CET 00:00:00 - 27/04/2009

مش كده ولا ايه

بقلم: شفيق بطرس
تواجدت لساعات طويلة بمرافقة أحد أفراد عائلتي بأكبر مستشفيات الولاية في بلاد العم سام وكان عليَّ الانتظار بصالة الزوار أو (حُجرة أُسر المرضى) وقد عرفت مقدماً أنه سيطول بي الانتظار وكنت مُجهزاً بجهاز اللاب توب لكي أتابع النت وكذلك بعض الكتب المُحببة لي لقراءتها أثناء الساعات الطويلة هذه.
يوجد بروازاً ضخماً يتوسط الحائط الرئيسي وهو عبارة عن أحدث شاشات التليفزيون البلازما الجديدة  وعلى المائدة التي تتوسط الكنب والكراسي يوجد ريموت كنترول لكي يختار الزائرون ما يحلوا لهم من قنوات لمتابعتها.

طبعاً طالما يوجد أطفال ستكون لهم الكلمة العُليا في الاختيار، وفعلاً قد يحاول بعض الكبار جس النبض ولكن ينتهي به البحث إلى الالتزام باختيار الأطفال المتواجدون وهذا بالضبط ما حدث، تابع الأطفال البرامج الخاصة بهم وأنفرد البعض بأنفسهم يفكرون في أحوال مرضاهم وكيفية تسديد مصاريف العلاج الخيالية، والبعض انفرد في قراءة الكتاب المقدس يتمتم بصلوات خاشعة ليلمس الرب مرضاهم، والبعض يهمس ببعض كلمات تعزية واستسلام لأبناء أحد مرضاهم الميئوس من شفائه، أما أنا فقد شردت مع كتاب يتبحر في الفلسفة.

كانت في أقصى ركن الحجرة مجموعة من الرجال يظهر من ملامحهم أنهم شرق أوسطيون وطبعاً تأكدت عندما علا صوت أحدهم على غير المعتاد، فلا يُسمح في هذه الأماكن بالكلام بصوت عالي حتى يعلمون الأطفال منذ الصغر ويقولون يجب التحدث بـ (همس المكتبات) والمقصود منها بهمس وصوت منخفض خافت وكأنكم في مكتبة المدرسة أو المكتبة العامة حيث لا يسُمح بالتحدث إلا بالهمس لكي يعطوا جواً من الهدوء للجميع للتمتع بالقراءة.

وكان الرجل صاحب الصوت العالي الجهوري يستنكر كلام الآخر الذي قضم أخر قضمة من طعامه حين قال (زاكى والله زاكى الطعام..) فنهره الآخر وقال: ألف هنا يا زلمه إيش دراك مين عمله وإيش كلت حلال ولا حرام.. كافر من صنعه طبعاً وكافر من يأكله.. قال له الآخر ماشي الحال يا عم فَوّت...
صرخ العملاق المتنرفز وقال لا والله خلاص ما عُدت حامل ها لملم العيال والمَرَه (زوجته) وأرحل على البلاد، قال هذا وهو يخطو متوجهاً للأطفال ولم ألاحظ على أي من الأطفال ملامح عربية، فكل الأطفال المتواجدون يظهر أنهم أمريكان من البيض وبعض الأمريكان السود وبعض أطفال يظهر بوضوح أنهم مكسيكان.
شد العملاق هذا ذراع طفل في التاسعة تقريباً وقال له يلا نغور من هنا وتبعه طفل آخر وطفلة، وكلهم لا يظهر عليهم الملمح العربي أبداً -فالشعر أصفر والعيون زرقاء والواضح أنهم من أم أمريكية بيضاء-، قال أحد الرجال المرافقين له طيب نغير (الشانل) ونجيب غيرها، قال لأ مش هانخلص من عيال الأمريكان نغور مش عايز عيالي يشوفوا (الإيستر) ولا الأرنب اللي بيلم البيض في السلة بتاعته.. بلاش كفر وإلحاد.. عيالنا ضاعوا..

عرفت سبب نرفزته وكان يكاد أن يخلع زراع ولده البريء لأن الأطفال كانوا يتابعون برنامجاً عن الإيستر وأفراح أعياد القيامة و(الباجزبانى) الأرنب الذي يلملم البيض الملون في سلته ويداعب أزهار الروابي ويتنطط فوق الجبال وعبر الوديان، ولم يتكلموا عن القيامة ولا عن المسيح ولا عن دين أو عقيدة..
واتنرفز صاحبنا واتشنج وكاد أن يخلع ذراع طفله وحرم باقي أطفاله من متابعة البرنامج المُمتع عن الأرنوب الشقي وسلة البيض والزهور!!
خاف العملاق العربي على أطفاله من الكفر وتلويث عقولهم بالرغم من خلو البرامج عن أي معلومات أو إيحاءات دينية وسحب أطفاله يبحث عن حجرة أخرى يفتح فيها شانل للأخبار وحكايات الحروب والكوارث والقتل والذبح هذا أفضل بالنسبة له!!

قفلت كتابي وتنهدت بكل حزن وتذكرت المؤتمر اليتيم الذي ينعقد في بلادي الغالية الحبيبة مصر لكي يبحثوا تنقية برامج التعليم من التعصب الديني ونسمع عن أن كل المواد بالنسبة للتلميذ والطالب المصري يدخل فيها وبقوة الدين الإسلامي والآيات القرآنية والتعاليم الإسلامية -من اللغة العربية إلى الحساب حتى دروس العلوم والتاريخ والجغرافيا- وقلت لقد هربت بأولادك من الكفر يا زلمة، وأين نهرب نحن بأولادنا المسيحيين يا ظلمة؟؟؟ مش كدة ولا إيه 

شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٧ صوت عدد التعليقات: ٧ تعليق