بقلم : د. عبدالخالق حسين
ابتليت البشرية بالمتطرفين في كل زمان ومكان، وبالأخص التطرف الديني الذي مارسته معظم الأديان. والتطرف الديني أنتج الإرهاب الديني، وقد عانت من شرور هذا التطرف والإرهاب مئات الألوف من الأبرياء وبالأخص في عصرنا الراهن الذي أدى إلى ظهور منظمة القاعدة الإرهابية. والجدير بالذكر، أن الإرهابيين لا يعتمدون فقط على النتائج المباشرة لأفعالهم الإرهابية، بل على ردود الأفعال التي هي أشبه بسلسلة تفاعلات تفليق الذرة chain reactions، أو تساقط قطع الدومينو، وكل تطرف يقود إلى تطرف من الجانب الآخر.
وقد بلغ تطرف منظمة القاعدة الذروة في جريمة 11 سبتمبر 2001 التي أدت إلى سلسلة من الكوارث والحروب كرد فعل لهذه الجريمة الشنيعة. كذلك بات معروفاً لدى الباحثين في التطرف الإسلامي الوهابي، أن أكثر من 80% من ضحايا الإرهاب "القاعدي" هم من المسلمين المدنيين في العالم الإسلامي.
ومن أخطر ردود الأفعال لأفعال القاعدة الإرهابية، هو ظهور تطرف مسيحي في الغرب، سواءً في أوربا، أو أمريكا، مثل نشر الرسوم الكاريكاتيرية المسيئة إلى مشاعر المسلمين، أو ما يعانيه المسلمون في المجتمعات الغربية على أيدي المنظمات الفاشية، وما يتعرض له أي شخص من ذوي الملامح الشرقية من مضايقات وإهانات في المطارات والطائرات، حيث تحوم حولهم الشكوك. وكذلك توسع شعبية الأحزاب السياسية العنصرية في أوربا، والمعادية للمسلمين المقيمين في الغرب. وأخطر ظاهرة برزت في أمريكا في الآونة الأخيرة هو قرار المبشر المسيحي في كنيسة فلوريدا، بحرق القرآن وعلى رؤوس الأشهاد بحلول الذكرى التاسعة لهجمات الحادي عشر من سبتمبر.
في الحقيقة إن هذا القرار هو عمل صبياني وعدواني متطرف، إن دل على شيء فإنما يدل على غباء وتطرف أعمى من قبل هذا القس ومن يقف وراءه، فهو يسيء لمشاعر مليار ونصف المليار من المسلمين في العالم، وهو دعوة لتصعيد صراع دموي بين أتباع أكبر ديانتين، الإسلام والمسيحية، يذهب ضحيتها الأبرياء. ولا شك أن أكثر من يستفيد من هذه الجريمة هو منظمة "القاعدة" وأئمة المساجد الوهابية التي ستستغل هذه المناسبات لصب الزيت على نار الفتنة المشتعلة أصلاً، وإقناع المزيد من الشباب المسلمين المتعصبين للانضمام إلى منظمات الإرهاب.
وهذه الجريمة سيكون لها رد فعل مشابه لما حصل بعد نشر الرسوم الكاريكاتيرية المسيئة قبل سنوات، حيث كان أكثر المتضررين منها هم المسيحيون المقيمون في البلدان ذات الأغلبية المسلمة، والمسلمون المقيمون في البلدان ذات الأغلبية المسيحية. فهؤلاء هم عبارة رهائن لدى العناصر المتطرفة يتم الانتقام منهم في هذه المناسبات.
فبعد نشر الرسوم المسيئة، انثال الغوغاء في العراق، والسودان، والصومال، وسوريا، وفلسطين، ولبنان على المسيحيين وقتلوا عدداً منهم، وأضرموا النيران في كنائسهم، وكذلك أحرقوا بعض السفارات الأوربية في دمشق وبيروت. ومن المتوقع أيضاً في حالة تنفيذ جريمة حرق القرآن أن تتكرر أعمال العنف المأساوية ذاتها ضد المسيحيين الأبرياء في تلك البلدان الإسلامية. ومقابل ذلك سيؤدي هذا العمل إلى تصعيد التطرف والتعصب لدى المسلمين في الغرب والشرق، ومنحه زخماً قوياً لرفد التنظيمات الإرهابية.
والحقيقة إن قرار هذا القس بحرق نسخ من القرآن، لا يمثل إلا نفسه وعدد قليل جداً من أمثاله المتطرفين، مقابل حملة إدانة واسعة من جميع رؤساء الحكومات الغربية ومنظمات المجتمع المدني في البلدان المسيحية، إضافة إلى إدانة البابا لقرار القس المتطرف.
ولكن من المتوقع أن دعاة التطرف الإسلامي وبالأخص بن لادن زعيم منظمة القاعدة أنهم سوف لن يهتموا بإدانات المسؤولين الغربيين للجريمة، بل سيركزون على هذا العمل الشاذ والنادر من نوعه، والذي لا يمثل حتى واحد بالمليون من الشعوب الغربية.
وعليه، هناك احتمال كبير أن يتخذ المتطرفون الإسلاميون في البلدان الإسلامية هذه الجريمة ذريعة لإطلاق العنان لغرائزهم العدوانية باسم الله والإسلام، ضد المسيحيين في بلدانهم، لذلك نطالب حكومات هذه البلدان، وبالأخص في مصر والعراق، أخذ أقصى درجات الحيطة والحذر، لحماية المسيحيين وكنائسهم من أي عدوان، وذلك بتكثيف الحراسة في مناطق تواجدهم وخاصة على الكنائس. |
|
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك
أنقر هنا
|
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر
أنقر هنا
|