CET 18:35:47 - 15/09/2010

مساحة رأي

 بقلم: فرانسوا باسيلى

ما زال العالم يعانى من تداعيات الحدث الأخطر منذ مطلع القرن الحادى والعشرين والذى يُعرف الآن بالحادى عشر من سبتمبر، أو "ناين إليفين". والسؤال المفيد هنا هو: هل تعلم أحد شيئًا من دروس الحادى عشر من سبتمبر؟
تقول مقولة شهيرة إن الذين لا يتعلمون من التاريخ محكوم عليهم بتكرار مآسيه .
فهل تعلمت الأطراف المختلفة أى شيئ من ذلك الحدث التاريخى بما يمكنهم من عدم تكرار مآسى ذلك اليوم وتداعياته الدموية؟ وما هى الدروس التى من المفروض على هذه الأطراف تعلمها واستيعابها؟
 
المتطرفون الإسلاميون
المتطرفون الإسلاميون هم صانعو عملية الحادى عشر من سبتمبر تدبيرًا وتنفيذًا. والذين قاموا بتنفيذ عمليات سبتمبر لم يتركوا ورائهم ما يشرح أسباب قيامهم بهذا العمل ولا مفهومهم له وهدفهم منه، ولا مطالبهم أو شكواهم أو تظلماتهم.. فلم يهتم أحد منهم بكتابة بيان أو رسالة: مما يفسر بأن هذه العملية كانت هى هدفًا فى حد ذاتها، أى أن الهدف هو إحداث قدر هائل من القتل والتدمير دون هدف سياسيى لاحق يريد تحقيقه. وهو تفسير محتمل حيث أن المزاج المتطرف بشكل عام هو مزاج تكتيكى وليس استراتيجيًا فالمتطرف ينظر فقط للفعل الذى يقوم به، الذى هو أقرب إلى الانفعال الغريزى الذى يطلب التنفيس عن الكراهية والحقد ويريد الانتقام والتشفى، دون أن يفكر في رد الفعل أو الخطوة التالية سواء من قبله أو من قبل عدوه. وهذا ما نلاحظه فى الصراع الفلسطينى الإسرائيلى على مدى ربع القرن الماضى حيث تتصارع الأصوليتان الإسلامية واليهودية فى شكل عمليات لحظية انفعالية انتقامية من كل طرف ضد الآخر، دون قدرة على التوصل إلى ابتكار رؤية استراتيجية تقدم حلاً شاملاً بعيد المدى .
 
وعلى هذا فليس من المتوقع أن يكون المتطرفون الإسلاميون الذين دبروا أو نفذوا أو ساندوا عمليات سبتمبر قد استخلصوا منها أى دروس، فالمرء مثلهم لا يطلب دروسًا من مشاعره الانتقامية الراغبة فى التشفى البحت، وبالتالى فالتداعيات الواقعة بأضرارها على المسلمين أنفسهم سواء فى "العراق" أو فى البلاد العربية أو "الولايات المتحدة" لا تشغل بال هؤلاء، ولم تكن ولن تكون فى حساباتهم؛ لأنهم بالأصل لا ينشغلون بالحساب الأرضى تحت توهمهم أنهم يعيشون فقط من أجل الحساب والعقاب الإلهى الأخير.
 
أما إذا أردنا أن نقوم نحن بحساب الربح والخسارة لحركات التطرف الإسلامى التى باركت عملية سبتمبر، فالمرجح أن يكون فائض الخسارة أكبر بكثير من فائض الربح. فقد تم احتلال وتدمير دولة عربية أساسية كانت هى إحدى عواصم الخلافة الإسلامية فى عصرها الذهبى (الدولة العباسية). وتدل المؤشرات أن مستقبل "العراق" لن يخلو من احتمالات التقسيم أو الحروب الأهلية أو قيام دولة دينية شيعية تابعة لـ"إيران"، وهذه كلها ليست سوى خسارة لحركات الإسلام السنى. كما أن أوضاع الجاليات الإسلامية فى أوربا و"أمريكا" ستكون هى أيضًا خسارة لتداعيات سبتمبر. 
 
لم تحقق عمليات سبتمبر إذن سوى خسائر باهظة للمسلمين دولاً وجاليات وشعوبًا. ولم تحقق سوى لحظة تشفى وانتقام ونشوة صبيانية مراهقة تروى غليل أصحابها لبرهة قصيرة، نشوة مراهقة لأنها انفعالية ولحظية تعتمد على التشفى فى ضرب الغرب فى أهم رموز حضارته ومراكزها المالية والسياسية والعسكرية، لا تفرق بين مدنيين وعسكريين، ولا تقدم مطالب سياسية محددة.. فما جاء على لسان زعماء القاعدة بعد ذلك  لم يكن سوى إقحام لقضايا عربية فى عملية سبتمبر التى لم تكن مرتبطة بهذه القضايا فى الأساس. وإذا كانت حركات التطرف الإسلامى تطمح حقًا فى الانتصار على الحضارة الغربية، فليس من سبيل أمامها سوى تحقيق التفوق النوعى على هذه الحضارة فى جميع مجالاتها كما تحاول أن تفعل اليوم "الصين" مثلاً. فهذه هى أدوات الصراع الحقيقى الاستراتيجى طويل الأمد.. ولكن هذا صراع يعرف المتطرفون الإسلاميون إنهم لا يملكون أدواته، وليسوا قادرين عليه. لذا يختارون طريق التخريب الأسهل يزرع قنبلة هنا وهناك وبهذا ينتشون لحظيًا ويخسرون مستقبليًا.
 
الولايات المتحدة
ما هى الدروس التي يمكن لـ"الولايات المتحدة" استخلاصها من "ناين إليفين" ؟
إذا تأملنا كيف استحوذت الولايات المتحدة على تعاطف ومؤازرة وتأييد العالم أجمع حكومة وشعوباً بعد ضربة سبتمبر إلى حد خروج الآلاف من الشباب الإيرانيين في طهران تأييداً لها وشجباً للإرهاب.. ثم كيف تحول كل هذا التعاطف العالمى إلى سخط وغضب عنيف مع إعلان الولايات المتحدة نيتها فى شن الحرب على العراق وكيف خرج الملايين من المواطنين فى مختلف أنحاء العالم ضد الحرب لأمكننا أن نستخلص الدرس الأول وهو أنه يمكن للدول أن تربح عالمياً بشكل كبير عندما تكون فى موقف الحق والعدل وفى موقف الإنسانية النبيلة الجريحة ..
 
فحتى عندما هاجمت الإدارة الأمريكية أفغانستان كان التأييد العالمي ما يزال قوياً إذ يمكن للجميع تفهم قيام دولة للدفاع عن نفسها ضد دولة أخرى منحت أراضيها لجماعة القاعدة للتدريب على أعمال الإرهاب التى أسفرت عن عمليات سبتمبر. فإلى هنا كان التصرف الأمريكى مشروعاً باعتباره دفاعاً عن النفس. وعندما بدأت الإدارة الأمريكية تضع عينها على العراق الذى لم يقم بمهاجمتها بدأت فى فقدان التعاطف والتأييد العالمي دولاً وشعوباً.. وراحت الإدارة الأمريكية تتصرف بكثير من الصلف والتعنت مفتعلة صداماً مع دولة لا تهددها مختلقة أسباباً رأى معظم البشر أنها ملفقة. واندفعت فى حرب راحت تطلق عليها أوصافا مثل "الصدمة والترويع" وكأن هؤلاء الذين ستصدمهم وتروعهم بالقنابل الهائلة التي راحت تمطر بغداد بجنون ليسوا بشراً أبرياء بينهم النساء والأطفال والكهول.
 
 ولم تستطع الجماهير العريضة في معظم دول العالم مساندة حرب تراها جائرة لا تستند إلى شرعية ولا إلى موقف أخلاقي رفيع كان هو المنتظر من دولة فى مكانة الولايات المتحدة.. وهكذا أهدرت الإدارة الأمريكية فرصة تاريخية كانت رهن أيديها لتكوين تحالف عالمي حقيقي من كافة الحكومات والشعوب ضد التطرف والإرهاب. وبدلاً من ذلك انزلقت إلى تصرفات تفتقد الشرعية فأشعلت حرباً راح ضحيتها إلى اليوم أكثر من مائة ألف إنسان . فالدرس الأساسي هنا أنك لا تأخذ أمر الحرب بذلك الاستخفاف والهرولة والغطرسة التي أخذها بها المحافظون الجدد بل عليك الالتزام الصارم بالشرعية وبالأسس الأخلاقية التى تملى عليك التحقق من الجناة والتأكد من الأدلة وعدم اختلاق المبررات.
 
 هذا من الناحية الشرعية الأخلاقية أما من الناحية العملية المجردة فيمكن استخلاص الدرس الذى استوعبه الرئيس جورج الأب من حربه الأولى ضد صدام والتى انتهت بالنجاح فى تحقيق هدفها من إخراجه من الكويت .  فقد قال بوش الأب أنه قبل أن تشعل حرباً عليك أن تعرف ثلاثة أشياء: ما هو الهدف الذى تريد تحقيقه والذى بتحقيقه تعرف أنك انتصرت, ثم كيف ستبدأ الحرب, ثم كيف ستنهى الحرب . أما فى حالة بوش الابن, فقد كان يعرف واحداً فقط من هذه الثلاثية وهو كيف يبدأ الحرب, فهذه خططوا لها جيداً ونجحوا فيها بسهولة . أما كيف ينهى الحرب وماذا يحققون منها فلم تكن هذه واضحة لأحد . وأقدموا على الحرب دون معرفة الأمرين الآخرين بشكل واضح ومحدد , 
 
ولكن مهما كانت النتيجة فى العراق , وحتى لو أدت إلى تراجع مهين للإدارة الأمريكية فإن هذا لا يعنى بالضرورة هزيمة أمريكية طويلة الأمد ,فمن مزايا النظام الديمقراطى الأمريكى انه يفرض التغيير الشامل فى الماسكين بكافة شئون الحكم كل أربع أو ثماني سنوات على الأكثر.. وبالتالي تأتى أداره جديدة أكثر قدره على استيعاب الدروس الحقيقية وإجراء التعديلات الضرورية فى السياسة الأمريكية لضمان أداء أفضل , وهذا ما حدث بعد حرب فيتنام التى راح فيها عشرات الأضعاف مقارنة للخسائر الأمريكية فى حرب العراق ,ورأينا كيف استطاعت الإدارات  الأمريكية المتعاقبة أن تتجاوز أخطاء حرب فيتنام وتخرج فى النهاية منتصرة على عدوها الاتحاد السوفيتى وتقضى ليس فقط على المد الشيوعى الذى كانت تريد إيقافه فى فيتنام بل على الشيوعية نفسها كأيديولوجية وكنظام  فأنهار الاتحاد السوفيتى بكاملة على نفسه. 
 
الشرق الأوسط والعالم
أما الدرس الآخر الهام جداً الذى على دول المنطقة استيعابه فهو حقيقة أن محاربة الإرهاب لا تكون بالسلاح الأمنى وحده , وإنما يجب أن تكون مواجهة شاملة ذات أبعاد أمنية وثقافية  وسياسية واجتماعية , ورغم أن الحرب ليست هى الأسلوب الناجح لإدخال الديمقراطية إلى دول المنطقة ,فمازال احد الدروس المستفادة من ضربات سبتمبر هو أن الأنظمة الاستبدادية والمجتمعات الفاشلة فى المنطقة العربية هى ارض خصبة لانتشار الفكر الدينى المتطرف ولذلك فلا مناص من تشجيع الديمقراطية على المدى الطويل ,مع الاهتمام بالتعليم العصرى الحقيقى للأجيال الصاعدة , فهكذا يمكن استقطاب الشباب الحائر الضائع المحبط ومنحه فرصة صناعة حياته ومجتمعاته , هذا داخلياً , أما خارجياً فلابد من حل القضية الفلسطينية حلاً عادلاً شاملاً دون أساليب المماطلة الإسرائيلية ودون الخضوع للفكر الأصولى  اليهودى الذى يريد الأرض التى يسكنها ملايين الفلسطينيين.
 
هذه هى دروس الحادى عشر من سبتمبر 
فهل سيتعلم احد شيئاً بعد مرور سنوات على الحدث .. 
أم نحتاج إلى سنوات إضافية من الموت والخراب والإرهاب ؟
fbasili@gmail.com
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٦ صوت عدد التعليقات: ٠ تعليق