الوطن |
اعتمدت نظريات النمو الاقتصادى سابقاً على أن تحقيق معدلات مرتفعة من النمو سينتج عنه تساقط عوائده على كافة فئات وقطاعات المجتمع، بما يضمن زيادة معدلات الدخل للفئات المهمَّشة والأقل حظاً. وسريعاً ما اتضح قصور هذه النظرية فى تحقيق تنمية اقتصادية شاملة ومستدامة، ولكن على العكس ففى بعض الدول استفادت الفئات الأعلى دخلاً والأوفر حظاً فى المجتمع أكثر من الفئات الأقل حظاً. ونتيجة لذلك القصور ظهر فى العقود الأخيرة مفهوم التنمية الشاملة، ويعتمد هذا المفهوم على مكونين أساسيين: تحقيق معدلات نمو سريعة، وضمان توزيع عادل للفرص الاقتصادية يحقق تكافؤ الفرص لجميع فئات المجتمع، ويعمل على خفض معدلات الفقر، وتقليل الفجوات فى مستويات الدخل بين شرائح المجتمع المختلفة.
ونرى أن مفهوم النمو الشامل يعتمد على تحقيق العاملَين معاً، وذلك لقصور نظرية «تساقط ثمار النمو»، ففى كثير من البلدان تحققت معدلات مرتفعة من النمو الاقتصادى، ولكن زادت أيضاً الفجوة فى مستويات المعيشة بين شرائح المجتمع، مما أدى إلى زيادة الاضطرابات المجتمعية، وعدم الاستقرار السياسى والاقتصادى، ولذلك رأى الاقتصاديون أن السبيل الأمثل للدول النامية هو تحقيق مبدأ التنمية الشاملة المستدامة المنحازة للفقراء.
وقد تكون الحالة المصرية دليلاً جيداً لتوضيح هذا المفهوم، فنعلم جميعاً أن الاقتصاد المصرى شهد معدلات نمو عالية نسبياً فى الفترة بين 2004 و2010 وصلت إلى 7% فى بعض السنوات، ومع ذلك فقد زادت معدلات الفقر فى نفس الفترة من 16.7% فى سنة 2000 إلى 21.6% فى سنة 2009 طبقاً لإحصائيات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، وهذا يعنى أنه وبالرغم من معدلات النمو المرتفعة، فإن مستويات المعيشة فى شرائح المجتمع المصرى لم تتحسن بنفس المعدلات، ولكن الشرائح الأعلى دخلاً استفادت أكثر من الأقل دخلاً، وربما الحالة الاقتصادية لمن هم أقل دخلاً قد تدهورت وزادت معدلات الفقر.
ولذلك فالنمو الشامل يتطلب سياسات تعمل على توزيع عادل للفرص الاقتصادية على كافة شرائح المجتمع، بما يؤهل جميع المواطنين لاستثمار تلك الفرص لتحقيق مستويات معيشية أفضل.
إذاً فانتهاج سياسات اقتصادية واجتماعية لتعظيم إتاحة الفرص لجميع شرائح المجتمع أفضل من انتهاج سياسات تهدف فقط لتحقيق معدلات نمو مرتفعة. وتشير الأبحاث العالمية وتجارب الدول إلى أن سياسات الاستثمار فى البنية الأساسية من طرق وكبارى ومواصلات وصرف صحى وكهرباء لها آثار جيدة جداً على معدلات النمو الشامل، حيث إن تلك المشروعات التنموية توفر الكثير من فرص العمل وتربط المناطق المتأخرة تنموياً بالأسواق، مما ييسر حركة التجارة الداخلية وأيضاً العالمية.
وأشارت الدراسات إلى أن تنمية قطاعَى التعليم والرعاية الصحية، خاصة للأطفال، لهما أفضل الأثر لتحقيق النمو الشامل، حيث تهتم الدولة أيضاً بتطوير التعليم من حيث المحتوى وعدد برامج التأهيل والتدريب التى تؤهل الشباب لسوق العمل، هذا بالإضافة إلى زيادة أعداد المدارس، خاصة فى المناطق المهمَّشة.
فمن البديهى والمسلم به أن إتاحة فرص تعليم جيدة ورعاية صحية تفتح مجالات العمل مع حرية الحركة للشباب ورأس المال مما ينعكس إيجابياً على مستوى معيشتهم وأقاليمهم، ومما يؤدى بدوره إلى زيادة الإنتاجية للمواطنين والمجتمع.
ويرتبط أيضاً مفهوم التنمية الشاملة بإتاحة الفرص للمواطنين من جميع الفئات، وخاصة الشباب، فى مجال الأعمال، خاصة من خلال المشروعات الصغيرة والمتوسطة التى تعد إحدى الدعائم التى تدفع بعجلة التنمية إلى الأمام فى الدول النامية، ويأتى ذلك من خلال سياسات تشجيع الاستثمار وإنشاء الشركات وإتاحة التمويل ومساعدة الشركات الناشئة العبء، وتبلورت تلك الرؤية فى مؤتمر الشباب الأخير، لا سيما أن عنوانه كان «أبدع.. انطلق».
ونرى أن الدولة فى مصر تعمل جاهدة ضمن ذلك الإطار للتنمية الشاملة، حيث يتوجه كثير من موارد الدولة إلى بناء بنية أساسية قوية لتكون أرضاً صلبة تنطلق منها المشروعات الصناعية والزراعية التى توفر فرص عمل تحقق الاستقرار السياسى والاقتصادى للبلاد.
واهتمت الدولة أيضاً بالاستفادة من طاقات الشباب ودفعهم إلى العمل الخاص وإنشاء مشاريعهم الخاصة، وتحاول مدهم بالدعم الفنى، وأيضاً التمويل، من خلال الصندوق الاجتماعى للتنمية وغيره.
وحرصت الدولة على الوصول للفئات الأكثر فقراً، فنجد برنامج تكافل وكرامة للرعاية الاجتماعية قد قارب على الوصول إلى مليون مواطن، وتدعم أيضاً الدولة إتاحة مسكن ملائم للمواطنين من خلال برنامج الإسكان الاجتماعى الهادف إلى إتاحة مليون وحدة سكنية قريبة من أسواق العمل بأسعار ونظم تمويل متاحة للجميع، وأيضاً قررت الدولة الاهتمام بالعشوائيات وتطويرها لتوفير مسكن ملائم للمواطنين بهذه المساكن غير الآمنة، وتم بالفعل البدء فى نقل بعضهم إلى مساكن جديدة، كما رأينا فى افتتاح مشروع الأسمرات الذى افتتحه الرئيس عبدالفتاح السيسى وأيضاً فى مشروع «غيط العنب» بالإسكندرية، كما وضعت الدولة جدولاً زمنياً محدداً لوضع حل نهائى لمشكلة العشوائيات خلال عامين.
وتحرص وزارة التعاون الدولى على إتاحة تمويل موجه للفئات الأكثر احتياجاً، فوفرت الوزارة تمويلاً قدره 600 مليون دولار للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، كما وفرت دعماً لتمويل مشروع الإسكان الاجتماعى ولشبكات الأمان الاجتماعى، وكذلك منحة لتطوير وبناء قدرات العاملين بصندوق الإسكان الاجتماعى.
إذاً فإن رؤية الدولة الآن تعتمد على ذلك المفهوم الشامل للتنمية، وعلى عدالة التوزيع، وإتاحة الفرص الاقتصادية، وضمان الحقوق الاجتماعية لجميع فئات المجتمع.
* وزيرة التعاون الدولى |
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع |
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا |
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا |
تقييم الموضوع: | الأصوات المشاركة فى التقييم: ٠ صوت | عدد التعليقات: ٠ تعليق |