CET 00:00:00 - 04/05/2009

مساحة رأي

بقلم: د. صبري فوزي جوهرة
عقدت المحكمة المعنية بقضية المتنصر السيد بيتر أثناسيوس (ماهر الجوهري أيام زمان) جلسة في اليوم الثاني من مايو، قرأت فيه تقرير مقدم من هيئة مستشاري الدولة يتعلق بالقضية المذكورة، ولست أعلم إن كان هذا التقرير قد أُعد بناء على طلب المحكمة أو أنه قُدم تلقائياً من قبل واحد حشري كما اعتاد الكثيرون في هذه الأيام الغبراء, فاستساغت الدولة هذا التقليد الحميد وتدخلت فيما لا يعنيها من حق المواطن المصري في اختيار عقيدته كما نصت إحدى مواد الدستور المعمول به حالياً في مصر -رغم إصابة هذا الأخير بالعرج والعور والصمم والتناقض والرتق والترقيع حتى أصبحت الرقع الملصقة به أكبر حجماً من نسيجه الذي ولد عليه-.

عارض مستشاروا الدولة حق الأستاذ بيتر في الحصول على وثائقه الرسمية المشروعة بإثبات ديانته المسيحية بحجة أن ذلك يخالف "النظام العام" للدولة، وعلى ما أعتقد هذه هي المرة الأولى التي تساق فيها مثل هذه الحجة الهزيلة لتتنصل الدولة من واجبها نحو أحد مواطنيها، وكلنا نعلم أن السبب الحقيقي غير المعلن في إدخال هذه السابقة المبهمة هو عدم رغبة الدولة في الإعتراف بحق المصري الذي وُلد مسلماً بحكم القضاء والقدر في التحول إلى المسيحية بكامل رغبته وبإصرار مدهش وثبات راسخ أبداه الرجل أمام هيئة المحكمة ذاتها، ناهيك عن ميوعة تعريف مصطلح "النظام العام" في مثل هذه القضية المفصلية وهل يعني أو يقصد به أن المسيحيين المصريين خارج هذا "النظام العام" المفترض فلا يسري عليهم من القوانين واللوائح ما يسري على المسلمين في مصر؟ هذا إلى جانب أن إدخال تقليعة جديدة لم نكن نسمع بها من قبل يمثل ما قد ينحدر إلى مستوى الإنهيار في تطبيق القانون بالعدل عند التقاضي في المستقبل، حيث تستطيع الدولة بما أوتيت من طغيان وتجبر وانعدام المسؤولية نحو المواطنين وأمامهم أن تبرر ارتكاب أبشع الجرائم وأعظم الآثام في حق الشعب المغلوب على أمره استناداً إلى هذا المبدأ القانوني (البالوظي) الجديد، إنه مدخل جديد إلى فاشية الدولة سيعاني منه المسلمون والأقباط على السواء.

فهل كان مسيحي أعلن إسلامه يطلب استخراج وثائق تثبت انتمائه الجديد سيلاقي مثل العقبات التي وُضعت أمام بيتر والتي تنافس قائمة المتطلبات الشهيرة النادرة التي نتندر بها جميعاً (ديك بيدن بالفرنساوي ودم سحلية مصابة بالزغطة) التي يجب أن توفرها كل من أرادت إقامة حفلة زار لتخرج العفاريت من جتتها (وغالباً ما يكون قسيس قبطي بالمناسبة) لإقامة الحفل الذي تستطيع به مع أخريات من مثيلاتها المحبطات الخائفات من الضرر ان تضرب أكثر من عصفور بحجر: فتكلفة الزار ستعيق الحاج من استكمال مشروع الزواج من تلك الفتاة الأصغر سناً من قرشانته والتي قلبت هرموناته الذكرية في دمائه كما تقلب الملعقة السكر في كباية الشاي, ومن جهة أخرى تحصل على ما تريد من دلع وكساء وحلي وتتراقص هي ومثيلاتها المدعوات على ضربات الطبول الجنونية فيتهد حيلها وحيلهم معها ولو مؤقتاً وتتناسى الكبت الجنسي وغير الجنسي الذي تعاني منه في حياتها البائسة مع الحاج!

سبق وأن طلبت المحكمة الموقرة من الأستاذ بيتر ومحاميه قائمة "بمستلزمات" لا تقل غرابة عن القائمة التي يصر عليها "الأسياد" قبل الخروج من جتت اللي راكبينهم:
شهادة عماد... قلنا طيب
وجوب ظهور الأستاذ بيتر بشخصه أمام المحكمة إلى جانب المحامين بالرغم من أن ذلك بعرض حياته لخطر الإغتيال... وقلنا حاضر
وبعدين شهادة من الكنيسة القبطية تثبت قبولها لمسيحي قد اعتمد فعلاً وكان الجهلاء يظنون أن في ذلك ما سيحرج الكنيسة ويفسد القضية وينهبها ولكن رجائهم في هذا خاب بشهادة القمص متياس نصر المقدمة من الكنيسة القبطية، وكأن اللواء حبيب العادلي يصر على شهادة من أمام جامع يقدمها كل قبطي يعلن إسلامه أنه من المؤمنين المواظبين على ارتياد المسجد لإصدار بطاقة رقم قومي تثبت انتمائه هو وعياله ومافيش مانع اللي جابوه واللي خلفوه كمان انهم من أتباع دين الله الوحيد المقبول عنده تعالى.

ثم جاءت رابعة الأثافي فكانت قصة مستشاري الدولة لتكمل قائمة مستلزمات الزار! لم انتظار رأي مستشاري الدولة لإصدار الحكم بعدما اكتملت الوثائق التي أثبتت مسيحية الرجل وانتمائه للكنيسة القبطية أمام المحكمة؟ وماذا سيفعل مستشارو الدولة برأيهم عندما يذهب الأستاذ بيتر إلى الكنيسة ويتناول من أسرارها المقدسة وتنشر الصورة على الشبكة العنكبوتية ليراها العالم بأسره كما حدث لمتنصرين آخرين مثل الصحفي مجدي علام الذين أرادوا العيش في أمان وسلام خارج مصر؟

أيها السادة.. من الأشرف لكم أن تعلنوها صريحة: ليس في مقدور الدولة أن تمنح بيتر ما طالب به من حق لأنها ستفتح flood gates يندفع منها الآلاف حالما يصدر الحكم لصالح بيتر، ومن المعهود في مصر أن تطأ الدولة حقوق مواطنيها إن لزم الأمر في أمور تبدو أنها أجلّ شأناً من المأزق الذي وضعت ذاتها فيه تجاه بيتر الشجاع والتدخل في عقيدته, وحتى ما كان منها من في صميم مسؤولياتها نحوهم، فشهداء الكشح والعديد من أمثالهم قُتلوا ولم يُعاقب قاتل واحد, والقاصرات من القبط يختطفن بلا عقاب، وكنائس مصر تُهدم دون أن تتحرك الدولة قيد أنملة، إلى آخر هذه "الليطانية" المؤلمة والمعهودة التي أصبحت على ألسن الجميع في داخل مصر وخارجها.

وإن كان العائق أمام الدولة هو قانون فاسد مفسد يحرم على المواطن المصري المسلم اعتناق المسيحية، فليتذكر الجميع أن القانون الفاسد يحرض على احتقاره وكسره إلى أن يحين الوقت ليُداس بالأقدام، ولعلنا نتذكر مأساة الخليفة الفاطمي المخبول الذي أطلق على ذاته اسم الحاكم بأمر الله عندما أصدر قانوناً يمنع به المصريين من أكل الملوخية لأنه لم يكن يستطيب مذاقها (قلتلكم كان مجنون وما كانش مصري أصلاً بل ابتلينا به من المغرب) فهلك المعتوه حتى أن أحداً لا يعرف مكان دفنه إلى الآن بالرغم من مرور عشرة قرون على يوم أن نفق, وبقيت الملوخية خالدة يتعبد المصريون في رحاب معابدها إلى اليوم.

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٦ صوت عدد التعليقات: ٦ تعليق