محرر المنيا
قال نيافة الانبا مكاريوس اسقف. المنيا العام أمور مدهشة حدثت عندما مات السيد المسيح على الصليب، الأرض تزلزلت، الشمس اظلمّت، الصخور تشقّقت، القبور تفتّحت، حجاب الهيكل انشق إلى نصفين من أعلى إلى أسفل.
والحجاب هو الساتر الذي يبلغ ارتفاعة ثمانية عشر مترًا، وسُمكه عشرة سنتميرات، ويفصل بين القدس وقدس الأقداس، حيث لا يعبر أيّ انسان إلى الداخل، حتى رئيس الكهنة نفسه يدخل مرة واحدة وتُربط قدماه بحبال بيضاء، يحمل وعاء الفحم ووعاء البخور، ولا يكون هناك أي ضوء سوى الخافت المنبعث من الفحم.
كان قدس الأقداس يحتوي في الخيمة على تابوت العهد مُغطىً، وفوقه كاروبان يظلِّلان عليه، وداخله قِسط المنّ ولوحا الشريعة وعصا هارون، ولكن هذه المحتويات اختفت عند سبي بابل، وبعد العودة واستئناف العبادة في الهيكل كان التابوت الموضوع يحتوي فقط على حجر يُسمّى "حجر الأساس"، ونسخة من الشريعة.
كان وجود الحجاب يعني أن الانسان معزول عن الله، وغير طاهر أي غير مستأهل، لذلك لا يجوز له أن يدخل. لم يكن يُسمَح إلّا لرئيس الكهنة فقط بالدخول ليقدم ذبيحة عن نفسه وعن الشعب.
ولكن موت السيد المسيح مهّد الطريق إلى الأقداس إلى الله، وقد مهّده السيد المسيح بسفك دمه، وهو ما عبّر عنه القديس بولس الرسول قائلًا: «فإذْ لنا أيُّها الإخوَةُ ثِقَةٌ بالدُّخول إلَى «الأقداسِ» بدَمِ يَسوعَ (الذبيحة الكفّارية)، طَريقًا (إلى الله) كرَّسَهُ (المسيح) لنا حَديثًا حَيًّا (أي من دم ولحم)، بالحِجابِ (غير المنظور)، أيْ جَسَدِهِ» (عب10: 19، 20).
ويرى القديس بولس الرسول ومن بعده الآباء أن انشقاق الهيكل جاء مع موت السيد المسيح (انقضوا هذا الهيكل)، فهو الذي شقّ لنا طريقًا إلي الآب من خلال هذا الحجاب، إذًا فقد كان لابد أن ينشق الحجاب بموت السيد المسيح. ليس ذلك فحسب وإنما لينتهي الهيكل اليهودي كله وليس الحجاب فقط.
وقيل نقلًا عن الربّيين إنه سيأتي وقت تُفتَح فيه أبواب القدس من تلقاء نفسها، وهذه الإشارة الموجودة (من فوق إلى أسفل) تعني أن الأمر جاء من فوق... فأزال النظام اليهودي القديم، ولم تكن المشكلة في الطقوس والأعياد بل بالمعني المنحرف الذي سار به اليهود حتي رفض الرب ذبائحهم.
بل أن انشقاق حجاب الهيكل نبوة عن أحداث رهيبة ستحدث سنة 70م على يد الرومان حيث يتدمر القدس والمدينة بكاملها.
وانشقاق حجاب الهيكل يعني أن الله انفتح على الإنسان، والله هو الذي يبدأ دائمًا، هو الذي يبادر، هو الذي تطلّع من السماء على بني البشر وتحنّن عليهم، ونزل إلى أرضنا وسكن معنا، يسعى في خلاصنا «لأنَّ اللهَ هو العامِلُ فيكُم أنْ تُريدوا وأنْ تعمَلوا مِنْ أجلِ المَسَرَّةِ» (فيلبي 2: 13).
إن الخطية هي التي تفصل الإنسان عن الله، وتقيم حاجزًا كثيفًا فيما بينه وبين الله، ولكن لأن الإنسان عاجز فإن الله هو الذي بدأ... وهكذا بالتجسد حيث أتى من فوق إلى أرضنا، مثلما حدث الانشقاق من أعلى إلى أسفل.
الحجاب الآن:
أنتم ترون على الهيكل ما يُسمّى بالحجاب، في الواقع اسمه "حامل أيقونات (أيقوناستاسز)"، والغرض منه ليس حجب الله عن الناس كما كان في القديم «حَقًّا أنتَ إلهٌ مُحتَجِبٌ يا إلهَ إسرائيلَ المُخَلِّصَ» (إشعياء 45: 15)، بل ليمتلئ بالأيقونات والتي هي قطع حية تجمع بين ما هو إلهي وما هو بشري، وتصور لنا أن السماء قد صارت قريبة منا جدًا، وفي الأيقونات هؤلاء الذين سبقونا إلى السماء وتحوّلوا ليجعلوا وجوههم نحونا يشجعوننا (صارت السماء في متناول أيدينا)... ومن ثَمّ يجب ألّا يكون هذا الحامل مجرد مجموعة من الوحدات الزخرفية، من الرخام والخشب، وإنما لوحة ضخمة من الأيقونات تحملها قوائم تُسمّى حامل الأيقونات...
هكذا بمفارقة السيد المسيح للهيكل القديم فتح الباب للأمم من خلال الهيكل الجديد، وبإنتهاء الهيكل اليهودي والذبائح الدموية بذبيحة السيد المسيح بدأ عهد جديد... وعندما ترك اليهود السيد المسيح على الصليب ليقدموا خروف الفصح، كانوا مخطئين، لأن السيد المسيح هو فصحنا الحقيقي، اسمعوا ما يقوله القديس بولس الرسول عن السيد المسيح: «الّذي هو لنا كمِرساةٍ للنَّفسِ مؤتَمَنَةٍ وثابِتَةٍ، تدخُلُ إلَى ما داخِلَ الحِجابِ، حَيثُ دَخَلَ يَسوعُ كسابِقٍ لأجلِنا، صائرًا علَى رُتبَةِ مَلكي صادَقَ، رَئيسَ كهَنَةٍ إلَى الأبدِ» (عبرانيين6: 20،19).
«لأَنَّهُ هُوَ سَلاَمُنَا، الَّذِي جَعَلَ الاثْنَيْنِ وَاحِدًا، وَنَقَضَ حَائِطَ السِّيَاجِ الْمُتَوَسِّطَ أَيِ الْعَدَاوَةَ. مُبْطِلًا بِجَسَدِهِ نَامُوسَ الْوَصَايَا فِي فَرَائِضَ، لِكَيْ يَخْلُقَ الاثْنَيْنِ فِي نَفْسِهِ إِنْسَانًا وَاحِدًا جَدِيدًا، صَانِعًا سَلاَمًا، وَيُصَالِحَ الاثْنَيْنِ فِي جَسَدٍ وَاحِدٍ مَعَ اللهِ بِالصَّلِيبِ، قَاتِلًا الْعَدَاوَةَ بِهِ» (أفسس 2: 14-16). |
|
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك
أنقر هنا
|
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر
أنقر هنا
|