بقلم: مينا ملاك عازر
أول مقال كتبته لسيادتكم في موقعنا "الأقباط متحدون" كتبته من فوق فراش المرض، على إثر كسر ألم بقدمي بعد مرور أتوبيس فوقها، وأذكر أنني كتبته بعد عملية نجاني منها الله أشكره على كل حال، أما هذا المقال فأنا أكتبه وإصبعي البنصر الأيمن قد زاد وزنه من خمس لستة جرامات، ليس بفعل ورم من خبطة؛ وإنما بفعل دبلة الخطبة!!
ودعك من أغاني فرحة الخطوبة، والتي تترأسها أغنية "شادية" الشادية بقولها: "يا دبلة الخطوبة عقبالنا كلنا"، لننتقل لأطول خطوبة في تاريخ خطوبة كل مصري بمصر، حيث يخطب المصريون مصر منذ ولادتهم وحتى موتهم، ولا يستطيع أحد منهم زواجها؛ فهي لا تحب أحدًا، فحب المصريين لمصر حب من طرف واحد، وذلك ليس عيب في مصر، لكن عيب في مَن حكم مصر واحتكرها وتزوجها ويهددها، بأنها لو تزوجت آخرًا سيتهمها بتعدد الأزواج؛ مثل "زهرة"، فبقت مصر مثل البيت الوقف.
وأسمعك تهمس وتقول: يا ريت تكون علاقتنا بمصر علاقة خطوبة، ففترة الخطوبة جميلة ناعمة هادئة رومانسية، لكنها في الحقيقة غير ذلك باالنسبة للمصرين، حيث يعيش الخطيب في قلق منتظرًا اللحظة التي تجمعه مع مَن أحبها وخطبها، وكل مرة تُؤجل اللحظة فيتعب نفسيـًا ويُعرقل الزواج لأسباب تافهة ومؤسفة، فيتوتر وتتحول حياته لجحيم.
والجحيم أن تخطب ولا تتزوج، وأن تحلم ولا تحقق حلمك، لذا يعيش المصريون في جحيم مستمر، يحبون بلدًا لا تحبهم، وإن أحببتهم وشم خبر زوجها قتلها، أو لوح لها بالقتل، وإن حاولت خلعه أعلن الطوارئ واتهمها بأنها ضد الاستقرار، وتعمل على قلب نظام الحكم.
ونظام الحكم هو التحكم في مصير مصر إلى الأبد؛ فأي خروج على هذا النظام يعد خرقـًا له، ومصر من الزوجات المستكينات، لكن عشاقها هم الثوار والمتمردون؛ فيحرضونها على معصية زوجها حبـًا فيها، ولا أعرف لماذا يحب المصريون امرأة متزوجة إلا إذا كانت حبهم الأول والأخير، وإلا إذا أحبوها حبـًا لا يُقاوم، يجعلهم يتغاضون عن أنها صارت لآخر قبل أن تكون لهم، فهم يعلمون أن زواجها ممَن سبقهم لم يكن بيد منها أو بغير حيلة منها.
والحيلة الوحيدة التي عملتها مصر منذ أمد بعيد حدثت عام 1805، حين تحرك محبو مصر -وهم شعب مصر- واختار حاكمه، وكان "محمد علي" هو المُختار، ومن يومها لم يختار المحب لحبيبته حاكمه، إلا مرات نادرة آخر أيام الملك "فؤاد" وإبان حكم "فاروق"، ولكن للأسف؛ لم يُكتب لها الاستمرار، ولا تصدقوا الادعاءات بأن ثورة يوليو كانت ثورة شعب وجيش، ولكن كانت حركة جيش قَبلها شعب بغير حيلة منه، حيث لم يكن أمامه اختيار آخر، فبقت مصر متزوجة ومخطوبة في آنٍ واحد، حتى يقضي الله أمرًا كان مفعولاً، فقد يجتمع الأحبة يومـًا ما، لا يستطيع حينها الزوج أن يفعل شيئـًا.
المختصر المفيد: وقد يجمع الله شمل الشتيتين بعد أن يظنا كل الظن بألا تلاقيا. |