بقلم: مجدي ملاك
الدين في مفهوم الشعب المصري مكوّن أساسي يري الكل أنه لا يمكن أن يعيش بدونه ويتمخض عن ذلك التدين مجموعة من الممارسات التي ينسبها كل طرف إلى حرصه على تطبيق ذلك الدين بالشكل الذي يفهمه، وبهذا تتولد لدينا معضلة كبيرة وهي ما بين رفض تلك السلوكيات لأنها لا تتناسب وطبيعة الحياة الإنسانية.
وفي هذا رفض لذلك التفسير الديني الذي يسوقه أصحاب دين معين أو قبول ذلك التفسير مع ما يحتويه من إساءة للبعض لنبقى أمام أمر يعتقد الكل أنه لا مفر منه طالما خص الجانب الديني في حياة المجتمع، ومن ثم فالنتيجة المتوقع هي استمرار تلك المجتمعات على ما هي عليه بنفس المعتقدات التي تدفعه إلى الخلف وليس إلى الأمام، وهو ما يجعل هناك شعور بالثبات في مجتمعنا المصري من كثرة ثوابته التي تحد من قدرته على التغيير وإتباع أنماط مختلفة من الحياة تجعله قادر على التكييف مع طبيعة المجتمعات الإنسانية في التغيير وتقبله.
إذاً نحن أمام حالة خاصة وصعبة من المجتمعات شديدة التدين وفي نفس الوقت شديدة الرفض لكل ما هو جديد ومختلف طالما كان هذا الجديد متعارض مع ثوابته ليتبقى لنا حل وحيد هو ضرورة إعادة تدين المجتمع المصري، ولكن بشكل مختلف وبحيث لا يصبح الدين هو مجموعة المعتقدات والموروثات الكتابية فقط التي تدفع في كثير منها إلى الاختلاف وربما إلى التنازع نتيجة فهمنا لها بشكل خاطئ.
وكأن الله يستخدم كل فئة من أجل الصراع ضد الفئة الأخرى على الرغم من أن البعض يؤمن أنها جميعها كتب الله، ومن ثم فالله يجب أن يكون ولابد في إعادة تديين المجتمع المصري على أسس جديدة تجعل من الإنسانية القاسم المشترك في تدينه وليتحول الإيمان إلى شأن شخصي، ويجب أن نستخدم في ذلك كل وسائل التبشير المختلفة بذلك التدين الجديد الذي يجب أن نسعى له جميعاً وهو تدين له شكل مختلف، تدين يدفع إلى الانتماء الإنساني ويترك الانتماء الديني الضيق، وبالطبع حتى لا يقصد هنا أن المطلوب هو إلغاء مجموعة من المعتقدات أو الأديان ولكن المطلوب فقط هو إعادة تديين المجتمع على أسس مختلفة غير متحيزة تأخذ من القواسم المشتركة السبيل الوحيد لإنهاء العديد من المشاكل التي تمر على المجتمع نتيجة تلك التحيزات الضيقة.
ولتكن تلك المرحلة مؤقتة وبحيث تمنع فيها جميع البرامج التليفزيونية المتحيزة التي تقوم على أساس ديني وبحيث تتاح الفكرة الجديدة بإعادة تديين المجتمع على أسس مشتركة وإنسانية مجال كبير للتطبيق حتى يتشبع المجتمع المصري من تلك الفكرة وبحيث يتخذ كل شخص من تلك الفكرة سيبل لإعادة السلام الاجتماعي داخل المجتمع المصري، وبحيث يترك الأفراد أفكارهم المتحيزة لصالح الأفكار المشتركة التي تجمعهم وتجعلهم يشعرون أنهم ينتمون للإنسانية قبل انتمائهم إلى أي دين أو تحيز آخر.
وهكذا خلال تلك الفترة سيتشبع الأطفال والكبار وغيرهم بالبرامج التي سوف تستهدفهم في تلك الفكرة بتأصيل تلك الفكرة في عقولهم وفي قلوبهم والأهم في ممارساتهم العامة، وهكذا سينشأ جيل جديد ولفترة لا تقل عن خمسين عام على مبادئ مختلفة وقيم جديدة ستجعل منه إنسان مولود بالفطرة الإنسانية قبل أن يكون مولود بالفطرة الدينية التي أفسدته نتيجة التفسيرات المختلفة التي قد يتلقاها طوال حياته.
ولكن المؤكد إن إعادة تدين المجتمع على أسس إنسانية لن يكون فيها تناقضات أو تفسيرات قد تدفعه للعنف أو لتبني مبدأ إقصاء الآخر نتيجة اختلافه.
الأفكار الجديدة غالباً ما تلاقي اعتراضاً وتهميشاً وهو أمر مقبول فكل مولود له نبرة شاذة سيرفضه الجميع وكما قيل فالحجر الذي رفضه البناءون قد صار رأس الزاوية، ولكن حينما ننظر ونتأكد أن ذلك هو السبيل الوحيد سيتحرك الجميع من أجل تبني هذا المولود الجديد.
فالمجتمع المصري وعلى مدار تاريخه الطويل والكبير لم يستطيع أن يمنع المصادمات والعنف الناتج عن التحيزات الضيقة، وأعتقد أنه لا ويجد حل سوف يعمل على تقليل تلك المصادمات لأن التجربة أثبتت إن كل الحلول التي استخدمت قد فشلت في تنفيذ المطلوب وهو أن يكون السلام بين كافة التحيزات الدينية موجود، ومن ثم فحينما تفشل جهود قرون من الزمان في تأسيس ذلك السلام فالحل الوحيد يجب أن يكون استخدام نموذج مختلف من التفكير والأفكار غير التقليدية التي تقوم على منع كل التحيزات الدينية من المجتمع ومن الإعلام ومن المناهج الدراسية بكافة أشكالها.
ولنجعل كل شخص يؤسس لتحيزه الديني بشكل شخصي لا يتم الحديث عنه في أي منبر ليصبح شأن شخصي داخلي ولتعم التحيزات الإنسانية مكان تلك التحيزات التي أهدرت مواردنا البشرية والمادية طوال قرون من الزمان، ولنرى ما النتيجة التي سيحققها ذلك المولود الجديد الذي سيكون بمثابة المخلص لشعب بأكمله. |
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع |
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك
أنقر هنا
|
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر
أنقر هنا
|