بقلم: هيام فاروق
مر علىَّ هذا الأسبوع بكوكتيل مواقف..قد يحتاج كل موقف إلى مقالة متفردة..ولكنى رأيت أن أدمج عدة مواقف لقصر السرد، وعمق الموقف.
سأبدأ بما أدهشنى، وشد إنتباهى، وأعطانى درسًا أبويًا غاية فى الروعة والصدق..أعتبره قدوة فى السلوك للجميع..ألا وهو ذهاب قداسة البابا "شنودة" لعزاء الدكتور "ثروت باسيلى" ــ وكيل المجلس الملى، وعضو مجلس الشورىــ فى وفاة أخيه.
أما كان يكفى أن يوفد قداسته هذا اللفيف الهائل من الأساقفة الأجلاء، الذين لا يقل عددهم عن العشرين أسقفًا وسكرتارية قداسته؟ وخصوصًا فى هذا الجو الشديد الحرارة والرطوبة، وفى هذه السن المتأخرة، وفى هذه الحالة الصحية التى نعلمها جميعًا؟ ولكنه ذهب بنفسه خصيصًا، وكأنه أراد أن يرد بلا صوت على الشائعات التى ترددت من فترة بخصوص علاقته بالدكتور "ثروت باسيلى"، ولم يرد قداسة البابا على أى منها. واعترف بأنى تعجبت لومامنى فى داخلى لهذا الصمت..لماذا لم يريح شعبه بالرد؟! وإذ بنا نراه يذهب شخصيًا لعزائه رغم هذه الظروف.
حقًا، إنه موقف رعوي رائع فى التعليم يُحسب له فى تاريخه مع شعبه وأبنائه، يُسكت به أقلام وألسنة الكثيرين، بما يحويه من حب جم لهذا الرجل الجليل.
ولا يقل عن موقف قداسته، موقف السيد "جمال مبارك"، حيث ذهب لتعزيته بمنتهى الوطنية والحب، رغم وفود العديد من الوزراء والمسئولين.
أما الموضوع الثانى، وهو ما قرأته فى جريدة اليوم السابع لأحد الصحفيين، نقلاً عن لسان القس "بولس عويضة"، بإتهامه للقس المتنيح "إبراهيم عبد السيد" بالهرطقة، والطعن فى لاهوت السيد المسيح.. ولا أعلم من أين جاء جناب القس "بولس" بهذه التهم؟ والكنيسة نفسها لم تنسب له أى من التهمتين، ولا انعقدت خلال سبع سنوات، أية جلسة من جلسات المحاكمة. وإن لم يتفوه القس "بولس عويضة" بهذا الكلام، فليتفضل وينفى كلامه؛ مراعاة لأسرة الكاهن المتنيح، ومراعاة لإبنته وأحفاده الذين يسيئهم هذا الكلام، وخصوصًا إنه صادر من فم كاهن، بصرف النظر عن موقف القس "إبراهيم عبد السيد" من قرار وقفه أو ظروف نياحته.
ولكن يسيئنى- كما يسىء شعب المسيح- أن يُتهم الرجل دون دليل، ودون مراعاة لأحد.. وإن كانت عندنا صحافة صفراء، أم حمراء، ترمى التهم جذافًا، وهى معروفة بأنها صحافة غير مسئولة..فهل أيضًا عندنا كاهن غير مسئول؟
ومن ضمن ما آثار حفيظتى أيضًا هذا الأسبوع، إننى تعرضت لموقف أثار حزنى وكآبتى..فأحيانًا أدخل الـ Rooms (الغرف) الخاصة بـالــ Paltalk، وأسمع ما يدور فى بعضها. وبالصدفة دخلت room أرثوذكسية، وكان يتكلم فيها أحد الكهنة عن سر الإعتراف، وقد بالغ كثيرًا فى وصف الكاهن بالطبيب النفسى والروحى، وعمم حسن مسئولية جميع الكهنة بخصوص هذا، وكفاءتهم المتناهية فى تقبل هذا السر.. وحينئذ- رغم مبدأى بعدم إبداء أى رأى لى فى هذه الغرف، إلا إننى كتبت فى الـ text المعروض للغرفة، أنه ليس جميع الكهنة مؤهلين لتقبل هذا السر، ولا يُعطى الكهنوت صلاحية للكاهن فى كل الأمور..كما يجب أن تتم إختبارات نفسية للمتقدم لسر الكهنوت؛ لمعرفة كفاءته وأمانته..
وإذ بى أفاجىء برد الكاهن الموجود حينئذ، قائلاً (فلانة) ـ التى هى أناـ تقول (كذا)، يبدو أنها غير أرثوذكسية، وتريد نشر أفكارها البروتستانتينة هنا فى الرووم. تحفظوا منها.
فأكدت له أننى أرثوذكسية أبًا عن جد، فقال مدعيًا الشفافية: أبدًا أبدًا، هذه ليست أرثوذكسية.. وفى التو واللحظة، وجدت علامة تشبه علامة (ممنوع الدخول) الخاصة بإشارات المرور موضوعة بجانب إسمى؛ فتعجبت وسألتهم عن سبب وضع هذه العلامة، فأجابنى الأدمن (الشخص الذى يدير الغرفة): وضعناها إحترامًا لقدس أبونا؛ لأنه نوّه لنا بذلك. وكأن إهانة الآخرين ترضى قدس أبونا..
صدقونى تعجبت..فجميعكم تعلمون إسلوبى جيدًا، وتعلمون إنى مستحيل أن أتخطى حدودى أبدًا فى الكلام مع أى إنسان، فما بالكم فى الكلام مع أحد الكهنة!!!!!
للأسف، لم يتسع صدر الكاهن لأى مناقشة، رغم أن هذه الغرف ما هى إلا غرف مناقشة، وليست غرف فرض وصايات بلا مجادلة.
لماذا لم تتقبلوا آبائنا أى كلمة طالما إنها فى سياق وحدود الأدب، والبنوة، ومراعاة الأبوة الروحية لكم؟
لماذا لم تردوا على الفكر بفكر آخر؟
لماذا عند أقل سؤال- أو حتى إستفسار- جاهزون بالرد (أنتِ بروتستانتينية)، وكأن البروتستانتية أصبحت تهمة!!!!!! عجبى!!
يا آبائى، ناشدتكم كثيرًا من قبل، وأناشدكم الآن..اسمعونا..حاورونا..أجيبونا..اعطونا آذانكم..اعطونا جزء من أوقاتكم..اعطونا حبكم..اعطونا رعايتكم وسعيكم وراء كل نفس..فالنفوس تضل وتبعد. قدّموا رحمة لا ذبيحة. |