CET 00:00:00 - 30/08/2010

مساحة رأي

بقلم: نسيم عبيد عوض
للأستاذ مراد كامل ( أستاذ علم تاريخ وحضارة الأقباط ) مقولة رائعة لها الصدى الوطنى فى نفوسنا جميعا , كتب فى مقدمة كتابة الشهير وواسع الإنتشار والمرجع الثمين لكل الدارسين
 " حضارة مصر فى العصر القبطى" 

" دافع شعب مصر عن حضارته وثقافته التى ورثها , أمام التيارات الجارفة التى هددتها بالإكتساح , وصمد الشعب أمام الأحداث الجسام التى إنتابته ورجست أركان حضارته , وكانت تحده فى ذلك روح وطنية خالصة , ولا غرابة فى ذلك , فإن  حضارة مصر وثقافتها مصرية صميمة نبعت من شعب مصرى أصيل , له كيانه الخاص , له شخصيته المميزة , ولقد أثرت حضارته فى العالم , كما شارك الشعب المصرى فى تقدم الإنسانية . " ( وللقارئ  العزيز أرجوه  أن يعيد قراءة ماكتبه هذا العالم الجليل مرة أخرى " كتب ذلك منذ أكثر من 6 عقود . 

تذكرت ماكتبه أستاذنا الجليل وأنا اطالع كتابات بعض كتابنا الذين ينتابهم القلق على حياة شعبنا القبطى فى مصر ,  ومستقبل الأيام فى الشرق الأوسط والعربى , وخصوصا وتطاردهم فضائيات مسمومة لا حصر لها  , وهى فى الحقيقة فخ لهم يكشفهم على حقيقتهم , ولا يهز  شعرة من رؤؤسنا .

        ولا بد أن نتذكر دائما أن  الشعب القبطى عظيم  على مر العصور , وعظمته وخلوده يظهر فى تمسكه بوحدته الوطنية وصلابة مواجهته لكل أصناف التحديات التى إصطدم بها عبر التاريخ , حتى إن لو واحدة منها واجهها شعب آخر لمحته من على الأرض كما حدث للأرمن فى تركيا . فقد واجه الشعب القبطى مخططات تصفية عرقية كاملة , ومازال باقيا على أرضه مصر وبالملايين و حتى أن مسز بوتشر فى كتابها عن تاريخ الكنيسة القبطية كتبت أن معجزة الزمان هو بقاء الأقباط حتى الآن على أرض مصر .
   فى القديم واجه الفرس وهم أمبراطورية فى أعظم مجدها وجبروتها ., وواجه هذا الشعب الأمبراطورتين اليونانية والرومانية , ثم الغزو العربى الإسلامى والأمبراطورية العثمانية  , ومازال باقيا على أرضه, ثم مخطط التآمر الكاملفى عصرنا الحديث  والمتفق عليه من الدول الإسلامية المجتمعة لمحوة من الأرض وبقيت الأرض وعليها أقباطها وسيظل باقيا راسخا وصامدا على ترابه حتى نهاية الأيام.
   هذا الشعب وأرضه مباركا من الرب الإله نفسه حتى أن الهنا أختص أرضنا مصر بإنفراد عجيب فى الكتاب المقدس , حتى أن لفظة "مصر" ذكرها الكتاب المقدس 611  مرة فى 558 آية , وبمسيرة القديسين والأنبياء على أرضه , موسى النبى العظيم وإرميا النبى الذى دفن فى تراب مصر ,  ومرقس الرسول وأولهم كلمة الله إلهنا يسوع الطفل وأمه العذراء مريم ويوسف الصديق, هذا بخلاف دماء شهداء الأقباط المسيحيين التى تغطى وتحتويها كل ذرة  من تراب أرضنا من الشلالات جنوبا حتى الأسكندرية ومرسى مطروح شمالا.

   ونود هنا أن نؤكد على وحدة الأقباط الوطنية كإحدى عناصر القوة الحقيقية فى بقاء هذا الشعب, يواجه التحديات ومؤمرات التصفيات فى صلابة مهما كانت قوة المتآمرين , فمنذ غزو العرب لمصر وحتى اليوم ومر عليهم خلفاء وأمراء وولاة ورؤساء وملوك كان هدفهم الوحيد محو الأقباط أو بمعنى أوضح محو مسيحية الأقباط , ولم يفلح أحد منهم حتى الآن ولن يفلحوا وبقى مذبح الرب الأرثوذكسى على أرض مصر وسيبقى للأبد.

   أقول أن فى وحدة الأقباط الوطنية عبر التاريخ أظهرت عظمة هذا الشعب , حتى أنه بوحدته وتمسكه وتعلقه بقيادته تحدى المستحيل , وهز جبروت الأمبراطورية الرومانية , وكما ذكر المؤرخين أنه كلم أشتد الضيق بالاقباط كلما إزدادوا صلابة وتمسكا برأيهم ورغبتهم فى نوال الإستقلال الدينى الذى أشتروه بدمائهم المسفوكة . هذا الشعب العظيم سبق شعوب كثيرة فى ثوراته ضد الظلم والطغيان والإستعباد , فإذا كان البعض يقلق من وجود بعض الركب المخلعة أو بعض النفوس الضعيفة أو بعض فقاعات الإنشقاق التى يواجهها الأقباط فى كل عصر وزمان , ومع ذلك فإن قوة الشعب الوطنية هى الباقية والخالدة.

  وثورات ألأقباط الشعبية المختلفة الأسلوب ومحددة الهدف كانت فى زمن خال من أى تكنولجيا أو حتى وسائل إتصال , لكن كان التضافر والتماسك الشعبى كوحدة واحدة خلف قيادة قوية وطنية لا هدف لها إلا رفع الظلم عن عاتق الأقباط هو المنتصر فى كل المواجهات.
  وفيما يلى نعطى بعض الأمثلة على ذلك من صفحات كل مراجع  تاريخنا المجيد :

أولا: ثورة الأقباط الشعبية ضد الأمبراطورية اليونانية:
     قاد القديس الانبا شنودة رئيس المتوحدين ثورة شعبية ضد ظلم الحاكم اليونانى وضد إغتصاب حقوق الشعب القبطى , وكانت اللغة هى وسيلة وشكل الثورة الشعبية عندما تجمع الشعب حول القائد الأخميمى " نسبة لأخميم مسقط رأسه" وتتضافر الجميع على الإمتناع عن إستخدام اللغة اليونانية على ألسنتهم وحرموا على جميع أفراد الشعب القبطى من التحدث باليونانية أو حتى الصلاة بها , والتحدث فقط بلغة الشعب الأصلية ( القبطية باللهجة الصعيدية)
وقامت الجهود المكثفة لإلغاء كل الكتب المكتوبة بللغة اليونانية , وترجموها الى اللغة المصرية (القبطية) .. حتى وجد المستعمر اليونانى نفسه منعزلا وحيدا يعيش وسط شعب لا يقبل التفاهم معه بلغته , وقد حدث فى ثورات الأقباط فى أوائل القرن الخامس الميلادى أيضا عندما بدء البطاركة الرومان فى سلب حقوق الكنيسة القبطية , إلتف الشعب كله خلف بطريركهم وقفلوا باب الحوار تماما مع الشعب المستعمر حتى رضخ البطاركة الرومان لرغبات الكنيسة القبطية , ويسمى المؤرخون الانبا شنودة بلقب " بطل القومية القبطية"

ثانيا: ثورة الأقباط الشعبية ضد الأمبراطورية الرومانية:
   وهذه الثورات إنطلقت أيضا من وحدة الشعب وتماسكة, ووقوفهم جدارا واحدا أمام جبروت الحكام والولاة الرومان, والذى أتبع أسلوبا أكثر عنفا , وسأختار لكم مثلا واحدا لثورة الأقباط ضد الأمبراطورية الرومانية لأنها كتاب كبير جاهد فيه الشعب ضد الحكام والأباطرة الرومان طوال 6 قرون من الزمان , وقد قدم هذا الشعب ألوفا من الشهداء , وفى التاريخ زمن الأمبراطور مركيانوس الذى أعتنق مذهب الهراطقة الخلقيدونيين  نفى بطريرك الأقبط البابا ديسقوروس الى جزيرة جاجرا لتمسكه بالإيمان الأرثوذكسى المستقيم , وقام الأمبراطور بعزل البابا ديسقورس وتعيين برتاريوس  بدلا منه ( وهو راهب مصرى أبدى موافقته على قرارات الإنشقاق ) وأرسل مع قواته العسكرية رسائل تهديد لكل من تسول نفسه ويخالف قرار الأمبراطور , ولكن هيهات فقد قام شعب الأسكندرية قيامة رجل واحد وأضرموا نار الثورة العارمة فى ألأسكندرية راح ضحيتها 24 ألفا من الأقباط الشهداء  الشجعان وقد كان منهم اساقفة وكهنة ورهبان , وكان منهم الانبا مكاريوس أسقف أدكو  فى صعيد مصر , وفى عام 457 م وبعد وفاة مركيانوس قام الأقباط وعينوا البابا تيموثاوس الثانى بطريكا عليهم , وارسلت روما قائد الجيش ديونيسويوس ومعه جنودة لإخضاع الأقباط لرغبة روما ولكن الشعب قاموا بثورة قوية وقاموا على بطرك الرومان بروتاريوس وقتلوه فى 28 مارس عام 457 م , وقتل فى هذة الثورة 6 آلاف , فأصبح عدد  شهداء ثورة الأسكندرية 30 الفا من الأقباط الشهداء الأبطال. ولم تتوقف ثورات الشعب المصرى ضد الرومان المحتل إلا بعد إعلان الأمبراطور قسطنطين الديانة المسيحية ديانة كل العالم . وكان الشعب المصرى فى كفاحة ضد الرومان يتخذ طابع المقاطعة الكاملة فى التعامل معهم فوجد الرومان أنفسهم فى عزلة وفى سجن مغلق عليهم حتى يرضخون لمطالب الأقباط, كما حدث فى أمر حرمان  معلمهم وبطل  كنيستهم الأرثوذكسية  أوريجانوس . هذه لمحات من الجهاد والثورات التى قام بها الشعب طوال 6 قرون من الظلم والعبودية . , وفى النهاية ذهب المحتل وبقى الأقباط .

ثالثا: ثورة الأقباط الشعبية المسلحة:
     فى أواخر القرن السادس الميلادى قام الحاكم الرومانى لقسم ( سمنود) – محافظة الغربية – بإلقاء القبض على أثنين من الشعب ظلما وعدوانا ( بانون ابن أمنون و قسا بن صموئيل ) ووضعهم فى السجن , وهنا ثارت ثورة الأقباط الشعبية , وقاد هذه الثورة ثلاثة أخوة فى مركز أبو حمص – محافظة البحيرة – وأشعلوا نار الوطنية فى نفوس الأقباط فى كل أنحاء مصر , وهب الشعب فى سمنود وقاد الثوار الشعب فى بلدة قريبة من سمنود وهجموا على القوات الرومانية وطردوهم من البلدة واستمر زحفهم تحت قيادة الإخوة الثلاثة فى أبو حمص حتى أعلنوا الثورة فى كل الوجه البحرى كله, ووضع الثوار سيطرتهم على أقليم كاملة وزحفوا نحو الأسكندرية العاصمة , ووضعوها تحت حصار أقتصادى وأستولوا على المواد التموينية ومنع دخولها للأسكندرية , حتى حدثت مجاعة للقوات الرومانية , وهب شعب الأسكندرية أيضا تحت سخط المجاعة وقادوا ثورة شعبية كادوا يفتكون فيها بالرومان لولا توسط بعض قادة الأقباط ومنعوا الشعب من إستكمال ثورتهم , وأما الزعماء الثلاثة ( بسخرون- مينا – يعقوب ) فقد إستمروا فى قيادتهم للثوار الأقباط وخلفهم الشعب كله , وهنا استخدموا الأسلحة المستولى عليها من مواقع القوات الرومانية فى البلاد المختلفة , واستمر هجومهم وثورتهم العتيدة على القوات الرومانية وحطموا مراكبهم البحرية فى مصر , وزحفوا خلفهم حتى حدود قبرص يكتسحون أمامهم قوات الرومان البحرية والحربية حتى خاف الأمبراطور الرومانى من وطأة الهزيمة وطلب الصلح مع زعماء الثورة الثلاثة.
ورغم تحقيق المطالب الشعبية إلا انهم لم يفرجوا عن المسجونين فى سمنود , فأستمر الزعماء الثلاثة فى ثورتهم حتى بقوا وحدهم فى الميدان بمفردهم يقاتلون جيش الأمبراطورية الرومانية يقاتلون فى شجاعة وبسالة وحتى وصلوا الى بلدة صان الحجر – محافظة الشرقية – وهناك وقعوا فى قبضة القوات الرومانية , وقطعوا رؤوسهم , ولكن الثورة لم تخمد فاستمر الشعب فى ثورته , وقد اكتسحوا الرومان فى عدة مدن فى الوجه البحرى والقبلى.

   شعبنا على مر العصور كان يعرف ثمن الثورة وقيمة الإستقلال , وعلى مر االتاريخ ينسى الشعب خلافاته ويعود مرة أخرى فى وحدة وطنية , التى هى علامة مسيرته وخطاه نحو العزة والكرامة للأمة القبطية الباقية الى الأبد. وهكذا كتب التاريخ والمؤرخين وعلى رأسهم الأستاذ مراد كامل عن هذا التاريخ المشرف ووحدة الشعب القبطى الوطنية.

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٣ صوت عدد التعليقات: ٥ تعليق