حين صدر العدد الأول من جريدة الأهرام في الخامس من أغسطس عام ألف وثمانمئة وستة وسبعين على يد كل من اللبنانيين سليم وبشارة تكلا، شقت طريقها في عالم الصحافة بأسلوب جديد في الكتابة الصحفية، يعتمد على اللغة الرصينة السهلة القادرة على مخاطبة القراء، على اختلاف ثقافاتهم، وجذبت عمالقة الكتابة والفكر، وأصبحت منارة للعالم العربي، كما كان لها السبق في نشر أول صورة فوتوغرافية في صدر صفحتها الأولى عام ألف وثمانمئة وواحد وتسعين للمهندس الفرنسي "فرديناند ديليسبس" الذي أشرف علي حفر قناة السويس.
ومنذ إنشائها إلى اليوم مضى عليها نحو ثلاثة قرون، عايشت أنظمة وأحداثا شكلت تاريخ العالم، متبعة في ذلك تقاليد المهنة، وأصول العمل الصحفي، وما كان لأحد أن يتصور أن تلجأ الصحيفة إلى الفبركة، ووضع صورة الرئيس" حسني مبارك" يسير على السجادة الحمراء، وخلفه الرئيس الأمريكي "باراك اوباما" وخلفهما الرئيس الفلسطيني "محمود عباس"، ورئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" والعاهل الأردني الملك "عبد الله الثاني" بمناسبة انطلاق مفاوضات شرم الشيخ في الرابع عشر من الشهر الجاري، وهو ما خالف الحقيقة، فالعالم كله رأى الصورة على شبكات التليفزيون العالمية، وكان "اوباما" يتقدم الجميع وخلفه "عباس ونتنياهو" ثم العاهل الأردني الملك "عبد الله" على اليسار، والرئيس "مبارك" على اليمين يسير ببطء واضح.
أراد القائمون على إدارة مؤسسة الأهرام عبر وسائل الجرافيك، أن يظهروا الرئيس"مبارك" في طليعة زعماء المفاوضات المباشرة، بدلا من الرئيس الأمريكي " اوباما" في نفاق سياسي واضح، يسيء للرئيس وللنظام، وللصحافة المصرية، والجميع يعرف ما قدمته مصر من تضحيات في سبيل حل هذه القضية، وبدلا من الاعتذار عن هذا الخطأ، جاء العذر أقبح من الذنب، حين قال رئيس تحرير الأهرام الأستاذ " أسامة سرايا" إن الصورة " تعبيرية" وتؤكد دور مصر والرئيس مبارك في القضية الفلسطينية وهو دور معروف للعالم، ولم يكن بحاجة إلى العبث في صورة شاهدها العالم لنؤكده.
ويبدو أن رئيس تحرير الأهرام غاب عنه أن " الصورة التعبيرية" يرسمها فنان يعبر عن موقف أو يثير تساؤل، أما الصورة الفوتوغرافية فهي توثيق لحدث، وتشكل عنصرا مهما في الصحافة المكتوبة كما في الإعلام المرئي. ويبدو أن سرايا الذي درس الإعلام الدولي في جامعة القاهرة نسي أن "الصورة خير من ألف كلمة " فما بالك إذا كانت مزيفة ومضللة.
وأظن" وإن بعض الظن إثم" أن القواعد المهنية " أصيبت في مقتل" في قلب اعرق صحف المنطقة، وباتت الأهرام "أضحوكة" في الصحف الدولية والمواقع الالكترونية، وإذا كان البروتوكول يقتضي بأن يقود المضيف ضيوفه، فماذا تقول إذا كان هذا المضيف مع ضيوفه أمام مصوري الصحف، ووكالات الأنباء، وعدسات محطات التليفزيون العالمية التي بثت على الفور هذه الصور يوم الثالث من سبتمبر وشاهدها العالم بأسره.
ولان الاعتراف بالخطأ فضيلة، يحضرني في هذا المقام استقالة رئيس قناة العربية الكاتب الصحفي "عبد الرحمن الراشد" متحملا المسؤولية عما جاء في برنامج " الإسلام والغرب" في حلقة الخميس مساء الثاني من سبتمبر من " أن الغرب وصف الإسلام بالإرهاب والتطرف والعنف بسبب الوهابيين والسعودية هي السبب في نشر ذلك" والخطأ هو إعلان ذلك في قناة سعودية تروج لسياسات الإصلاح في المملكة، وهو ما يُفهمه البعض على أنه هذا اعتراف سعودي رسمي، ولأن الراشد صحفي مخضرم ويعرف دور القناة جيدا، فقد تحمل المسؤولية ولم ينفد منها بكبش فداء كما هو شائع في عالمنا العربي، فرفض الشيخ وليد البراهيم صاحب القناة الاستقالة، لأنه اعترف بالخطأ، وهو عكس ما يحدث في كثير من مؤسسات الإعلام العربي من تجاوزات، وأخطاء تمر مرور الكرام بدون رقيب وحسيب، فحين تخطيء صحفا في حق قرائها أو محطات في حق مشاهديها فلابد من التحلي بالشجاعة والمسؤولية وتقديم الاعتذار.
وبدافع الغيرة المهنية عاتبت الزميل والصديق "ياسر عبد العزيز" الذي يعمل مستشاراً إعلامياً لهيئة الإذاعة البريطانية ومدرباً محترفاً في مجال الصحافة المكتوبة والمرئية وكاتباً في عدة صحف بمجرد أن قرأت مقالا للدكتور " حسن نافعة" أستاذ العلوم السياسية المرموق، والمنسق العام للجمعية الوطنية للتغيير" يشكو فيه من أن محررا في جريدة المصري اليوم اخطأ مرتين في نقل تصريحاته في "المصري اليوم" وهو الآمر الذي دفعه إلى التوقف عن كتابة "مقاله اليومي" وجاء العتاب انطلاقا من قواعد مهنية يجب أن يعرفها من يعمل في الحقل الصحفي، خاصة وان الأمر يتعلق بصحيفة حفرت لهما اسماً في عالم الصحافة المكتوبة، وأنا على يقين من أن صديقي وهو مستشار إعلامي للجريدة لن يتوانى عن تدريب مثل هؤلاء الصحفيين ليضع قواعد مهنية ثابتة وليجعل صحفيي المستقبل يعترفون بالخطأ في حال وقوعه، ولا ينضمون إلى تحالف " عديمي الموهبة" الذين انتشروا في كثير من المؤسسات الصحفية والإعلامية في العالم
العربي
نقلا عن ايلاف |