بقلم: ماجد سمير
نتعامل مع قضاينا وأزماتنا تماماً كالنكتة القديمة التي تحكي عن الرجل الذي اكتشف خيانة زوجته له على الكنبة فقام فوراً ببيع الكنبة، ويتضح لكل قاسي وداني أن مدرسة بيع الكنبة في حل المشاكل وفك الأزمات التي أبدعنا في حفظ علومها وموادها وفنونها بشكل غير مسبوق في أي دولة في العالم سواء الأول أو الثاني أوالثالث أو حتى الحادي عشر جعلت عالمنا عبيداً لها، وظهر فعلياً تأثير المدرسة المذكورة على ردرود أفعالنا في أزمة أنفلوانزا الخنازير على سبيل المثال في اختيارنا أسهل طريقة للحل وهو إعدام أو ذبح الخنازير بالرغم من عدم وجود مذابح تكفي مئات الألوف من الخنازير أو ثلاجات تأوي كميات اللحوم الناتجة عن عملية الذبح، وبالطبع ليس مهما كل نقاط القصور والعجز ولكن المهم هو التخلص فوراً من الكنبة.
والغريب أن عدد كبير من أجهزة الدولة تدير شئون البلد بنفس الأسلوب، ومنها على سبيل المثال الأمن الذي يتعامل مع قضايا كثيرة بالإتساق التام مع مبدأ الكنبة، أهمها القضايا الطائفية التي يتدخل فيها بأسلوب البتر والقطع دون أي محاولة لحص جذور المشكلة، وبتأمل بسيط لأي حدث طائفي شهدته مصر سواء في الفترة الأخيرة أو في الماضي سنجد أن الأمن قام بضرب الجميع لا مؤخذة "برجل الكنبة" لإنهاء المشكلة نظرياً وتظل النار تحت الرماد تشتعل لأقل شرارة في انتظار أن يتم تطفئتها عن طريق الكنبة مرة أخرى.
وعن تصدير الكنبة لطلب نادي الزمالك للعب المباريات فريق كرة القدم الرسمية على ملعبه بالمهندسين حدث ولا حرج، فخلال 36 سنة يرفض الأمن طلب النادي الأبيض لأن الرفض هو أسهل طريق "لترييح الدماغ، لأن العملية مش ناقصة ماتشات كورة كمان".
وللكنبة استعمالات أخرى عديدة منها إلهاء المصريين في الجهاد اليومي من أجل الوجبات الثلاثة وحصولهم على أي شيء إنجاز غير عادي وحول حياتهم إلى المزيد مع التعايش مع الأزمات، ويبدو أن ارتباط حياة المصريين بوجود أزمات مستمرة قد أدى إلى التعايش معها، ففي مرحلة الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي كان الحصول على دجاجة أو لتر زيت أو صابونة من المجمعات الإستهلاكية يعد إنجازاً، وبعد سنوات من مرحلة الإنفتاح الاقتصادي والتبشير بالوفرة مع إقتصاد السوق عادت الطوابير مرة أخرى، ولنفس السلع الأساسية سواء أكانت خبزاً أم لحوماً سودانية ومؤخراً السكر.
وراحة الدماغ من أهم إنجازات سياسة الكنبة ولكنها في الوقت نفسه جعلت المواطن يشعر بعجز الإدارة الحكومية خلال حياته اليومية؛ فمرور موكب مسئول كبير يعني تعطيل المرور ومصالح الناس، وتنظيم مباراة للكرة في كأس الأمم الأفريقية يتطلب إخلاء المعرض الدولي للكتاب من الرواد في نفس يوم المباراة، بما يشير إلى ضعف إمكانية إدارة حدثين متجاورين جغرافيا في وقت واحد.
والطريف هو وجود إدارة خاصة لشئون الكنبة تسمى المجلس القومي للدفاع المدني يتبع رئاسة مجلس الوزراء، إلا أنه لم يجتمع منذ قرار إنشائه في عام 1958، كما أن أداء اللجنة القومية لمكافحة الكوارث التابعة للمركز القومي للبحوث هو موسمي فقط، أما إدارة الأزمات التابعة لمركز معلومات مجلس الوزراء فلم يظهر لها دور إلا في تعضيد مطالب ضحايا مصريين عند سقوط طائرة خليجية منذ سنوات، وبعدها لم تشارك في أي حدث كارثي، أيضاً لا يتعدى دور مركز إدارة الأزمات بجامعة عين شمس سوى إعداد بعض البحوث لعرضها في مؤتمر سنوي إلى جانب تنظيم بعض الدورات التدريبية.
وعلى الرغم من الإدعاء بأن الدولة تنجح في التعامل مع الأزمات بشكل علمي طبقاً لنظرية الكنبة، إلا أن الفشل الذريع في التعامل مع أنفلوانزا الطيور ومع غرق العبارات وحوادث الطرق بالرغم من قانون المرور الجديد حتى لعب فريق الزمالك على ملعبه كان واضحاً، ولا يقتصر الأمر على الحوادث ففي المجال الإقتصادي لم يتم استيعاب آثار ارتفاع سعر صرف الدولار الأمريكي مقابل الجنيه المصري في بدايات عام 2003، إلا بعدها بعدة أشهر لعدم وجود سيناريوهات تتنبأ بآثارها لمواجهة المشكلة، ولم تختلف إدارة الأزمات مع أصحاب القروض المتعثرة ومشكلة أسراب الجراد وأخيراً أنفلوانزا الخنازير كلها أزمات تؤكد فشل جهاز شئون الكنبة. |