بقلم: ميرفت عياد
"ها اكب على نفسى جاز وأولع في روحى".. تلك هي العبارة الشهيرة التي كنا نسمعها في السبعينيات من القرن الماضي.. والتي كانت تلقيها بنت البلد "توحيدة" على سبيل التهديد في وجه أهلها عندما كانوا يريدون إجبارها على الزواج من المعلم "عضمة الجزار" المتيسر الحال.. بينما هي تحب الواد "حندق" صبي الميكانيكي الفقير، منبهرة بما كان يلقيه على أسماعها من عبارات الغزل وألفاظ الغرام والهيام؛ مثلما يقول لها عندما تتهمه بأنه يحب السيارة البيجو أكثر منها: "يا بت ده أنت دبرياج قلبي، انت فتيس حياتي"..
وفي الغالب لم تكن تنفِّذ تهديدها.. وتتزوج في النهاية من المعلم "عضمة الجزار".. وتترك الواد "حندق" صبي الميكانيكي يشكو لوعته للسيارة البيجو، قائلاً: "فوتت موتور قلبي يا زوبة".. ولكننا لم نسمع أن الواد "حندق" صبي الميكانيكي، ذهب أمام مجلس الشعب ودلق على نفسه البنزين اللي لطشه من عربية احدى الزبائن، وولع في نفسه؛ لأنه لم يستطع الزواج من "توحيدة".. وأقصى ما كان يحدث في هذا الوقت، إن الواد "حندق" كان بيشم البنزين المسروق ويعمل بيه دماغ.. وفي اليوم التالي يذهب إلى الورشة كأن شيئًا لم يحدث.
أما في عصرنا الحالي، فهناك العديد من الشباب الذين يُقدمون على الانتحار بإشعال النار في أنفسهم! ولكن دعونا نتأمل قليلاً فيما يحدث.. لماذا هان على هؤلاء الشباب الدنيا والآخرة معًا؟ رغم يقينهم أن كل الأديان السماوية تحرِّم الانتحار وتُجزم بأن مصير المنتحرين جهنم. كيف وصل تفكير هؤلاء الشباب إلى هذه المرحلة من اليأس والقنوط والإحباط، حتى إنهم يأسوا من رحمة الله؟!
كنا نسمع من قبل أن المليونير الفلانس انتحر.. أو الممثل العلاني قتل نفسه.. لأنه لم يعد يرى هدفًا لحياته، أو لأنه بسبب الغنى المفرط لم يعد هناك متعة في الحياة لم يحصل عليها، فيُصاب بالاكتئاب الشديد وينتحر! ورغم أننا نقول لهؤلاء: "اختشوا على دمكم"، لأنهم لو كانوا وظفوا أموالهم وطاقتهم اللامحدودة في إطعام الجياع، وعلاج المرضى الفقراء، لوجدوا لأنفسهم بئرًا من السعادة لا تنضب مياهه..
ولكننا نرى الآن العكس تمامًا.. حيث يقدم الناس على الانتحار لأنهم لم يحصلوا على أي شئ في الحياة.. فهنا يجب أن نتوقف طويلاً، ونتساءل: ألا يوجد العديد من الأشخاص في "مصر" لم يحصلوا على أي شئ من ملاذ الدنيا، كما أن البطالة منتشرة منذ زمن طويل في كل البلاد، ومع هذا فالناس مؤمنين برحمة الله؟!
إن الشخص الذي انتحر أمام مجلس الشعب كان يهدف إلى إرسال رسالة قاسية إلى الحكومة.. والسؤال ماذا تفعل الحكومة لهذا الرجل وأمثاله؟ وهنا يقترح أحد الظرفاء أن توفِّر الحكومة عددًا من طفايات الحريق أمام مجلس الشعب حتى تستطيع إطفاء هؤلاء الأشخاص قبل أن يموتوا.. ولكنى أقول له: إنه لو تعاقبت على "مصر" عشرات الحكومات، ستظل حالة المصريين كما هي؛ لأن السبب في الحالة التي نحن فيها ليس الحكومة بالدرجة الأولى، وإنما نحن المسئولين عنها بثقافتنا وسلوكياتنا التي تحتاج إلى تعديل جذري..
فهل الحكومة هي المسئولة عن الانفجار السكاني؟ هل الحكومة هي التي تقول للناس ارتشوا ولا تراعوا ضمائركم في أعمالكم؟ هل الحكومة هي التى تقول للناس اكرهوا؟ ارفضوا؟ اقتلوا بعض؟ هل الحكومة هي التي تقول للناس القوا بقمامتكم ومخلفاتكم في النهر العظيم التي كانت أول وصية أوصاها الحكيم "أمنحتب" للقدماء المصريين "لا تلوثوا ماء النهر"؟!
لماذا دائمًا نلقي بكل مصيبة على الحكومة؟! أنا لا أنكر أن للحكومة دور بنسبة كبيرة، ولكن هناك دور يقع علينا نحن؛ لأن الشعوب هي التي تنهض بالحكومات وليس العكس. فمهما كانت الحكومة لا تستطيع أن تنهض بشعب لا يريد أن ينهض بنفسه. وأنا أقول لمن يعمل ليل نهار من أجل مستقبل أفضل لأبنائه: انظر أولاً إلى مستقبل البلد الذي يعيش فيه أبناؤك، واوع تقول "ياكش تولع". |
|
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك
أنقر هنا
|
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر
أنقر هنا
|