بقلم: محمود الزهيري
ليس بغريب أن يبزغ تيار ديني ينتسب للقرآن ويعرف بأهل القرآن, فسابقاً وحالياً وجدت ومازالت تيارات دينية انتسبت جميعها للسُنّة وعُرفت بأهل السُنّة, وما بين أهل القرآن وأهل السنة دارت الصراعات الكلامية البعيدة عن الواقع المعاصر والتجأت للتاريخ لتحتكم إليه في أحداثه وكأن التاريخ بذاته بمكنته أن يعيد نفسه أو يعيد صناعة أحداثه من جديد أو هكذا يزعمون.
الفارق بين "أهل القرآن أو القرآنيون" وبين السنيون أو "أهل السنة والجماعة" تكمن الأقدار وتتحدد المصائر, فالفريق الأول ينتمي لنصوص قرآنية محددة ومعروفة العدد سلفاً, والفريق الثاني ينتسب إلى نصوص ذات النصوص ويزيد عليها نصوص من الأحاديث اللانهائية في أعدادها وتفسيراتها وتأويلاتها لدرجة أن وجد تيار من المفسرين يلجأ إلى تفسير القرآن بالسنة ويجعل من الأحاديث الضعيفة والموضوعة أسانيد للتفسير والتأويل بزعم أنها إذا كانت تفسر لصالح ما تم التعارف عليه بصالح الأعمال فلا بأس ولا حرج!!
أهل القرآن لهم مزعم رئيس يسعي إلى تحرير الفهم والتعامل مع النص بواقعية مرجعيتها النص ذاته بعيداً عن تاريخيته الزمانية وجغرافيته المكانية محاولين فهم النصوص على ضوء الواقع ومعطياته الحداثية بما للواقع من إحداثيات علمية وحضارية وثقافية سائدة.
بالرغم من اعتقادي بأن المجتمعات الإنسانية ليست بحاجة إلى وصايات رجال الدين أو علماء الدين -وهذا بالنسبة لكل الأديان السماوية وحتى الديانات الوثنية- في الوقت الذي أصبح الدين لا يمثل حالة جمعية مفروضة فرضاً أو قهراً وقسراً وإنما يمثل حالة فردانية شديدة الخصوصية والتوحد بين الإنسان وإله هذا الإنسان.
الدعوة المسعورة التي يتم شنها على التيار القرآني وإلصاق التهم بهم ترجع إلى أن هذا التيار تخلو أدبياته الدينية من الوصاية وفرض سلطان المفاهيم الدينية على المنتسبين لهذا التيار لأن عماد هذا التيار هو العقل الملتحم بمرادات النص التي يبتغياها من خلال الواقع دون إهدار لقدسية النص القرآني في نفوس المنتسبين لهذا التيار.
ولما كانت النصوص الدينية ماحقة للوصاية ولاعنة للأوصياء وفارضة للحرية العقلية أساس الاعتقاد ومناط التكليف الديني على المستوى الفرداني والجمعي إلا أن سلطة الاستبداد والفساد دائماً ما تبحث عن وصاية حتى في أبسط صورها أو أعلاها سواء وصاية المعتقد الذي تعتقد به الغالبية أو وصاية المفاهيم.
وما جرائم توصيف المخالفين للرأي أو الفكرة بالردة أو الكفر أو ازدراء الدين والمعتقد إلا صدى للصوت الذي تنطق به سلطة الاستبداد وتستنطق به أتباعها من رجال الدين في المؤسسات الدينية الرسمية التابعة وظيفياً لدولة الطغيان.
وليس بغريب أن تكون أنظمة الطغيان تحتمي بسياسة واحدية ملتحمة بحاكم مستبد يحمل صفة الواحدية ودين واحد وثقافة أحادية ومن ثم فإن من يخرج عن إطار هذه المنظومة فلابد أن يكون مرتد أو كافر أو موصوف بالفسق والفجور والعصيان وترمي عليه شباك الطرد من الرحمة والملكوت الإلهي الذي هو في السماء بالرغم من أن المطرود هذا من عالم السماء مازال يعيش في عالم الناس على الأرض.
الفارق بين القرآنيين والسنيين: أن القرآنيين لا يكفروا من هو ليس معهم, والسنيين أو أهل السنة والجماعة وكأنهم هم أهل الحق الثابت والحقيقة المطلقة ومن ليس معهم فهو خارج عن نطاق السنة وخارج على الجماعة ومن ثم فهو هالك أو كافر.
فهل علمنا لماذا الحملة التكفيرية وحملات الاتهام بالردة والارتداد عن الدين وإلصاقها بالقرآنيين؟!!
فهل من هو ليس من أهل السنة والجماعة وليس من الشيعة وبالتالي ليس من القرآنيين أو من السنيين له خانة يمكن أن يتم وضعه فيها سواء خانة الكفر أو خانة الإيمان؟!!
وهل من هو خارج عن نطاق التشيع لمذهب أو فرقة أو طائفة كافر أو مرتد؟ وعند مَن يكون كذلك؟
هل من إجابة؟!
mahmoudelzohery@yahoo.com |