بقلم: سهيل أحمد
كل يوم ننظر نحن العراقيون إلى المستقبل بعيون ملؤها الأمل في محاولة لتجاوز الواقع المرّ والأليم، فالتوافق كثقافة بديلة للديمقراطية والمحاصصة الطائفية والمذهبية والقومية العنصرية التقسيمية كلها دفعت باتجاه تفتيت الشارع العراقي وإفراغ فكرة الانتخابات والتصويت من أي معنى حقيقي عبر تقاسم السلطة على أساس المحاصصة والقومية والطائفة وحتى العشيرة، وبالفعل هناك أطراف عنصرية تسعى إلى ترسيخ هذه الثقافة لإفشال الأغلبية ومنعها من حكم البلد على أسس قانونية واجتماعية.
فما دامت هناك محاصصة فلا معنى للانتخابات الديمقراطية وترشيح مرشحين واختيار قوائم لأن المحاصصة ستعطي لكل طرف وقائمة (حصة) من الغنائم ولكن يكون هناك خاسر عدا المواطن المسكين وهذه الأحزاب النفاقية تنتهج حكم الأغلبية فقط عندما يصب في مصلحتها وتعود إلى التوافق بمجرد انتفاء هذه المصلحة الحزبية الضيقة.
ليس مستغرباً من معادلة قبيحة كهذه أن تنتهي بشلّ الحكومة العراقية وعجزها عن محاسبة أصغر الفاسدين حتى أكبرهم، ولم نرى أي فاسد يُعاقب اللهم إلا موظفون صغار ربما، وأذكر جيداً كيف أن مسألة انتخاب رئيس الجمهورية عطلت كل الشأن الحكومي وبقيَّ الشعب ينتظر تشكيل الحكومة أشهر كلفته الكثير الكثير من الأرواح والأموال وتراكم المشاكل الاجتماعية.
إن ما أخشاه ويخشاه كل عراقي أن تتحول رئاسة الجمهورية ومجلس الرئاسة إلى لعبة ومنفذ لهروب الفاسدين واللصوص وحماية قتلة الأمس واليوم من البعثيين والإسلامويين وغيرهم، والانتخابات البرلمانية القادمة إذا لم تتحول نحو حكم الأغلبية المنتخبة وإذا لم يتم تجاوز المحاصصة التي تمت تحت شعار (حقوق الأقليات) فسنعود إلى المربع الأول بمعنى أن الانتخابات ستصبح وكأنها لم تكن وسيستمر مسلسل القتل والفساد والدكتاتورية.
نحن نرى مثلاً كيف أن الحزب الإسلامي يصرخ ليل نهار (لا للمحاصصة الطائفية والقومية) ولكن على أرض الواقع فإن هذا الحزب -وهو امتداد لتيار الإخوان المسلمين المعروف برفضه الديمقراطية- يعمل بكل طاقته وما يمتلك من إعلام -تلفزيون بغداد خير نموذج لهذا النفاق- وخطاب سياسي على تفتيت الديمقراطية العراقية وإفشالها عبر ترسيخ مبدأ "التوافق = المحاصصة = النفاق" ولهذا السبب أطلقوا كلمة "توافق" على قائمتهم الانتخابية.
فقد أدركت هذه الجماعة أنها وبالمعايير الانتخابية "فاشلة" وخاسرة ولن تأخذ ربّما حتى حصة صغيرة في الحكومة، ومن المؤسف حقاً أنهم و بالإضافة إلى حصولهم على منصب نائب رئيس الجمهورية ونائب رئيس الوزراء فرضوا مرشحهم لرئاسة البرلمان بعد مداولات وتجاذبات من نوع المحاصصة وهم منذ دخولهم العملية السياسية يحاولون زيادة صلاحيات الرئيس -الذي يبدو أنه لن يتقاعد أبداً ولو بلغ المائة عام- وتهميش السلطة التنفيذية المتمثلة برئاسة الوزراء.
وحتى مسألة تعديل الدستور يحاول الحزب الإسلامي وحلفاءه من الفاسدين أن يحولوها إلى مسألة حصص، عدّل لي هذه المادة أحذف لك هاي المادّة وهذا ما سيستبدل دستورنا المسخ بدلاً من تجميله إلى مسخ أكثر قبحاً ودمامة، وكعلاج وخطوة لتجاوز هذه الحالة المرضية المزمنة فإن العلاج الفعلي يكمن في جعل انتخاب رئيس الجمهورية بالاقتراع والتصويت السري العام الذي يشارك فيه كل البالغين من أبناء الشعب بل إن هناك جهات في الحكومة العراقية لا تريد الاكتفاء بانتخاب الرئيس عبر البرلمان وعبر التوافقات والمحاصصات بل أن تجعل هذا الانتخاب على طريقة "المجلس الوطني البعثي" والذي كان يشارك في التصويت (المهزلة) برفع اليد تأييداً لـ (الرئيس القائد المناضل) وهو ما سيسهل على ذوي "المؤخرات الضخمة" من احتلال الكراسي وإصابتها بالعفن -لطول مدة بقائهم في المنصب- وإخراج الإرهابيين والمجرمين من السجن وتهريب المطلوبين، كما حصل مع "محمد الدايني" وقبله الإرهابي "مشعان الجبوري" الذين نهبوا وقتلوا وذبّحوا في أبناء العراق.
إن الاقتراع السري سيكون الحل السحري والناجح والفعال لإخراج منصب رئيس الجمهورية من مأزق المحاصصة والتقاسم والتعاون على الإثم و العدوان الذي يكاد يدمّر الديمقراطية العراقية.
إن الفساد والفاسدين يرون في إبعاد الشعب العراقي عن المشاركة المباشرة في التغيير مصلحة فعلية لهم في الاستمرار وتوسيع هذا الفساد بحيث لا يبقى أحد خارج هذا الفساد، وبالطبع فإن منصب الرئيس إذا ما أصبح متاحاً بيد الشعب العراقي ليقرر هو -لا الأحزاب العنصرية والطائفية- من هو الأجدر بشغل هذا المنصب المهم رغم كونه تشريفياً، فالرئيس المنتخب سيملك صلاحية تكليف شخص ما منتخب أيضاً من تشكيل الوزارة وتقديمها للبرلمان ومن ثم يقوم رئيس الجمهورية بالتصديق عليه من دون الرجوع إلى الرؤوس الفاسدة التي عملت ولا تزال على تمزيق وحدة الشعب -وهم يلتقون في هذه النقطة مع البعث والقاعدة- ونهب ثرواته.
إن من واجب الوطنيين والشرفاء الذين يواجهون أعداء الشعب العراقي من المفسدين والإرهابيين أن يساعدوا الشعب على إنجاز هذا الأمر والتعديل الدستوري والوطني الخاص بمنصب الرئيس بأسرع وقت ممكن.
Website: www.sohel-writer.i8.com
Email: sohel_writer72@yahoo.com |