CET 08:59:20 - 15/09/2010

مقالات مختارة

بقلم : فاطمة ناعوت

راسلتني قبل أسبوع محررةٌ أدبية تعدُّ أنطولوجيا شعرية عالمية، تستأذن في تضمين بعض قصائدي المترجمة لتمثّل جزءًا من الصوت العربي. رحبتُ. فسألتني إن كنتُ أمتلك حقَّ نشر الترجمات. فأجبتها بأنني أظن ذلك، بما إن مترجمي مهرجان روتردام الشعري، الذي شاركتُ فيه قبل أعوام، قد ترجموها من العربية لتُنشر في منشوراتهم آنذاك، ثم نُشرت بعد ذلك في الصحف الهولندية. فأجابتني بأن القانون "مفيهوش أظن!"، ومن ثم راسلتْ هي المترجمَ ورئيس المهرجان المذكور، لتستأذن في نشر القصائد بكتابها. يحدث هذا بينما القصائد قصائدي؛ لكنها الآن، في صورتها المُترجَمة، أصبحت ملكيةً مشتركة بين المترجم والمهرجان وبيني. الأمر ذاته يحدث مع صوري الشخصية حين تطلبها مجلات أو صحفٌ غربية. يسألون: مَن المصوِّر، لكي نستأذنه في النشر؟ وقبل أعوام كنت أقرأ قصائدي على مسرح زيوريخ بسويسرا، ولاحظتُ مصوّرةً تدور حولي على المنصّة، وتلتقط لي الصور أثناء قراءتي. وعند نهاية المهرجان، أهدتني المصوّرةُ الألمانية سي دي عليها صور، فوجئتُ أن كلها زووم لمعصمي، حيث كنتُ أضعُ حُليًّا فضيّة فرعونية. غاب وجهي عن الصور، ومع هذا قالت لي بحسم، فيما تناولني كارتها الشخصي، إنني لو أردتُ نشر أيٍّ من هذه الصور، فلابد أن أذكر أنها بعدستها. كلُّ مَن تعامل مع الغرب يعرف أن مسائل الملكية الفكرية، بديهياتٌ لم تعد محلّ نقاش فيما بينهم. لكنهم يجادلوننا بشأنها لأننا عربٌ، لم نتعلّم بعد تلك البديهيات! رغم إننا ’الوحيدين‘، من بين شعوب الله، الذين نتكلم آناء الليل وأطراف النهار عن الفضيلة والشرف والعفاف، مختزلينها، وحسب، في غطاء شَعر، وطول لحية، ورجل وامرأة! بينما أولى درجات سُلَّم الفضيلة، الذي هو "صعبٌ طويلٌ سُلَّمُه"، هي معرفةُ حقوق الآخر، وعدم استلابها. لأن في حفظ حقوق الآخر، حفظًا ضمنيًّا لحقوق النفس، وبالتالي، حفظًا لحقوق المجتمع كاملاً.
لذلك يشعرُ المرءُ بالدهشة، بقدر ما يشعر بالتقزز والنفور، حينما يجد صورًا تخصُّ الرجلَ العظيم، الذي قطفَ لمصرَ ثمرةَ نوبلَ الرابعة، مستباحةً على الفيس-بوك! آل بيت البرادعي من النساء في ملابس البحر، وفي مناسبات خاصة من زفاف وحفلات عائلية! نشرها ذاك الذي نشر(!)، دون وجل من انتهاك خصوصية عائلية؛ هكذا على الملأ دون استئذان!! (وبعد برهة من ارتكابه الذنب، سيستصرخُ الفضيلةَ ويبكي ضياعها! تلك هي النكتة السخيفة).
ولأن صانعي الفيس-بوك غربٌ، يسألونك، قبل بثّ أية صورة، أن تُقرّ بأنك مالكٌ حقوق نشرها، مفترضين أنك صادقٌ في إقرارك. لكننا نكذب! ولا نشعر بأننا نأثم! بل نُؤثِّـمُ أولئك الذين نشرنا صورهم، قسرًا، لأنهم يسبحون في مياه الله، وتحت شمسه!
تلك حروبٌ رخيصة عليها دمغةٌ عريضة تقول: "صُنعَ في المنطقة العربية". فالعالمُ كلّه بات يعرف أننا أربابُ الشكليات، وأعداءُ المضمون. ننظر إلى المظهر، ونغفلُ، عامدين، أن ننظر ’في‘ الجوهر. نُطيل اللحى إلى النحور، ثم نأتي كل ألوان الموبقات من سرقة أموال الكادحين، والزواج من قاصرات غافلات، بعدما نلوّح لهن بقطعة حُليّ أو حفنة نقود! نغطي شعرنا، ثم نفعل كلَّ ما تحرّمه السماءُ من شائنات!
لن أسأل ماذا يُفترَضُ أن تلبسَ النساءُ حين يسبحن، بل أسائلُ مَن أطلق تلك المعركة الرخيصة: ثم ماذا؟ لكن وعي الشباب المصريّ لا يخيّب ظننا، ويجيبُ عن السؤال. ففي مقابل آحاد الأصوات الغافلة التي هاجمتِ الرجل وآل بيته، نجد المئات رفضوا أن يقعوا في الفخ. تعليقات مستنيرة طالبت بالفصل بين حياة الناس الخاصة، ودورهم الاجتماعي والسياسيّ في محاولة تغيير ما ظلَّ عصيًّا على التغيير منذ قرن. ثمة أملٌ في شباب هذا البلد الأمين. .

نقلاً عن الحوار المتمدن

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ١ صوت عدد التعليقات: ١ تعليق

خيارات

فهرس القسم
اطبع الصفحة
ارسل لصديق
اضف للمفضلة

جديد الموقع