بقلم: عساسي عبد الحميد
حدث ذلك منذ سنين عديدة أيام كنت طفلة في ميعة الصبا كنت بصحبة والدي نجمع بعضاً من سنابل الحقل التي فضلت عن الحصادين ونحضرها لنعاجنا التي وضعت حملاناً جميلة في صيف ذلك العام، وكانت أمي تحضر لها أيضاً حبوب شعير السنة الماضية لكي تذر حليباً كافياً لصغارها.
في تلك الصبيحة مر علينا عابر سبيل رأيته يتجه نحو أبي ويقول له سلام عليك يا يعقوب، هلا سقيتموني ماء من عندكم؟؟ فهرع أبي نحو أمي وأخبرها بأن الرجل الواقف أمام باب بيتنا هو من أصحاب يسوع، نعم يسوع الناصري الذي تآمر عليه شيوخ السنهدريم وروما وصلبوه بأورشليم بين لصين وأن اسمه "مرقس"، يقولون أن يسوع منحه سُلطة على الأرواح الشريرة وقدرة على شفاء الأسقام والعلل كما أمره مع تلامذة آخرين بالكرازة بين جميع الأمم..
أحضرت أمي طستا من ماء بئرنا الخلفي كما أحضرت له أيضاً رغيفاً وجبناً وزيتوناً ثم جلس الغريب على صخرة صغيرة قدام أبي وبدأ يحدثنا عن خلاص إسرائيل وعن الكلمة الحية التي تغير القلوب وتصنع منّا خليقة جديدة مولودة من السماء.
وحدثنا أيضاً عن الإيمان الحق الذي يبارك حصادنا وقطافنا ويملئ خوابينا عسلاً جيداً وزيتاً رفيعاً، وعن كنوز السماء التي لا تبلى ولا تصدأ، صمت عابر السبيل برهة ثم قال لأبي: فليحل سلام الرب على هذا البيت وليبارك لك في خرافك، قال هذا وألقى بنظرات عميقة نحو الغرب وقال: ها أنا ذا قد مررت اليوم بحبرون لأنال بركة أبينا إبراهيم والتقيت بكم وسقيتموني ماء وأعطيتموني زاداً وغداً سأعبر بئر شيفا وسيناء في اتجاه الإسكندرية لأحمل كلمة الله لشعب مصر لينال البركة لأنه مكتوب مبارك شعبي مصر وسأحمل معي ذكرى هذا البيت وذكرى كل إسرائيل على ضفاف النيل...
هكذا تكلم مرقس وكانت في كلماته حرارة أخاذة وبعد مرور هذه السنين ينتابني شعور غريب بأن هذا الزائر ما برح أمام باب بيتنا وقدام حظيرتنا ولم يغادرنا قط، فرنة صوته ما زالت تتردد على مسامعي كما البارحة كلما وضعت نعاجنا حملانها الوديعة وكلما حملت لها سنابل وعشب الحقول المجاورة مع أطفالي الصغار....
يقولون أن كنيسة يسوع تزداد وتكبر منذ أن وطئت قدما مرقس أرض مصر، وسمعنا كذلك أن روما بدأت تهابه وتترصد أتباعه لكن الحق الحق أقول أن روما نفسها ستتعمد بدموعها وبدمائه وسترفع فوق تلالها صليباً لذكرى الناصري العجيب... فخرافه ليس من إسرائيل فقط بل من كل الأمم.
عساسي عبد الحميد – المغرب
Assassi_64@hotmail.com |