CET 00:00:00 - 21/08/2010

مساحة رأي

بقلم: شاكر فريد حسن
فُجعت حركة التنوير والنهضة العربية، وانتكبت من جديد، بغياب علم آخر من أعلامها، هو الكاتب والمفكر الكويتي الدكتور "أحمد البغدادي"، والذي أُضيف إلى قائمة المنارات الثقافية والكواكب المضيئة، التي أفلت وانطفأت خلال الفترة القريبة المنصرمة، وتكبدتها الحياة الثقافية والفكرية العربية بدءًا بـ"محمود آمين" العالم، و"عبد العظيم أنيس"، مرورًا بـ"فؤاد زكريا"، و"محمد عابد الجابري"، و"نصر حامد أبو زيد"، وأخيرًا "أحمد البغدادي"، و"الطاهر وطار"، و"غازي القصيبي".
 
 والدكتور "أحمد البغدادي"، الذي غيَّبه الموت في الأسبوع الماضي، وهو في أوج وعز عطائه الفكري الخصب والمنوع، بعد صراع مع مرض القلب، من ثوابت العقلانية العربية. وهو مفكر وأكاديمي بارز ذو توجه علماني، وباحث في التراث الديني، وكاتب ليبرالي، ومدافع إنسانى، وسجين الرأي. ويُعد أحد فرسان الحركة الليبرالية العقلانية في الكويت والوطن العربي.
 
 حصل على درجة الدكتوراة في فلسفة الفكر الإسلامي، والماجستير في الفكر السياسي العربي، والبكالوريوس في الإقتصاد والعلوم السياسية. ومارس مهنة التدريس في كلية العلوم السياسية في جامعة "الكويت" إلى أن وافته المنية.

عُرف "البغدادي" بوضوح مواقفه السياسية والفكرية والعقائدية والدينية، وكان صاحب نفس أبية وشريفة، وضمير نقي وحي. رفض المساومات والإغراءات المالية البترودولارية، وقوبلت أفكاره وطروحاته بمعارضة من قوى التخلف والظلامية؛ نظرًا لشجاعته وجرأته في الطرح؛ ونظرًا لقناعاته الفكرية والأيديولوجية التي لم يحد عنها قيد أنملة.

 قارع "أحمد البغدادي" قوى الشر والفساد والظلام والرجعية المتخلفة، وصارع التيارات الدينية المتعصبة والمتشددة، عدوة الحياة والحرية والعقل والمنطق، وعانى الكثير في مواجهة أنصار ودعاة الخرافة والأسطورة، وأعداء النور والإجتهاد والتغيير. كما تعرَّض لمحاولات إغتيال وتصفية جسدية، وقُدِّم للمحاكمة بتهمة "الإساءة إلى الدين"، كما حصل معه عقب نشره مقاله "أما آن لهذا التخلف من نهاية؟!\" في صحيفة "السياسة" الكويتية، وُحكم عليه بالسجن أكثر من مرة، كذلك مُنع كتابه "تجديد الفكر الديني" من التداول في أسواق "الكويت".

 و"أحمد البغدادي" مثال ونموذج ساطع في نزاهة الموقف وشجاعة الرأي، ومناضل صلب وفذ في الدفاع عن حرية الكلمة وحرية الإنسان، والذود عن العقلانية مقابل ثقافة النفط والخرافة والإستهلاك والخنوع والإستسلام، والتقليد الزائف، والتخلف الإجتماعي الموبوء.

 كان "أحمد البغدادي" يكتب وينشر عمودًا أسبوعيًا في صحيفة "الإتحاد" ضمن وجهات نظر، وعمودًا آخر في صحيفة "السياسة" الكويتية، وهذه الكتابات أثارت جدلاً واسعًا في الشارع الكويتي والعربي؛ لما تضمنته من وجهات نظر مغايرة للمُسلَّمات القائمة والسائدة.
 
 وقد أثرى "البغدادي" المكتبة العربية بأعمال بحثية وفكرية رائدة، وهى: "تجديد الفكر الديني، دعوة لإستخدام العقل، محاولة في قراءة عقلية الفكر الديني، أحاديث الدين والدنيا: الواقع المفارق للنص الديني".

 "أحمد البغدادي" مفكِّر وباحث متعمق، ينطلق من العقل في بحوثه ومداخلاته، وكغيره من المثقفين المستنيرين، يدعو إلى تجديد الفكر الديني.

 وهو من مؤسسي الحركة التنويرية العقلانية الليبرالية في "الكويت" والعالم العربي، وقدّم لهذه الحركة الكثير من الأفكار الطليعية العقلانية الواعية، والآراء التنويرية المشعة. وبرحيله تفقد وتخسر الثقافة العربية، وحركة النهضة والفكر العربي العلمي، مثقفًا وأكاديميًا ملتزمًا، ومفكِّرًا ديمقراطيًا إنسانيًا، وطليعيًا عاش واحدًا موحدًا في سلوكه وفكره. وسنبقى نحتاج إليه ولغيره من دعاة التجديد والتنوير، ولأفكارهم المضيئة، في هذه المرحلة العصيبة الحالكة التي تمر فيها شعوبنا العربية، في ظل إنحسار المد التجديدي الحداثوي النهضوي، وانتشار ثقافة الإستهلاك والخلاعة والجسد، وتفاقم أحوال الرداءة في مجتمعاتنا العربية.

شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ١ صوت عدد التعليقات: ٠ تعليق