بقلم: عماد توماس
(1)
الذين تابعوا اللحظات الإنسانية التي واكبت عملية إنقاذ العمال الثلاثة والثلاثون الذين احتجزوا لفترة تقترب من 70 يومًا نتيجة انهيار النفق الرئيسي الذي يوصل إلى منجم سان خوسيه للنحاس والذهب بدولة تشيلي، ربما انتابه حالة من الفخر والأسى، الفخر لهذه الجهود التي تضافرت من اجل إنقاذ مجموعة من العمال، والاهتمام الشعبي بدءا من رئيس الجمهورية التشيلي حتى عائلات العمال المحتجزين في المنجم والرعاية الفائقة من تواجد أطباء نفسيين ومستشفي متنقل وطائرات لنقل العمال فور خروجهم، ومن جانب أخر الشعور بالأسى لأنة في مثل هذا التوقيت منذ 18 عام وتحديدا في 12 أكتوبر 2010 حدث زلزال في مصر سبب الكثير من حالات القتل والإصابات وانهيارات في المنشئات ، ولم تكن عملية الإنقاذ بالمستوى المأمول ومنذ سنتين حدث انهيار لبعض الكتل الصخرية في الدويقة على عدد من منازل المواطنين المصريين وفشلت الجهود في إنقاذ عدد من المواطنين ، والذي أدى بحسب ما نشر بالصحف إلى مقتل وإصابة 77 بالإضافة إلى العديد من الأشخاص الذين ظلوا تحت الصخور ولم يعرف مصيرهم. ولم تفلح جهود الإغاثة في إنقاذ القتلى بتبريرات معروفة مسبقا بسبب وعورة المنطقة القريبة من هضبة المقطم والتي لا تسمح بدخول معدات كبيرة لرفع الصخور أو تفتيتها في بعض أنحاء موقع الحادث، ولا اعرف كيف سمحت الحكومة لمواطنين بالسكن في حضن الجبل وتحت صخور معرضة للانهيار، وكيف قامت بإدخال الخدمات الأساسية من كهرباء ومياه وبعد ذلك تُحمل الأهالي الضحايا مسؤولية المعيشة في هذا المكان الغير أدمى.
(2)
أكثر ما آثار شجوني في حادث منجم تشيلى، ما نقلته شبكة بى بى سى العربية من أن خلافا وجدلا نشب بين عمال المناجم المحتجزين على عمق 625 متر تحت سطح الأرض ، ليس حول من يصعد الأول وينال فرصة النجاة لكن الجدل دار حول من يحظى بشرف إنقاذه أخيرا.!!
وتذكرت على الفور ما حدث في زلزال مصر 92، عندما كنت في المدرسة وحدث ما حدث وهرعنا كلنا بعد أن توقعنا أن المبنى سيسقط علينا، وسقط البعض على السلم المؤدى للفناء الخارجي، وداس بعض التلاميذ زملائهم، وبعد إن هدأت الأمور فوجئنا بالمدرس -الغير فاضل- يدعى انه أخر من نزل بعد أن اطمئن على أبناء التلاميذ !! والحقيقة انه كان أول من هرع وجرى !!
(3)
تتشابه تشيلي التي تقع غرب أمريكا الجنوبية مع مصر في العديد من الأشياء، فكلا الدولتين نظام الحكم فيهما جمهوري، وكلاهما من دول العالم الثالث، ومساحة تشيلي –بحسب موسوعة ويكيبديا- (756,626كم² ) اى تقترب من ثلاثة أرباع مساحة مصر، و يُنتخب رئيس الجمهورية، في اقتراعٍ شعبي مباشر، لفترة رئاسية، كانت ثمانية سنوات ثم ستة سنوات والآن أربع سنوات. وينتخب الرئيس بالأغلبية المطلقة من الأصوات، ولرئيس الجمهورية صلاحيات متعددة من تعيين مجلس وزراء مكون من 20 وزيرا، وتتكون الهيئة التشريعية من مجلس النواب ومجلس الشيوخ مثل مجلس الشعب والشورى في مصر.
(4)
لعلنا يمكن أن نتعلم –إن أردنا- وأن نخرج ببعض الدروس والعبر من حادث منجم تشيلي في فن إدارة الأزمات ، من خلال ثلاث مراحل:
المرحلة الأولى: قبل الإنقاذ
بعدما تأكد من وجود العمال المحتجزين في البقاء على قيد الحياة تحت الأرض، بعد اثني عشر يوما من وقوع الحادث، تم التحرك السريع وتزويدهم بالماء والطعام والأدوية من خلال ثلاثة ثقوب، و حفر بئر خلال 33 يوما، وتجهيز ملابس خاصة للعمال يرتادوها خلال عملية الصعود داخل الكبسولة، وكانت هذه الملابس من نفس النوع المصمم خصيصا لرواد الفضاء وبها أدوات لمراقبة درجة حرارة الجسم وسرعة التنفس ومعدل ضربات القلب. بالإضافة إلى تجربة وضع أحد الخبراء في أنبوب إحدى كبسولات الإنقاذ الثلاث المصممة من قبل القوات البحرية، لغرض اختبارها. قبل أن يتم التنفيذ العملي
المرحلة الثانية: أثناء الإنقاذ
ويمكن أن نخرج منها بعدة دروس منها:
الأول: التخطيط المدروس واتخاذ القرارات الصائبة
بدءًا من فريق الإنقاذ الذي تكون من عشرة من العاملين واثنين من الخبراء في مجال عمليات إنقاذ المناجم وثلاثة من العاملين في خدمات الإسعاف في القوات البحرية التشيلية. وأطباء نفسيين وغيرهم، ، وتصنيف مجموعات العمال المحتجزين في ثلاث مجاميع الأولى تضم الأكثر مهارة تقنية، والثانية للأضعف من بين العمال والثالثة للأقوى بدنياً.
الثاني: التجهيز: فقد زود عمال المناجم المحاصرين بملابس مفصلة على مقاساتهم وخفيفة الوزن وواقية من الماء. وارتدى العمال حزاما لقياس النشاط الحيوي لغرض نقل الإشارات البيولوجية أثناء حركتهم إلى السطح. بالإضافة إلى ارتداء العمال قناع أوكسجين مزود بسماعات رأس ولاقطة، لإبقائهم في اتصال دائم مع الفريق في الأعلى.
الثالث : الاستعداد لاى طارئ
لا يوجد عشوائية في عملية الإنقاذ، فكل شئ تم ترتيبه بعناية فائقة، ففي حالة إذا ما علقت الكبسولة في الطريق أثناء صعودها، فإن بمقدور الشخص الذي في داخلها أن يحرر عددا من الأذرع في الداخل للنزول إلى قاع المنجم.
المرحلة الثالثة: ما بعد الإنقاذ
يتوجه العمال بعد إخراجهم إلى مكان الفحص، يمضي فيه العمال نحو ساعتين وهو عبارة عن حجرة قريبة جدا من نقطة خروجهم. وهناك يتولى طبيب فحصهم لتشخيص الحالات الصحية الخطيرة. وفي حالة الطوارئ ينقل العمال جوا إلى أقرب مستشفى في كوبيابو. علما أن هناك ثلاث طائرات هليكوبتر بالانتظار في منطقة المنجم.، ومن حجرة الفحص يؤخذ العمال عبر ممر طوله 50 مترا إلى مستشفى ميداني أو إلى مكان استراحة فتم تجهيز 34 غرفة يلتقي فيها العمال بذويهم وأقاربهم
حيث يسمح لهم بإمضاء دقيقتين مع واحد أو اثنين من أفراد العائلة. ثم ينقل العمال بواسطة الهليكوبتر من مكان لقاء العائلة إلى مبنى عسكري يقع على بعد 40 كيلومترا. فيبقى العمال تحت المراقبة لمدة 48 ساعة على الأقل. وإذا اعتبر أي منهم في حالة صحية جيدة بعد الساعات الـ 48، سيكون بمقدورهم اللحاق بعوائلهم. وبإمكانهم، إن رغبوا في ذلك، الاستمرار بتلقي استشارات نفسية.
ولا ننسى هنا توفير الفرصة لوسائل الإعلام بالإضافة إلى أهالي وأقارب العمال المحتجزين-قارن هذا مع ما حدث في حادث العباره-السلام 98- فحضر أكثر من 2000 صحفي واعلامى من مختلف دول العالم ، في متابعة الحدث فليس هناك ما يخجلوا منه أو يحتاجوا أن يخفوه عن الإعلام.
(5)
خلاصة القول: إنها منظومة من التخطيط والانضباط وإتقان العمل وكيفية إدارة الأزمات، بعيدا عن الفهلوة المصرية، وتشكيل اللجان التي تفسد اى عمل تريد إنجاحه. وتحميل المسؤولية على الآخرين.
ويبدو أن مازال يعوزنا الكثير من الوقت والعقل والعلم والضمير لنصل إلى مصاف دول-العالم الثالث النامي- وليس العالم المتحضر، لنصبح دولة تحترم مواطنيها وتعاملهم كبشر وليس مجرد عدد من القطيع. |
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع |
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك
أنقر هنا
|
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر
أنقر هنا
|