بقلم: عساسي عبد الحميد
لقد رأيته في فصح السنة الماضية وذلك قبل أن يلقوا القبض عليه، نعم رأيته وهو مُحاط بتلاميذه الذين كانوا يهتفون له وهم يتجهون نحو الهيكل، لقد ألهب دخوله مشاعر الشعب فأخذت بنات أورشليم تهتف وكذلك فعل الصغار أيضاً وكانت الجموع تفرش له سعف النخل و تلوح له بأغصان الزيتون وتصرخ أوصنا في الأعالي وهذا ما أغضب الفريسيين بشدة فأمروه بزجر حماس تلاميذه فرد عليهم هو قائلاً: إن أمرت هؤلاء أن يصمتوا فإن الحجارة ستنطق، كانت في عينيه إطلالة الربيع الضاحك وكان كلامه كهمس الساقية المترنمة بين الجبال المخضرة...
منذ حداثـتـي امتهنت انتقاء الكلمات وتنميقها لأرددها على مسامع الناس وكنت أنال استحسان أغنياء أنطاكيا وبيروت ودمشق وصيدا فأتقاضى نقوداً وهدايا نظير ما أنسج من الكلام، بيد أن يسوع هذا نسج شيئاً يفوق الكلام والخطابة والزجل والحكمة لقد كان كل كلامه مغلف بنور من السماء....
لقد سموني بزجّال أنطاكية وكنت معروفاً أيضاً لدى الشعب في كل سوريا، وطيلة حياتي استمعت لزجالين من فارس والإسكندرية ونينوى وأخذت منهم بعضاً من نبراتهم وفنهم لأضيفه لزجلي....
وهكذا صنع يسوع أيضاً فقد أخذ هو الآخر شيئاً من حكمة فارس وبابل ومصر وإسرائيل وأضاف شيئاً خاصاً من عنده فهذا الناصري لم يأتي لينقض بل ليكمل، فسميت حكمته بالكلمة الحية فاستطاع أن يفعل ما لم يستطع السابقون أن يفعلوه فقد استطاع نيل قوة من الأعالي سماها بالروح القدس وهي التي تنير قلب الإنسان وتمنحه قدرة قهر الشر وهي القوة التي تظهر لنا هيكل الرب الحقيقي الذي بمقدورنا دخوله في كل حين كلما جذبنا الشوق للصلاة والتأمل للقاء الله. |