بقلم: أماني موسى
تبارت الأقلام بالآونة الأخيرة في الحديث عن موضوع الموسم ألا وهو الأنفلونزا وبطلها هو حيوان صغير محتقر من فئات عريضة من الشعب يعتقدون بنجاسته وهو الخنزير، وتأرجحت الأقلام بين أغلبية مؤيدة لذبحه بل إعدامه إذ أنه نجس ويأكل الزبالة ومن ثم وجب إعدامه حرقاً في ميدان عام ليكون عبرة لغيره من الحيوانات التي تتجاسر وتأكل زبالة!! وكانت هناك القليل من الأقلام المستنيرة العقلانية التي نددت بذلك القرار المتسرع العشوائي من ذبح الخنازير وما يترتب عليه من آثار مدمرة على المستوى المادي والاجتماعي وكذا على دورة الطبيعة.
وبالفعل بدأت إجراءات ذبح ما يقرب من 2000 خنزير بالإعدام بالجير الحي –وهذا أعظم دليل على الإنسانية الرائعة التي بات المصري يتمتع بها دون نظائره من شعوب العالم-.
ولكن هؤلاء الجهابذة الأفذاذ مستمرين في طريقهم وتعنتهم بالذبح الغير مبرر وأصموا آذانهم عن نداءات منظمة الفاو ومنظمة الصحة العالمية بخطورة هذا القرار حال تنفيذه وأصموا آذانهم أيضاً عن توسلات وآهات أصحاب المزارع الصغيرة الذين سيصبحون فجأة بين ليلة وضحاها بلا عمل وبلا أي مصدر للرزق!!!
والمدهش أنك حين تنزل لبسطاء الشعب فتجدهم غير عارفين بأعراض المرض أو حتى طرق الوقاية –وهذا هو الأهم في الوقت الحالي- بل مساقون كالثور المغمض العينين وراء بعض الأفكار المتشددة، فيرون أن السبب وراء هذا الفيروس هم كالعادة أمريكا الكافرة وإسرائيل اللعينة، أو أنه غضب الله على الشعب وبخاصة ممن يأكلون ذلك الحيوان النجس ويقومون بتربيته.
ولي بعض الملاحظات السريعة التي أوجهها للمسئولين عن ذلك القرار:
*اليوم حدث اشتباه في حالة لزوج وزوجته قادمين من الخارج بأنهما مصابين بأنفلونزا الخنازير هذا إلى جانب عدم وجود ولا حالة واحدة من الخنازير المصرية مصابة بالفيروس حتى الآن، وهذا يعني أن إعدام جميع الخنازير ليس واقي من المرض لأنها ليست السبب الرئيسي بنقله.
*وعد المسئولين بتعويض مالي قدره ألف جنيه على كل خنزير مذبوح ولكن ما حدث منافي تماماً لتلك التصريحات الوردية فلم يتم التعويض لأصحابها ولا حفظ لحومها في ثلاجات كما قيل ولكن تم التخلص منها بالجير الحي في مشهد منتهى القسوة واللا إنسانية!!
*يقول البعض أن الخنزير يأكل الزبالة ولذا هو موطن للأمراض وأود أن ألفت انتباه أؤلئك الببغاوات إلى أن الخنزير من الحيوانات الكانسة أي تعتمد في أكلها على كل ما يصادفها من طعام كالأغنام والماعز والخراف ((وليس الخنزير فقط كما يدعي البعض))، ولا يخفى عليكم أن البط مثلاً يأكل أيضاً ما يصادفه وخاصة الذباب ومع ذلك لم نسمع دعوات بقتله أو تحريمه!!
إذاً فمسألة أن الخنزير يأكل الزبالة تعتمد على الدولة ذاتها والمرعى الذي توفره للخنزير ولنرى ونقارن بين المراعي المصرية للخنزير والمراعي الأوربية التي هي غاية في النظافة والبيئة الصحية.
*لم يفكر مسئولي مصر الهمام في نتائج ذبح الخنازير من أضرار اجتماعية حيث انتشار البطالة ومن ثم ارتفاع نسبة الجريمة والإدمان وغيرها!!! وأيضاً الأضرار المادية الجسيمة التي تحيق بأصحاب تلك الخنازير والتي هي كل مصدر رزقهم في الحياة!!، ويبقى السؤال الأهم: مَن سيخلص قاهرة المعز من زبالة شعبها –أقباطاً ومسلمين- حين تموت تلك الخنازير؟؟؟ هل ستلقى مصير الحرق؟؟ أعتقد أن هذا سيلوث البيئة أكثر مما هي عليه وسيضر الجميع، أم هل ستبقى متراكمة كتلال وجبال في شموخ حتى تكون مستوطن للأوبئة والأمراض؟؟
إن المشكلة ليست في الخنازير بل في الضمير الذي أصيب بوعكة صحية جعلته يرقد في الـ (إن –عاش) وبالطبع مش هيعيش.
فقد انتهت كل مشاكلنا الاجتماعية والاقتصادية وتم حلها جميعاً ولم يتبقى لنا سوى الترقب لمرض أنفلونزا الخنازير وكيفية التخلص من تلك الكائنات الضعيفة في ظلم بيّن وتخلي واضح عن المنطق والعلم مساقين بعاطفة دينية ستؤدي بنا للهلاك الذي يشمل الجميع دون تفرقة بين كبير وصغير وبين غني وفقير وبين مسلم وقبطي.
كنت أطمح أن نواجه الأزمة بقرارات عملية إيجابية من توعية للشعب بالمرض وأعراضه وطرق العلاج بدلاً من الصياح بالقتل لأنها أخطر من القنبلة الهيدروجينية!! |