CET 00:00:00 - 07/03/2009

مساحة رأي

بقلم / جرجس بشرى
لقد تعجبت كثيراً من ردود أفعال الحكومة السودانية وبعض الحكومات العربية التي صاحبت قرار المحكمة الجنائية الدولية باعتقال الرئيس السوداني عمر حسن البشير لارتكابه جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في إقليم دار فور، ومبعث العجب والدهشة تكمُن في ردود الأفعال التي غلب عليها الطابع العاطفي والتي رأينا فيها تحدي واضح واستخفاف بَين بالشرعية الدولية وأحبة النفاذ لدرجة أن البشير نفسه استخف بقرار المحكمة وقال عليهم أن يبلوه ويشربوا مّيته!

واعتبر أن الاتهامات التي وجهتها له المحكمة ما هي إلا ادعاءات، نافياً ارتكابه وحكومته جرائم في دارفور!! رغم أن هناك تقارير حقوقية دولية أشارت إلى أن البشير وحكومته ارتكبوا جرائم ضد الإنسانية في دارفور نجم عنها تشريد مليونين ونصف شخص ومقتل حوالي 300 ألف شخص منذ بداية الصراع إلى الآن وهذه الجرائم موثقة كم تقول المنظمات الحقوقية الدولية.
والغريب أن البشير يتحدى قرارات المحكمة حيث أعلن مؤخراً أنه ماضِ ومستمر في القيام بمهامه برغم صدور قرار الاعتقال!! وكأن الشرعية الدولية لا وزن ولا قيمة لها، لقد كان أجد وأشرف للبشير أن يُسلم نفسه للمحكمة ويُدافع عن نفسه وعن قضيته بدلاً من المُكابرة والاستمرار في مسلسل تحدي قرارات المحكمة.
المشكلة أن البشير يتوهم أن استمراره في هذا التحدي سينقذه من المثول أمام المحكمة أو سيعفيه من مُلاحقة مجلس الأمن له رسمياً!!! خاصة وأن الولايات المتحدة الأمريكية وأوربا مع قرار الاعتقال، الكارثة في الحكام العرب أنهم لا يتعظون من غيرهم ولا يقرؤون التاريخ جيداً ويتوهمون أنهم سيفلتون من الجرائم التي تُرتكب في حق الإنسانية، والحقيقة أن هناك منظمات حقوقية دولية حذرت البشير من الاستمرار في جرائم الحرب وضد الإنسانية في إقليم دار فور ولكن البشير لم يُعر هذه المنظمات الحقوقية اهتماماً!

ويبدو أنه كان مستقوياً ومستريحاً لهذه الجرائم بحجة الدعم الدبلوماسي والسياسي له ولجيشه من قبل منظمة المؤتمر الإسلامي وبعض الدول العربية والصين لدرجة أن هناك منظمات حقوقية انتقدت بالفعل الدعم السياسي والدبلوماسي الذي قدمته منظمة المؤتمر الإسلامي لحكومة السودان حيث أنه عندما شارك مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان بمصر بوفد في فعاليات الجلسة الخامسة لمجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في جينيف والذي عُقد في الفترة ما بين 11 إلى 18 يونيو 2007 لمناقشة أزمة حقوق الإنسان في دار فور وحاجة الضحايا إلى السلام والحماية ومحاسبة الجُناة، حَمَلَ الوفد وقتها الحكومة السودانية مسئولية استمرار احتدام العنف وانعدام الأمن في دار فور وأشار إلى أن الحكومة السودانية تواصل سياستها في التحرش وقمع وعرقلة عمل المنظمات الدولية العاملة بالإقليم وهو ما أسفر عن عرقلة تقديم المساعدات لأكثر من 1و2 مليون نازح، وأدان الهجمات الجوية التي تشنها الطائرات الحكومية وهجمات الميليشيات على المدنيين الأمر الذي أسفر عنه تشريد 110 ألف شخص في دار فور خلال الثلاثة شهور فقط من عام 2007!! 

وقد أكد وفد المركز على أن إجراءات العدالة في المنظومة القانونية السودانية تتمتع بعيوب جسيمة إذ تمنح لمُجرمي الحرب من العسكريين في الحكومة السودانية حصانة ضد محاكمتهم أو محاسبتهم! وأشار الوفد إلى تقاعس الحكومة السودانية عن التحقيق في هذه الجرائم الأمر الذي لا يمكن معه الحديث عن محاكمات محلية عادلة للمجرمين في السودان، وقد أكد الوفد على أن الحكومة السودانية قد دأبت على مواصلة سياسة التنصُل من المسئولية عن أي انتهاكات لحقوق الإنسان في دارفور سعياًً للإفلات من العقاب بسبب الأعمال غير القانونية التي ترتكبها الحكومة أو العناصر التي تدعمها في الإقليم.
والغريب أن المركز طالب الحكومة السودانية وقتها بالتعاون مع المحكمة الجنائية الدولية والإقرار بمسؤوليتها هي وجماعات التمرد عن انتهاكات حقوق الإنسان بالإضافة إلى انتقاد الدعم الدبلوماسي والسياسي الذي تقدمه منظمة المؤتمر الإسلامي وبعض الدول العربية والصين لحكومة السودان، واعتبر الوفد أن هذا الدعم يتمثل في مساعدة مرتكبي جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية في دارفور على الإفلات من العقاب.

إنني مندهش من تصريح  البشير باعتبار قرار المحكمة الجنائية الدولية باعتقاله يُمثل محواً لهوية السودان العربية والسلامية والذي يدعو إلى الدهشة أكثر الأوامر التي صدرتها الحكومة السودانية بعد قرار الاعتقال بطرد 13 منظمة دولية عاملة في مجال الإغاثة وحقوق الإنسان، فالسودان تنظر إلى هذه المنظمات العاملة في مجال العون والمساعدات الإنسانية على أنها منظمات تبشيرية وبالتالي تعمل على تهديد الهوية الإسلامية للسودان، وهذا الكلام ليس من فراغ بل إن هناك بالفعل مسئول حكومي بارز بالسودان وهو وزير الخارجية السوداني مصطفى عثمان الذي قد أشار إلى أن هناك آراء مشوهة تروجها هيئات الإغاثة التبشيرية الغربية، وذلك عقب زيارة كولن باول وزير الخارجية الأمريكية وكوفي عنان الأمين العام السابق للأمم المتحدة في نهاية يونيو 2004!
وما أريد أن أقوله هنا أن صدور قرار باعتقال الرئيس البشير من قبل المحكمة الجنائية الدولية له دلالات ورسالات شديدة اللهجة لكل مَن يتحكمون في مصائر خلق الله تعالى، لعلهم يتراجعون عن طغيانهم واستبدادهم.

 
 

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٢ صوت عدد التعليقات: ٢ تعليق