بقلم: منير بشاي
أبونا متاؤوس كفرد ربما يمثل نفسه وكإنسان قد حُكِمَ عليه ظلماً وزُج به في السجن قد يمثل واحداً من آلاف المظلومين في مصر الذين يعانون صنوف التنكيل والتعذيب والترهيب من جهاز أمني يتبنىَ الأساليب البوليسية وقضاء مسيس متعصب.
ولكن أبونا متاؤوس ككاهن وفي إطار ملابسات القضية التي أودت به إلى السجن المشدد لمدة ٥ سنوات إنما يمثل كل قبطي، فقد حُكِمَ على الرجل بهذا العقاب الجائر ليس لأنه مجرد مواطن مصري بل لأنه كاهن قبطي مسيحي وبالتالي فهو حكم قد صدر ضد كل قبطي مسيحي في مصر وخارج مصر.
تصور معي لو كان أبونا متاؤوس شيخاً مسلماً وكانت ملابسات القضية عكس ما هي عليه، فكانت القضية هي قضية اشتباه في محاولة مساعدة فتاة مسيحية تريد أن تتحوّل من المسيحية للإسلام... هل كانوا سيقبضوا على هذا الشيخ ويحققوا معه ويسجنوه؟ لا أظن ذلك، بل أنا متأكد أنه كان سيكرم من الدولة ويُمنح النياشين والجوائز المالية من دول الخليج لأنه ساعد على رد كافر إلى دين الهدى.
ولقد أوضحت هذه الحقيقة الفتاة مريم نبيل التي كانت الشخصية المحورية في القضية في لقائها مع الأخ رشيد في برنامج (سؤال جريء) قالت أنها لو كانت مسيحية تطلب اعتناق الإسلام لذهبت إلى أمن الدولة مكرمة معززة وجلست أمام أحد الضباط تشرب الشاي بينما يقوموا بالإجراءات كلها نيابة عنها دون عناء وتخرج من المكتب حاملة اعتراف الدولة بتغيير دينها بدون مشكلة.
ولكن كما قالت أن القانون في مصر أعرج يمشي على قدم واحدة هي التمييز لصالح كل ما هو مسلم وضد كل ما هو مسيحي، فلأنها تريد ترك الإسلام فإن جهاز أمن الدولة قد لاحقها كما يلاحقوا المجرمين وقبضوا عليها وعذبوها بوحشية ثم ألقوها في الشارع بدون بطاقة شخصية فريسة للذئاب البشرية أو لموت بطيء محقق دون إمكانية أن تجد لقمة تسد بها جوعها أو ساتر تتغطى تحته، وعندما أشفق عليها مَن رآها في حالتها وحاول إنقاذها من حالتها البائسة كان نصيبه العقاب الصارم ليأخذ درساً لمن تسول له نفسه القيام بمثل هذا العمل.
فالشابان اللذين ساعدا مريم في الحصول على بطاقة إثبات الشخصية المزورة هما أيضاً قد حُكم عليهما كل بـ ٥ سنوات سجن مشدد بل وأيضاً رجل الله أبونا متاؤوس الذي لم يثبت ضده شيء أيضاً لقى نفس الحكم وهو في السجن ينفذ العقوبة، وربما كان الهدف من عقابه هو ضرب المربوط حتى يخاف السايب -أي تحذير كل رجال الدين المسيحي من مغبة ما يمكن أن يلقوه إذا كان هناك مجرد اشتباه في أنهم يساعدوا مسلماً يريد اعتناق المسيحية-.
المبدأ القانوني المعترف به في كل أنحاء العالم هو أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته ولكن يبدو أن القضاء المصري كان مبيّتاً للنية بالنسبة لأبونا متاؤوس على أنه مذنب حتى تثبت براءته، فمع أن كل الأدلة كانت تشير إلى أنه لم يكن يعرف عن حادثة تزوير البطاقة شيئاً وأنه قام بمراسيم الزواج بحُسن نيّة بناء على البطاقات الشخصية للطرفين التي تبدو لأي شخص عادي أنها سليمة، هذا وقد شهدت مريم نفسها أن أبونا متاؤوس لم يكن يعرف عن موضوع البطاقة المزوّرة شيئاً وأنها استخرجتها قبل أن تعرفه وقبل أن يقوم بمراسيم الزواج بسنتين.
والآن سنرى ماذا سيكون قرار النائب العام بعد صدور هذه الشهادة الواضحة والصريحة من مريم.
واضح أيها الأقباط أن الذي أدين في هذه القضية هو كل قبطي.. (أنا وأنت وهو وهي) عندما نزعوا عن أبونا رداء كهنوته وخلعوا عنه عمامته وألبسوه رداء المجرمين... قد نزعوا عنه كرامته كرجل دين ومعها أيضاًَ نزعوا كرامتنا جميعاً.... عندما كذبوه ولم يأخذوا بشهادته كذبونا كلنا... وعندما ظلموه ظلمونا كلنا معه..
أبونا متاؤوس ليس هو الذي يعاني وحده... جميعنا نعاني معه الإحساس بالازدراء والإهانة والاستخفاف بقيمتنا كمواطنين بل وبإنسانينا وآدميتنا.
إن ما يحدث لأبونا متاؤوس ليس ظلما فحسب بل أكثر.. إنه إهانة كبيرة.. صفعة على وجه كل قبطي... وأنا متأكد من أن هذه الصفعة ستستمر في المستقبل كما عهدناها في الماضي.... هذا إن لم نقف في رجولة وإباء ونرفض أن نُعامَل هكذا.
لقد فاض بنا الكيل وكأناس شرفاء لن نقبل أن أحداً يمرغ بكرامتنا في الوحل..
Mounir.bishay@sbcglobal.net |