تأثير قوي في مسألة الأحكام الفقهية المتعلقة بفرض ارتداء أزياء معينة، وتغطية الوجه أو إظهاره. وأصبحت هذه المفاهيم والتقاليد جزءًا من الإسلام مدعومة بكم هائل من المرويات  والأحاديث والفتوى التي تناولها الفقهاء والمحدثون والمجتهدون. وتشدد البعض في مسألة الخمار وحجب نساء الأحرار، وخاصة الملوك والأمراء والشيوخ؛ لتميزهن عن فئة العبيد والجواري.

وفي النصف الثاني من القرن العشرين، تحولت فكرة غطاء الرأس الخمار إلى فكرة الحجاب، ورُبط من قبل دعاة التيارات السلفية والأصولية بفكرة القداسة، والعفة، والتدين، والهوية. واتخذ ستارًا لفرض وصاية رجال الدين السياسية والإجتماعية في عالم يشهد تحولات وتقلبات كثيرة، وصراعًا مريرًا بين الأصولية والحداثة. وهذا من خصائص عصر المخاض الذي شهده العالم منذ أن اضطرب نظمه بمجيء النظم الأعظم لحضرة بهاء الله.

تحدّث النص القرآني عن العفة والتقديس وستر العورات، ولم يقيدها بزي معين:
"قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ {النور/30} وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ {النور/31}.
سورة النور، هي السورة الوحدية التي ذُكر فيها كلمة خمور بمعنى أغطية الرأس، وكانت أزياء معروفة في الشرق قبل الإسلام بأزمنة بعيدة، والآية تتحدث عن تغطية جيوب الصدر، و ليس عن تغطية الوجه أو الرأس.
وكذلك تحدث النص القرآن عن لباس التقوى، وهو ما يتحلى به الإنسان من فضيلة وأخلاق.
يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ. {الأعراف/26}

لماذا نطلب من المرأة فقط أن تغطى جسمها!!؟؟؟حقيقةً أتعجّب لهذا-فهل هو لضعف نفسى ودينى وروحي لدى الرجل، وخوفه على نفسه كما نسمع من الفتنة!؟ إذاً هذه ليست قضية المرأة بل قضية داخل أغوار وروح ونفس الرجل- فعليه هو أن يتسلح برداء التقوى- أرى أن الرجل أو المرأة هما روحان متماثلان، لا فرق بينهما سوى بالتقوى- إذًا هنا تكون المرأة أقوى وأكثر تقوى من الرجل، وذلك إذا أخذنا كل هذه المساحات الشاسعة اليوم على الساحة فى قضية الحجاب والنقاب، وكأننا نقول أن الرجل أصبح روحه فى تدنى إيمانى.

أعتقد إننا جميعًا- إمرأة ورجل- لو تخطينا مرحلة الشكل إلى الجوهر، أى القشور التى ليس لها من أساس فى الإيمان إلى حقيقة وجوهر الإيمان-أعتقد إننا سوف نمحو تلك المرحلة التى نحن عليها الآن.

فالإيمان ليس فى المظهر والملبس، بل فى الجوهر– فالمؤمنون هم الساجدون لأجل المحبة، وهم قوم سكتوا فكان سكوتهم فكرًا فى قدرة الله، وتكلموا فكان كلامهم ذكرًا فى ذات الله، ونظروا فكان نظرهم إلى وجه الله دائمًا، ونطقوا فكان نطقهم لله وحكمه، ورضوا بقضاء الله وبدائه، وسلّموا لأمره ونهيه، وانقطعوا بكلهم إليه، وتوكلوا عليه، وفوضوا أمورهم بيده، وجعلوا همسات قلوبهم مظاهر عدله، وحركات أعينهم مطارح عفوه،  وحركات أعضائهم مرآة رحمانيته...جباههم ساجدة لعظمته، وعيونهم ساهرة فى خدمته، ودموعهم سائلة من خشيته، وقلوبهم مُعلَّقة بحبه...وإذا جنبهم الليل لم يناموا عن محبوبهم، وحوّلت إليه أبصارهم، ومثلت عقوبته بين أعينهم، فخاطبوه عن المشاهدة، وكلموه عن الحضور، وفرحوا بقربه، واستراحوا بأنسه، وتلذذوا بذكره، وتنعموا بمناجاته، وإذا اشتغلوا بغيره طرفة عين، تابوا واستغفروا، وقالوا: إلهي استغفرك من كل لذة بغير ذكرك، ومن كل راحة بغير انسك، ومن كل سرور بغير قربك، ومن كل شغل بغير طاعتك.

فالإنسان إذا صفت روحه، صفا التراب والماء والهواء. وإذا اظلمت اظلمّ الكون وما فيه.

فكما يُذكر: روى أن عارف بالله صحب عالماً فى النحو، واتفق كلاهما فى الأسرار حتى بلغا شاطئ بحر العظمة...فالعارف توسل وخاض فى الماء دون تأمل. على حين بهت عالم النحو، وذهبت نفسه سربًا كالنقش على الماء..فصاح به العارف: "لماذا ثنت عنان عزمك؟؟ فقال: يا أخي، ماذا أفعل؟ أما وقدمي لا تتقدم فإن النكوص بي أولى. فأجابه العارف بالله: "اطرح ما أخذته من سيبوية وقولوية، وما طلبته لدى ابن الحاجب وابن مالك واعبد الماء. هذا مقام ينبغي فيه المحو لا النحو. فإذا محيت سرت على الماء بلا خطر.

أجد أننا بالفعل فى هذه الآونة، لابُد لنا من المحو- محو كل موروث ومدسوس، والنظر إلى جوهر الإيمان والدين، لا إلى الشكل والملبس،  وترك الأصل بل جهاد النفس عن كل سوء، والتسلح بالقيم والأخلاق التى أنزلها لنا الرحمن كى تكون دستور حياتنا، وحجاب أنفسنا عن كل ما يكرهه الخالق الأعظم. يجب علينا تنفيذ هذه الكلمات الإلهية:
"كُونُوا فِي الطَّرْفِ عَفِيفَاً وَفِي الْيَدِ أَمِينَاً وَفِي اللِّسَانِ صَادِقَاً وَفِي الْقَلْبِ مُتَذَكِّراً" (بهاءالله)
لا تحتجبوا بحجاب النفس لأني خلقت كل نفس خلقًا كاملاً حتى يُشاهد كمال صُنعي. إذًا بهذه الصورة كان كل نفسٍ قادر بنفسه أن يدرِك جمال السبحان ولا يزال يكون، فلو لم يكن قادرًا على ذلك يسقط التكليف عنه."(بهاءالله )
على أهل الإيمان أن يكونوا مظاهر العصمة الكبرى والعفّة العظمى، فقد ورد في النصوص الإلهية "(هم عباد) لو يمرون عليهم ذوات الجمال بأحسن الطراز لن ترتدّ أبصارهم إليهن" والقصد من هذه الآية أن التّنزيه والتّقديس من أعظم خصائص أهل الإيمان. فعلى المؤمنات الموقنات المطمئنّات أن يشتهرن بين أهل الآفاق بكمال التنزيه والتقديس والعفّة والعصمة والستر والحجاب والحياء حتى يشهد لهنّ الكلّ على نقاوتهنّ وطهارتهنّ وكمال عفتهنّ، لأن ذرّة من العفّة أعظم من مائة ألف سنة من العبادة في بحر من المعرفة..."(بهاءالله)
يا حبيبي، أنت شمس سماء قدسي، فلا تلطّخ نفسك بكسوف الدّنيا. اخرق حجاب الغفلة حتى تدلف من خلف السّحاب بلا ستر ولا حجاب، وتخلع على جميع الموجودات خلعة الوجود." (حضرة بهاء الله)

إن القلب محل الأسرار الباقية لا تشغلوه بالأشياء الفانية . (بهاء الله)
ما أراده الحق جل ذكره لنفسه هو قلوب العباد، لأنها كنائز لذكر ومحبة الله، وخزائن للعلوم والحكم الإلهية.

 إن إرادة السلطان الأزلي لا تزال كانت تطهير قلوب العباد من إشارات الدنيا وما فيها حتى تصلح لتجلي أنوار مالك الأسماء والصفات.

"لم يزل كان إصلاح العالم بالأعمال الطيّبة الطّاهرة، والأخلاق الرّاضية المرضيّة." (حضرة بهاء الله)

سوف يأتي اليوم الذي تعلو فيه العفة، والديانة، وحجاب النفس- بحيث لو أن إحدى ربُات الجمال التي بجمالها لا تعير للشمس ذرة أهمية، وليس لها نظير ومثيل في شئون الحسن والجمال. ولو أنها خرجت مُزيَّنة بجميع جواهرها وزينتها الخارجة عن إحصاء أولي النهى، وخرجت بدون حجاب، وسافرت وحيدة منفردة، دون رقيب من مشرق الإبداع إلى مغرب الإختراع، مارة بكل الديار، وسائرة بكل الأقاليم؛ فإن الإنصاف والأمانة والعدل والديانة وفقدان الخيانة والدناءة، يجب أن يصل إلى درجة، بحيث لا تمتد يد تطاول أو تطمع إلى ذيل ذروتها، أو تنفتح عين خيانة أو شهوة إلى جمال عصمتها، إلى أن تعود بعد سفرها من الديار إلى محلها وموطنها، بقلب لا غبار عليه، ووجه مستبشر. وبعد ذلك تفضل حضرة بهاء الله: بحول الله سأنقل العالم إلى هذا المقام الأعلى، وسأفتح هذا الباب على وجوه الكل. وقد نزل من القلم الأعلى في هذا المقام، وصدر من مصدر الأمر هذا البيان في مراتب أهل البهاء: "هم عباد لو يمرن عليهم ذوات الجمال بأحسن الطراز، لن ترتد أبصارهم إليهن، ولو يرون واديًا من الذهب، يمرون عليه كمر السحاب. كذلك نزل من مالك الرقاب".
ولهذا يتفضل: "فسوف نرى الأرض جنة الأبهى".

ففى هذا الحين، لن نحتاج إلى حجاب أو نقاب. فسوف تكون الأرواح فى حجاب عن كل ملذات الدنيا حبًا وعشقًا للمحبوب الباقي.

أهدى هذا المقال إلى الزميل الفاضل الكاتب دكتور "هاشم عبود الموسوي"، والذى كان لحضرته الفضل الأول فى كتابتى لهذا الموضوع. مع خالص أمنياتى فى أن لا تحزن كلماتى أى من أعزائى القرّاء، أو الكتّاب- فالعبدة هذه تحترم الرأي الآخر، وإيمان كل إنسان بفكره ومعتقده.

شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٦ صوت عدد التعليقات: ٤ تعليق