بقلم: ميرفت عياد
لحظة من فضلك، السيارة ترجع للخلف.. نداء نسمعه كثيرًا في الشارع لينبهنا إلى الخطر القادم إذا لم نتفادى طريق السائق الذي لا يستطيع أن يرى جيدًا خلفه.. هذا النداء أردت اليوم أن أطلقه إلى شعب "مصر".. وأنا أقول له "لحظة من فضلك".. مستقبل أولادنا يسير عكس عقارب الساعة.. ونحن عاجزون عن الرؤية.. يحجب أعيننا ضباب الفتن والخرافات، والتقاليد البالية التي لم تعد تفيد أحد.. نسلِّم حياتنا لمنطق القضاء والقدر والحظ العسر.. ناسين أن هناك قيم الصبر والمثابرة والعمل.. التي هي من شأنها أن ترقى بالأمم إلى الأمام.
أصبحنا نبغي المظاهر.. ونفرح بصورة مريضة بها.. ونتباهى بالعريس الذي أحضر للعروسة طقم ذهب بآلاف الجنيهات.. دون أن نسأله من أين لك هذا؟.. ننخدع بالعدسات الملونة، وننبهر بجمال عيون لا ترى إلا جمال نفسها فقط من منظور أناني.. ناكرة وجود الآخرين في أحيان كثيرة.. نرتدي السواد على أموات نفرح أحيانا لفراقهم.. نشكر الناس في وجوههم.. وعقولنا تلعنهم.. نفتقد للكثير من مظاهر الكرامة والعزة، ومع ذلك ننظر إلى الآخرين نظرة دونية، نستمدها من ذواتنا المريضة.. نعيش عالة على الآخرين، ونستهلك منجزاتهم الحضارية، وفي الوقت نفسه نلعنهم ونطالب بمقاطاعتهم.. أُصبنا بإذواجية غريبة قد ترقى في بعض الأحيان إلى الفصام.. فنعيش بعدة شخصيات.. فالرجل خارج المنزل إنسان ذوق لطيف، ومع أسرته وحش مخيف، وفى القهوة بيضحك مبسوط، ومع أولاده سخط وقنوط..
فأتصور أولادنا يركبون آلة الزمن ليقفزون بها عشرات بل مئات السنين؛ علهم يستطيعون لحاق ركب الحضارة.. ولكن هذه الآلة لعبت بها يد الفقر والجهل والتخلف الآثمة؛ لتقذفهم إلى الماضي القبيح قبل أن يكون هناك حقوق للإنسان، وقبل أن تحصل المرأة على بعض من حقوقها، وقبل الثورة التكنولوجية الهائلة، والتقدم الطبي والعلمي المهول..
لحظة من فضلك، اغلق فيها جهاز التلفاز.. وافصل خط التليفون.. واخلع السمَّاعات الموضوعة في أذنيك؛ علك تستطيع الإجابة على هذا السؤال: ماذا لو فقد أولادنا قدرتهم على اللحاق بآخر عربة من قطار التقدُّم؟ ماذا سيكون حالهم؟ أتصورهم بصورة مؤلمة.. كصورة الحي بداخل توابيت الأموات!! فهل تريدون حقًا أن يعيش أولادكم أمواتًا؟ |