CET 17:36:05 - 17/09/2010

مساحة رأي

بقلم: جرجس بشرى 
عندما شاهدت حوار الدكتور "محمد سليم العوا" لــ"برنامج بلا حدود" على قناة الجزيرة الفضائية، شعرت بالدهشة والإستياء الشديد في آن واحد؛ بسبب الكم الهائل من المغالطات والافتراءات التي جاءت بالحوار، والتي كان الغرض منها الترصد بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية، والتحريض ضد قداسة البابا "شنودة الثالث"..
 
 ومن المثير للتعجب أن تصدر هذه الافتراءات ضد الكنيسة وقداسة البابا من رجل قانون، يُفترض إنه صاحب فكر، وحامل لشعلة التنوير في مجتمع أغلبيته مضروبة بداء الجهل والأمية الدينية والفكرية والثقافية. فإذا كان الدكتور "العوا" يفكّر كذلك، فما بالك برجل الشارع البسيط؟ وماذا سيكون رد فعله عندما يسمع هذا الشحن ضد الكنيسة وقداسة البابا والأقباط؟!!
 
 إن أبسط ما يمكن أن يُوصف به هذا الحوار، هو إنه حوار تحريضي، وسيكون من نتائجه تكدير السلم والأمن العام في "مصر" مستقبلا ً، عبر شحن الغالبية المسلمة ضد الاقلية القبطية المصرية ودور عبادتها، وقداسة البابا شخصيًا، الأمر الذي لم ولن يصب على الإطلاق في مصلحة "مصر" بل سيخدم بعض أجندات الدول التي تتربص بمصر.
 
 وأشد ما أندهشت له في الحوار، هو إدعاء "العوا" أن الاقباط يخزنون الأسلحة في الأديرة والكنائس، وأن أحد أبناء الكهنة بـ"بورسعيد" (جوزيف القمص بطرس الجبلاوي)، استقدم سفينة بها متفجرات من "إسرائيل" لتخزينها بالأديرة!
 
 والغريب أن "العوا" يتساءل: لماذا يخزن الأقباط هذه الأسلحة داخل الأديرة والكنائس، إلا إذا كانوا سيستخدمونها ضد المسلمين؟! ويبدو أن "العوا" تناسى أن المسيحية ديانة السلام والمحبة والتسامح، بل وهي الديانة الوحيدة التي تحض على محبة "العدو"، وإتباع البر والسلام مع الجميع، وعدم مقاومة الشر بالشر . فالسيد المسيح له كل المجد عندما أرسل تلاميذه القديسين لتبشير الناس بالخلاص، لم يرسلهم لغزو البلاد التي سيبشرون فيها، لقتل كل من لا يؤمن برسالته الإلهية، أو لإكراههم على الدفع عن يد وهم صاغرون. بل قال لتلاميذه: "ها أنا أرسلكم مثل حملان وسط ذئاب، لا تحملوا كيسًا ولا مزودًا ولا أحذية...وأي مدينة دخلتموها ولم يقبلوكم، فأخرجوا إلى شوارعها وقولوا حتى الغبار الذي لصق بنا من مدينتكم ننفضه لكم، ولكن اعلموا هذا إنه قد اقترب منكم ملكوت السموات" (لو 10).
 
 فالمسيحية ترفض الإرهاب والقتل، كما لا تدعو إلى الجهاد ضد المخالفين لها في الدين بالقتال، وترويع الأبرياء، وتكوين ميليشيات أو أجنحة عسكرية، أو تفجير النفس للتقرب إلى الله-  حاشا- ولكنها تدعو أتباعها إلى الجهاد الروحي ضد قوى الشر  الروحية، وضد الرغبات الدنسة التي تحارب النفس..
 
وإنني أسال هنا "العوا": هل سمعت في كم الإعتداءات على الكنائس بعد صلاة الجُمع، أن مسيحيًا رفع سلاحًا على المسلمين المعتدين على الكنائس؟!! أما بشأن شحنة الأسلحة التي إدّعى "العوا" أن ابن القمص "بطرس الجبلاوي" استقدمها من "اسرائيل" بحسب جريدة "الشروق"، فقد أكّد مصدر قضائي في تصريح لصحيفة الأهرام كذب الخبر المنشور في "الشروق"، مؤكدًا أن الشحنة كانت قادمة من "الصين" وبها ألعاب نارية، وبعد أن قامت النيابة بالتحقيق مع نجل القمص "بطرس الجبلاوي" أخلت سبيله.  وبرغم ذلك  تم القبض عليه وترحيله إلى سجن "أبو زعبل"!! وكانت صحيفة "الاقباط متحدون" قد نشرت على لسان أحد المحامين المتضامنين مع "جوزيف القمص بطرس الجبلاوي" أن "جوزيف" برئ من التهمة المنسوبة إليه. كما أكد هذا المحامي تواطؤ الشرطة بـ"بورسعيد" والنيابة مع مالك السفينة المسلم!
 
ومن الأمور التي تدعو إلى السخرية أن "العوا" في الحوار المشار إليه، اتهم قداسة البابا "شنودة الثالث" بتحدي أحكام القضاء عندما اعترض على الحكم الصادر من المحكمة الإدارية العليا بإلزام الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بالزواج الثاني للمطلَّق، ويبدو هنا  أن "العوا" كان يتمنى أن يخالف البابا تعاليم الكتاب المقدس لكي يرضي المحكمة! وأيضًا أسأل "العوا": ماذا سيكون موقفك وموقف المسلمين لو أصدرت المحكمة الإدارية العليا حكمًا بإلزام المسلمين بعدم دفع الزكاة، أو بعدم الحج، أو بعدم ارتداء الحجاب، أو بعدم صوم رمضان، أو الزواج بواحدة فقط؟؟! 
 
 ولست أعلم لماذا يغتاظ "العوا" ويأخذ على خاطره من البابا عندما يؤيد ترشيح الرئيس "مبارك" أو ولده "جمال"؟ ولماذا يتهم "العوا" البابا بتوجيه الأقباط سياسيًا لانتخاب "مبارك" أو ولده "جمال"؟ مع أن قداسة البابا مواطن مصري قبل أن يكون بطريركًا للكرازة المرقسية في "مصر" وسائر بلاد المهجر. ومن حق قداسته أن يعبِّر عن رأيه بحريه فيمن ينتخبه..ويبدو أن "العوا" قد تناسى تصريحات كثيرة للبابا بأن الكنيسة لا تتدخل في السياسة، وإنها لا توجِّه الناس سياسيًا؛ لأن ذلك ليس من سلطاتها. 
 
 ولم يكتف "العوا" بهذا الحد في تطاوله على الكنيسة، بل وصل به الامر لاتهامها بالخيانة والاستقواء بالخارج!! ولست أعرف تمامًا ما هي رؤية "العوا" للخيانة والاستقواء بالخارج؟ هل يريد "العوا" أن تصمت الكنيسة والبابا "شنودة" على قهر حقوق أتباعها، ولا تندّد بالظلم الواقع على الأقباط وتمشي جنب الحيط كي لا تُتهم بالاستقواء بالخارج؟!!! وما هو معنى الاستقواء بالخارج في عصر العولمة الذي أصبح فيه بموجب العهود والمواثيق الدولية من حق أي مظلوم أن يرفع صوته منددًا بالظلم الواقع عليه، في حالة إذا لم تستجب حكومة بلده لإقرار حقوقه المشروعة؟!!!
 
الغريب هنا أن يتم اتهام البابا "شنودة" بالاستقواء بالخارج، في الوقت الذي يستقوى فيه المسلمون أنفسهم بـ"أمريكا"!! هل يتذكر أحدكم لماذا استغاث الملك السعودي بـ"أمريكا" بعد غزو "صدام حسين" لـ"الكويت"؟ ولماذا يلهث الرؤساء العرب المسلمين وراء "أمريكا" للتدخل لحل القضية الفلسطينية؟!! 
 
ومن الظريف أن يتهم "العوا" الكنيسة بالاستقواء، وهو يُدرك وطنية قداسة البابا ومحبته لـ"مصر" التي لا يختلف عليها إنسان منصف. فلا ينسى أحد للبابا "شنودة الثالث" رفضه القاطع لاستقبال وفد الكونجرس الأمريكي عقب مذبحة "نجع حمادي"  التي ارتكبها مسلمون ضد اقباط ليلة الاحتفال بعيد الميلاد 2010م. 
 
أما عن اتهام الكنيسة بالخيانة والعمالة لـ"إسرائيل" فهو اتهام باطل لا يستند إلى أسس منطقية وواقعية؛ لأن قداسة البابا مواقفه واضحة من القضية الفلسطينية، كما أن موقفه معروف من زيارة الاقباط لـ"القدس" في الوقت الذي أحل فيه قادة كبار من الأزهر والأوقاف زيارة "إسرائيل". والأخطر من ذلك أن لقداسة البابا كتاب هام جدًا وهو "موقف المسيحية من إسرائيل"..يبدو أن "العوا" لم يقرأه!
 
 وبخصوص "وفاء قسطنطين" فهي أعلنت أمام جهات التحقيق إنها وُلدت مسيحية وستعيش وستموت مسيحية. وليس من حق "العوا" ولا غيره من المتأسلمين ودعاة الفتنة المطالبة بظهورها وإقحام أنفسهم في صلب حياتها الشخصية، التي لها حرمة خاصة مصونة بالدستور والقانون. وليعلم "العوا" وأمثاله أن الكنيسة تحترم الحريات الدينية، ولا تفرض الايمان المسيحي على أي مسيحي آمن بالإسلام عن اقتناع كامل وبدون ضغوط. وليس من تعاليم المسيح على الإطلاق قتل واحتجاز وتعذيب المتحوِّلين من المسيحية إلى الإسلام. فالكنيسة لا يوجد بها "حد الردة" كما في الإسلام، ولا يؤثر في المسيحية على الإطلاق ارتداد "بطريرك" عنها ذاهبًا إلى ديانة أخرى، أو بسبب هرطقة ما. 
 
إنني أدعو المحامين الشرفاء، والمنظمات القبطية بالمهجر للتصدي لافتراءات "العوا" التي جاءت بالحوار. وهي افتراءات من شأنها أن تكدِّر الأمن العام في "مصر" وتؤلب المسلمين ضد المسيحيين..أناشدهم بسرعة اتخاذ الاجراءات القانونية لملاحقة "العوا" قانونيًا. وأناشد القيادات الكنسية والكتاب الاقباط الرد على المهاترات التي جاءت بهذا الحوار الإرهابي قبل أن تحترق "مصر" كلها.
 
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ١٥ صوت عدد التعليقات: ١٩ تعليق