بقلم:سوسن ابراهيم عبد السيد
،ما بين الحديث عن حرق المصحف الشريف، و الرد عليه بازدراء الدين المسيحى و التشكيك فى صحة الكتاب المقدس
..ثم اتهامات لشركاء الوطن بإنهم ضيوف، و الرد بوجود أسلحة و ذخيرة فى الأديرة و الكنائس مما ينذر بحرب أهلية
اتهامات من هنا و افتراءات من هناك..أجد إننى أعيش فى عالم ملئ بالآلهة البشرية التى نصبت نفسها حكامًا على غيرهم
و تتوالى الصراعات، ولكن ما هى النتيجة؟؟؟
إذا عدنا بالذاكرة لبداية التاريخ البشرى، لوجدنا أن سقوط آدم كان سببه رغبته فى أن يصبح إلها..يعرف الخير والشر.
لم يكذب..لم يزن. لم يسرق..فقط أراد أن يعرف الخير و الشر، ويمتلك الحقيقة المطلقة. فعصى الرب و استحق السقوط .
وفى زمننا هذا، أجد أن الجميع يسلك نفس المنهاج، ويحكم به على الآخر..فهذا كافر وذاك مهرطق..وتلك ساقطة..ولا أحد من كل هؤلاء الحكام أعطى لنفسه بضعة دقائق فقط ليحكم بها على نفسه.
الجميع يفسر ما بداخل النفس البشرية للآخر, و لا يتسائل: لماذا أسلك هذا الطريق؟ ومن هنا تبدأ خطية الكبرياء والتفاخر والتعاظم، بحيث لا يرى هذا الإله ما به من عيوب، ويتفرغ فقط للحكم على الآخرين.
و إذا ركزنا حديثنا هنا عن الخطية بوجه عام، فلابد أن نعرف أن الخطية خطية فى كل الأحوال..نتيجتها تكون الانفصال عن الله. لا توجد خطية صغرى..وأخرى كبرى.
و لكن يبقى الروح القدس بداخل كل إنسان نال المعمودية؛ ليبكته على أفعاله فيشعر بالندم ويقدم توبة صادقة، فيضع قدمه فى طريقها إلى الرجوع للعشرة مع الله.
وطريق التوبة دائمًا مفتوح أمام كل البشر..فقط إذا أحس الإنسان إنه ليس إلهًا. وبمجئ المسيح واتمام عملية الفداء، أصبحت الشركة أيسر فى العهد الجديد.(إنجيل يوحنا 10: 10) "جئت ليكون لكم حياة ويكون لكم أفضل". لا أعتقد إنه مهما بلغت قداسة أية إنسان يستطيع أن يحكم على الآخر إذا كان على خطأ او صواب, خاطئًا أو تائبًا, صالحًا أم طالحًا؟ وإذا استثنينا حالات الجرائم البشرية من قتل وسلب واغتصاب، والمتوافر فيها أركان الجريمة من جانى ومجنى عليه..فسيتبقى لنا الجرائم المعنوية التى قد لا تتوافر فيها الأركان المادية للجريمة العادية، ولكن يعتبر مقترفها أشد خطورة وإجرامًا من مرتكب الجريمة المادية.
وفى ظل ظروف معينة قد لا يُحاسب قط، وتكون نتيجة أفعال ذلك الإنسان- المعتبر نفسه إلها- هى ضياع نفسه أولاً، وضياع نفوس كثيرة من حوله.
ويحكى لنا التاريخ الكنسى، كيف كان يسلك الأباء الأولين بتواضع مع الرعية، وكيف كانوا رابحين للنفوس، لا يرغبون فى ضياعها. ففى كتاب "تاريخ الكنيسة القبطية للقس "منسى يوحنا" يقول:
وفى سنة 307 م لما قرب عيد القيامة، تقدّم إلى البطريرك أولئك الذين كانوا قد جحدوا الإيمان ثم ندموا ومارسوا لأجل سقطتهم توبة مستطيلة، وطلبوا بدموع وإلحاح أن يحلهم ويقبلهم فى الكنيسة، فإهتم البابا "بطرس" بإعداد المنشور الذى يصدر سنويًا فى عيد الفصح، وضمَّنه التوبة التى بموجبها يقبل الذين سقطوا فى مدة الإضطهاد إلى حضن الكنيسة. وهذه هى القوانين نذكرها بالإيجاز، وقد أيدها البابا "بطرس" بالشواهد والأدلة الكتابية، وقد بقيت معمولاً بها فى جميع الكنائس الأرثوذكسية فى العالم أجمع حتى بعد الإنشقاق:
. 1-جميع الذين زلوا فى بداءة الإضطهاد لشدة ما قاسوه من العذاب المريع، ثم أظهروا توبة وندامة فى أثناء الثلاث سنوات الماضية، يجوز قبولهم فى الكنيسة يوم العيد الآتى، وذلك بعد أن يصوموا أربعين يومًا صومًا عنيفاً.
2. جميع الذين عثروا فى إيمانهم لداعى سجنهم فقط، دون أن يعذبوا عذابًا شديدًا، يجب أن تُعطى لهم سنة كاملة يظهرون فيها التوبة الحقيقية قبل قبولهم فى حضن الكنيسة.
3. كل الذين إرتّدوا عن الإيمان لمجرد الخوف والوهم فقط، ولم يذوقوا عذابًا، تُعطى لهم أربع سنوات ليبرهنوا فيها على التوبة والندامة.
4. جميع الذين ارتدوا ولم يعودوا يطلبون التوبة والإنضمام إلى الكنيسة، فلا يوجد قانون لهم، بل حرى بالكنيسة أن تبكيهم وترثى لحالهم.
5. الذين نجوا من العذاب أو الموت لتظاهرهم بالبله أو الصرع أو أية حيلة أخرى، تُمنح لهم مهلة ستة شهور فيها يكفرون عن سيئاتهم.
6. العبيد الذين أجبرهم مواليهم للتقدم للمحاكمة عوضًا عنهم ثم سقطوا فى هذه التجربة، ينبغى أن يبرهنوا على توبتهم بأعمالهم فى بحر سنة.
7. الموالى الذين فعلوا ما تقدم تفرض عليهم ثلاث سنين توبة.
8. جميع الذين عثروا ثم عادوا فأصلحوا خطأهم حالاً بأن قدموا أنفسهم للسجن وللعذاب، يجب قبولهم فى عضوية الكنيسة بدون فحص أو قصاص .
9. كل الذين قدموا أنفسهم للأخطار طوعًا واختيارًا، دون أن ينتظروا إلقاء القبض عليهم أو يصبروا حتى يرى ما يحل بهم، لا تصح محاكمتهم ومقاصتهم، بل يُكتفى بتذكيرهم أن المسيح ورسله لم يعملوا هكذا، ولم يلقوا بأنفسهم إلى الهلاك. أما الذين سقطوا من هذه الفئة المشار إليها فإذا كانوا من الإكليروس الذين طلبوا العودة إلى حضن الكنيسة فلا يجب قبولهم فى الوظائف الكهنوتية ثانية. بل يُقبلون كأعضاء فى الكنيسة فقط.
و لشدة إعجابى بهذا الكتاب، وبهذا المقطع بالذات منه، أردت أن أشارككم أحبائى القراء بهذه المعلومة الجميلة؛ تذكرة منى لضعفى أولا حتى لا أقع
فى فخ التعاظم وأحكم على الآخرين ربما بما ليس فيهم..ولكل من يريد أن يعيد حسابه مع نفسه لتقييمها.
فليترك كل إنسان أخيه الإنسان يعبد من يشاء وما يشاء، ولا يحجر على الآخر سواء فكريًا أو دينيًا أو عقائديًا. فلنكف عن البحث فى سرائر الآخرين، ونحكم على ذاك بالكفر وذلك بالإلحاد، وآخر بعدم توبته. فكلنا إنسان ولسنا آلهة.. |