بقلم/كمال غبريال لكن هناك أموراً ربما كانت هي الأخطر، والأكبر تأثيراً على حاضر الوطن ومستقبله، وليس على الأقباط فقط، هذه لا يفيد فيها قرارات ولاقوانين تصدر، مثل تولي أقباط مناصب محافظين وعمداء كليات ورؤساء جامعات، فمثل هذه الوظائف القيادية الكبرى والمتعلقة بالجماهير، والتي تختلط فيها السياسة بالواجبات الوظيفية، إذا ما تولاها أقباط في هذا الجو السائد من التعصب والاحتقان الطائفي، فإنهم سيترددون وربما يحجمون عن تحقيق العدالة وإحقاق الحق، إذا ما تعلق الأمر بحقوق مواطن قبطي، خوفاً من اتهامهم بالتحيز للأقباط، بل وأحياناً يرتكبون عكس ما يمليه عليهم الضمير المهني، بأن يظلموا وربما يضطهدوا أبناء وطنهم الأقباط، ليكتسبوا شهرة وشعبية لدى المتعصبين المسلمين. . نحن بالتأكيد –ربما جميعاً- كأقباط نلمس هذه الحالة، التي قد تعرض لها بالحتم كثيرون منا. . ومن الطريف أن نقرأ في التاريخ المصري القديم في المرحلة الفرعونية، عما يعرف "بعقدة أخيتي"، حيث كان "أخيتي" هذا وزيراً لفرعون، الذي اكتشف أنه يظلم أهله وعشيرته، لكي يشتهر بالعدالة، بل ونجد المفكر الراحل لويس عوض، يعترف في مذكراته أنه قد أعطى تقييماً منخفضاً لرسالة الدكتوراه التي قدمها أخوه رمسيس، فيما الأستاذان الآخران (وهما مسلمان) أعطيا الراسلة تقديراً مرتفعاً، ونجد العظيم لويس عوض يسجل على نفسه هذا الضعف، وينهي تلك القصة بحكمة رائعة قائلاً: "البعض يحكم بالظلم، لكي يشتهر بالعدل". . ويضاف إلى هذا أيضاً تجنبهم للدخول في مواجهات بصفة عامة، أياً كان أطراف الموضوع، لشعورهم بضعف موقفهم، وخوفهم من الإقالة أو ما شابه، بالطبع يتحمل البعض من الأقباط الذين يفعلون هذا جزءاً من اللوم، على ترددهم وضعف شخصياتهم، لكن اللوم الأكبر في رأيي، يقع على الوسط المحتقن بالتعصب، والذي يتطلب من حامل راية الحق أن يكون بطلاً أو فدائياً. . وأغلب الناس ليسوا أبطالاً، ونستطيع أن نقول "بئس المجتمع الذي يحتاج إحقاق الحق فيه إلى بطولة"!! هذه الحالة –والتي تمثل الغالب الأعم- لا يفيد فيها القرارات والقوانين، لأنها متعقلة بالجو السائد في المجتمع، وهو ما يخرج تغييره بالفعل عن إمكانيات جهاز الدولة بجميع مستوياته. . فهي تتعلق وترتهن بتغيير ثقافة شعب، إلى التسامح بدلاً من التعصب، والمحبة بدلاً من الكراهية، وهذا لا يتحقق أبداً بقرارات فوقية، فقط الحراك الاجتماعي وتفاعلاته، هي وحدها التي يمكن أن تحسن من هذه الحالة، أو تزيدها تدهوراً. . لقد تعود المصريون عموماً على تحميل الدولة كل همومهم، وإسناد كل البلايا والأخطاء في حياتنا إليها، رغم أن الأهم والأخطر من مآسي حياتنا، لا ترجع بالأساس إلى الحاكم، وإنما إلى المحكومين المتضررين الشاكين أنفسهم. البرلمان أو مجلس الشعب، تلك الهيئة التشريعية فائقة الأهمية والخطورة، تكاد تخلو من الأقباط، اللهم من يعينهم رئيس الجمهورية، فيكون ولاؤهم له، لا للشعب ولا للأقباط، ويلعبون دور المبرر لمواقف الدولة المتخاذلة تجاه معاناة الأقباط، بل ويستند إليهم الحاكم في تمرير ما يريد تمريره، وتكاد تنحصر مواقفهم في تجميل وتبييض الوجه الأسود للحالة الدينية المصرية. لا نتفق أيضاً مع من يطالبون بكوتة للأقباط، أي تحديد نسبة معينة لتمثيلهم في البرلمان، فهذا لن يحل المشكلة الطائفية بمصر، بل يعطيها تكريساً، بتقنين الانفصال الطائفي، وقسمة المصريين في مجال السياسة على أساس الدين، وبالإضافة إلى أن أعلى نسبة يمكن أن تعطى للأقباط، لن تكون كافية لتمرير أي قانون أو قرار في مقابل أغلبية غير قبطية، خاصة وأن وضع الاستقطاب الديني هذا، سوف يجعل الأغلبية ترى نفسها دائماً، كما لو كانت خصماً أو طرفاً آخر. . أيضاً نظام الكوتة سوف يؤدي لدخول عناصر قبطية غير منخرطة في العمل العام، علاوة على أن ولاءها سيكون لمن أوصلها إلى الموقع، الذي تستشعر بالتأكيد أنها لا تستحقه، ولم تحصل عليه بجدارتها الخاصة. . نستبعد هنا أيضاً حجة أن الكوتة يمكن أن تكون مؤقتة، لتشجيع الأقباط على الانخراط في العمل العام، ليرتقي بعد ذلك مستواها ونشاطها إلى المستوى المطلوب، ذلك أن الخبرة المصرية في هذا الشأن تثبت عكس ذلك، فنسبة 50% للعمال والفلاحين، لم تحرضهم طوال تلك العقود الطوال على التحسين من مستواهم في الأداء السياسي، بل بالعكس، تدفعهم للكسل وللاتكال على صفة العمل والفلاح، وعلى ترشيح الحزب الوطني لهم. خلاصة القول أن ما ندعو إليه من نزول الأقباط للاندماج في ساحة العمل العام، هو الحل والوحيد، والأمل إن كان هنالك ثمة أمل، في تحقيق آمال الشعب المصري، وفي القلب منه الأقباط، في حياة أفضل وغد مشرق، لا يضطر فيه أبناؤنا وأحفادنا، إلى الوقوف طوابير على أبواب السفارات الأجنبية، طلباً لتأشيرة دخول، تنقذ مستقبلهم من الضياع. |
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع |
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا |
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا |
تقييم الموضوع: | الأصوات المشاركة فى التقييم: ٢ صوت | عدد التعليقات: ١ تعليق |