بقلم: د. وجيه رؤوف
وشهد شاهد من أهلها (الجزء الأول)
تتسابق معظم الوزارات في مصر محاولة بذل أي مجهود يظهر عملها ونشاطها على المستوى المحلي، وحقيقه تبذل وزارة الصحة عن نية حسنة مجهوداً كبيراً لمحاولة الإرتقاء بالناحية الصحية في مصر وتأخذ في ذلك بكل المشورات التي من شأنها رفع الكفاءة الطبية، ولكن!!؟؟ لنقف هنا سوياً وقفة متأنية بالدراسة والتحليل..
فمثلا هناك فاصل كبير يفصل ما بين السادة المسئولين الكبار في الوزارة في القاهرة وما يحدث داخل الكواليس، وهناك أيضاً فاصل كبير ما بين وكلاء الوزارة والمسئولين الصغار اللذين يؤدون معظم الأعمال.
فإذا سرنا على قاعدة كله تمام يا افندم فستجد فعلاً أنه كله تمام يا افندم، ولكن على الورق فقط وعلى أرض الواقع ليس هناك تمام ولا يحزنون وربما كان هناك من يحزنون.
إزاي بقى؟؟!! أنا أقول لمعاليكم إزاي:
بناء على استيفاء الأوراق يتم تبليغ مديريات الشئون الصحية بخروج قافلة طبية إلى البلد الفلاني وكانت مكونة من عشرين عربة مجهزة وأكثر من خمسين طبيباً من مختلف التخصصات بالإضافة إلى عربات مجهزه لعمل التحاليل والأشعة وخلافه، وقد أدت القافلة والسادة الأطباء والفنيين والإداريين عملهم بكفاءة كما تم فحص عدد كبير من الحالات وعمل أشعات وتحاليل ونجحت القافلة في احتواء الكثير من الحالات وعلاجها، وبنفس الطريقه تقوم مديرية الشئون الصحية المعنية بتبليغ نفس الرسالة إلى الوزارة في القاهره، إلى هنا والكلام جميل والدنيا ربيع والجو بديع وقفّل لي على كل المواضيع.
نيجى بقى للحقيقة.. فالسادة في الوزارة والسادة في المديرية لا يعلمون بحقيقه ما يحدث، فإنه عادة ما يسبق هذه القوافل إعداد ضخم ومصاريف ضخمة من إعداد مكان كبير واسع عبارة عن عدة قراريط من الأرض الفضاء، حيث يتم إعدادها وفرشها كفراشة كبيرة مجهزة تحوي داخلها عربات، وتلك العربات تمثل غرف للكشف على المرضى داخلها وهي عربات إسعاف مكيفة، وفي نفس الوقت توجد صيدلية مجهزة داخل المكان لصرف العلاج اللازم، طبعاً يسبق هذه القافلة إعلان مُسبق داخل البلدة عن ميعاد القافلة التي سيأتي فيها كبار الأطباء.
والحقيقة أن هؤلاء الأطباء هم أطباء المديرية والبعض من أطباء المستشفى المركزي التابع لها البلدة، هذا ليس المهم فالأطباء أولاً وأخيراً أطباء ولكن المهم فيما يحدث داخل هذه القوافل، طبعاً يتم الإعلان عن هذه القافلة كما قلنا مسبقاً مع الإشارة إلى أن الكشف والعلاج مجاني والتحاليل والأشعة كذلك مجانية، طبعاً ده جميل لو وجه في الإطار الصحيح وإلى الفئة المحتاجة فعلاً ولكن الذي يحدث هو تراكم عدد كبير جداً للكشف وللفحص، والحقيقة من الممكن أن يكون من يحتاج للفحص هم خمسة وعشرون بالمائة فقط من هذا العدد (البعض بييجي القافلة ويقول أنا كويس بس عايز أعمل أشعات وتحاليل علشان أطّمن) ده مش عيب ومش مشكلة إن الإنسان يتقدم للفحص للإطمئنان على صحته فذلك يتم بشكل دورى في البلاد المتقدمة، ولكن المشكلة في ما سيأتي:
طبعاً يتزاحم عدد كبير من الأهالي للكشف وتستخرج لهم الأوراق الازمة للفحص وتتوجه هذه الأعداد كل إلى العربة المتخصصة في مرضه وهي هنا تعتبر العيادة، طبعاً أعداد غفيره مطالب من الطبيب أن يقوم بفحصها وكتابه الفحوصات اللازمة ثم كتابة التشخيص والعلاج وهذه العملية ليست سهلة، فمحدد لكل تشخيص كود ينبغي كتابته أمام خانة التشخيص وكذا الفحوصات لها كود وكذا الأدوية لها كود، وطبعاً يحاول الطبيب المخلص في عمله أن يستمع إلى المرضى ثم يقوم بفحصهم ثم يقوم بكتابه الفحوص اللازمة ثم بعد ذلك كتابة التشخيص كل ذلك داخل تلك العربة الضيقة وخلفه جهاز تكييف العربة (بيطس في قفاه)، المهم يحاول هذا الطبيب أن يرضي ضميره بأن يستمع لشكوى المرضى كي يقوم بتشخيص الحالة وكتابة العلاج اللازم ولكن يأتي إليه البعض من الإداريين الخاصين بالقافلة ويقول له: انت بتعمل إيه يا دكتور انت هتقعد تفحص الحالة في ربع ساعة قدامك متين واحد عايزين يكشفوا، احسبها بقى لازم نخلصهم هتقعد لإمتى؟.. انت كده هتبيتنا هنا النهاردة، حاول تنجز الله يرضى عليك، طبعاً الإدارى عنده حق إنه يقول كده.. احسبوها معايا ربع ساعه في مائتي مريض تبقى كام؟ وطبعاً الدكتور عنده حق عايز يرضي ضميره وعايز يؤدي عمله على خير وجه.
تفتكروا لو أنجز زي ما قال له الإداري: انجز الله يرضى عليك، تفتكروا ربنا هيرضى عليه فعلاً؟ وخصوصاً إن بعض الحالات محتاجة فعلاً كشف بدقة!
عموماً حدث مع أحد الأطباء أنه حاول يؤدي عمله وفي نفس الوقت ينجز، فما كان هو أن هذا الطبيب جات له أزمة قصور في الشريان التاجي ولم يستطع إكمال عمله لأنه كان ممكن يموت وترك العمل ليكمله زميل آخر، لكم أن تتخيلوا أن هذا الطبيب فحص أكتر من مائة حالة في ثلاث ساعات.
المهم ما أريد قوله هو أن هذه القوافل لا تقدم جديد للأمانة، وإذا كانت الوزارة تريد خدمة الناس فمن الممكن أن توجه هذه الأموال الكثيرة إلى تطوير المستشفيات فعلياً وليس شكلياً لكي تقدم فعلاً خدمة يرضى عنها الله، وخصوصاً أن تلك القوافل تذهب إلى بلدان تبعد عن المستشفيات المركزية بضعة كيلومترات قليلة ولا تحتاج تلك البلدان إلى تلك القوافل فعلياً، كما أن الفحص في تلك المساحة الضيقة داخل عربات مغلقه من الممكن أن ينقل العدوى من المرضى إلى طاقم المعالجين، ولكم أن تتخيلوا ونحن معرضون لأنفلونزا الطيور وخلافه حجم الكارثة التي من الممكن أن تحدث.
اعقلوها معي: من الممكن أن تكون تلك القوافل داخل المستشفيات نفسها بكل إمكانياتها وبالمجان أيضاً وتحدد لها فترات يسبق الإعلان عنها، أعتقد أن هذا الرأي هو الأمثل والمقبول شكلياً وفعلياً.
أتوجه بهذه الرسالة إلى معالي الدكتور حاتم الجبلي وزير الصحة الذي نكن له كل احترام وتقدير وإلى السادة وكلاء الوزارة لكي يطبقوا هذا الإقتراح حتى نستطيع فعلاً تقديم خدمة طبية أفضل، ولهم جزيل الشكر..
ملحوظه: كاتب هذا المقال كان طبيباً في أحد القوافل اليوم (وشهد شاهد من أهلها)
دمتم في سلامة الله.. |