بقلم: عماد توماس
(1)
الذي حدث من فوضى واقتحام وحرق مقرات الحزب الوطني وأقسام الشرطة وبعض الممتلكات العامة والخاصة هو نتيجة طبيعية لحالة الاستعلاء السياسي تجاه التظاهرات التي خرجت، والاستهانة بقدرات الشباب المصري، ونتيجة للضعف الجسدي لرجال الشرطة الذين مكثوا في الشوارع لعدة أيام عمل متواصلة.
مئات المظاهرات خرجت عبر السنوات الماضية تطالب بإصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية قابلها استعلاء حكومي لا مثيل له وتهاون بمطالب الجماهير واستهانة بشباب الفيس بوك وتعامل أمنى عنيف غير مبرر.
تهميش الشباب والاستهانة بهم وعدم تحقيق مطالبهم، نتج عنه عدم انتماء هؤلاء الشباب للوطن وكراهية شديدة لرجال الشرطة وصلت لحد الانتقام منهم، وتبرير عمليات النهب والسرقة كونها في معظمها لممتلكات حكومية.
أحد رجال الحكومة استهان بأعداد المتظاهرين ففي يوم 25 يناير-اليوم الأول للتظاهرات- خرج أحد كتبه النظام يقول أن عدد المتظاهرين لا يزيد عن 200 فرد منهم 50 مراسلا صحفيًا. وقال أحد رجال الحزب الوطني أن 30 ألف متظاهر خرجوا في أنحاء مصر لا يعبرون عن 80 مليون !!
وفى مظاهرات سابقة وبعد أن نادت الجماهير ببعض المطالب خرج أحد الوزراء يقول "لا أحد يلوي ذراعنا"، معتبرًا أن الحديث عن مطالب في ظل المظاهرات لا تليق!!
وهو قول لا يراعى أي بعد أو حس سياسي، فمشكلة هذه الحكومة أنها استهانت بالشعب المصري وشبابه، اعتبرت أن ثورته ونضاله لن تخرج حدوده الواقع الافتراضي فكانت الطامة والمفأجاة الكبرى خروج الآلاف في توقيت واحد مستهدفًا أماكن محددة مثل أقسام الشرطة.
( 2 )
مخطئ من يقول أن الشرطة قد حمت تظاهرات يوم 25 يناير، نعم كانت البداية تعامل أمنى فيه نوعا من ضبط النفس، لكن الحال تغير في الساعات الأخيرة من اليوم. فما شاهدناه من قنابل مسيلة للدموع أطلقت على آلاف المحتشدين في ميدان التحرير رغم هتاف الجماهير أن المظاهرة "سلمية" وهتافهم للشرطة "إحنا أخواتكم متضربوناش".
كل هذا أحبط الشباب وحركات المعارضة والتي صعدت من تظاهراتها، ونتج عنه ظهور فئة أطلق عليها البعض بالفئة المندسة والتي صعدت من احتجاجها لدرجة العنف والتدمير.
( 3 )
لا أحد يمكن أن يبرر حالات النهب والسرقة للممتلكات العامة والخاصة، فالغاية لا تبرر الوسيلة. نعم بعض من رجال الشرطة ظلموا وطغوا على كثيرين، اعتقلوا وعذبوا وقتلوا أبرياء في الإسكندرية والعمرانية، شاركوا في عمليات التزوير الموسعة للانتخابات لصالح مرشحي الوطني، سببوا حالة من الاحتقان والغضب والكراهية لجموع المظلومين والمضطهدين، منعوا فعاليات وندوات ومؤتمرات للمجتمع المدني .. كل هذه الاحتقانات ساهمت في تأجيج المشاعر فكان طبيعًا أن تخرج الجماهير لتعلن عن غضبها ومطالبتها للنظام بالرحيل.
( 4 )
رسالة المتظاهرون- للأسف- وصلت متأخرة، لأنها لم تجد آذان صاغية لها، خرج الآلاف وسط تجاهل حكومي لا مبرر له، لم يخرج أي مسئول كبير ليتحدث للجماهير في استهانة واضحة وعدم وجود احساس سياسي. قالوا أن رئيس الوزراء سيلقى خطابًا يوم الأحد أمام مجلس الشعب، وناشد العقلاء والحكماء في اليوم التالي لــ 25 يناير أن يخرج الرئيس ليتحدث للجماهير ليهدئ من روع المتظاهرين ويستمع لمطالبهم ويستجيب للمطالب المشروعة منها ، لكنه تأخر كثيرًا بعد أن استفحل الأمر وانتشرت الفوضى في محافظات "مصر".
( 5 )
الذين يقولون أن هؤلاء ليسوا مصريين، نقول لكم هؤلاء هم شباب "مصر"، لا يجب أن نخجل منهم؛ لأنهم منا خرجوا، وهم نتاج سوء تعليم وفساد حكومي ومعيشة غير آدمية في الفقر والجهل، خرجوا من العشوائيات التي طالما تجاهلتها الحكومة ولم تعمل على تنميتها وتركتها فريسة لكل أمراض المجتمع، فخرجوا وعبروا عن كراهيتهم للمجتمع الذي قهرهم وهمشهم واضطهدهم وسخر منهم.
( 6 )
مخطئ من يصدق أكاذيب بعض وسائل الإعلام المصرية التي رددت في أن المتظاهرون يطالبون بإصلاحات اقتصادية واجتماعية فقط، نعم هناك مطالب بتنفيذ حكم المحكمة للحد الأدنى للأجور 1200 جنيه ولم ينفذ حتى الآن، وهناك من يحصل على مرتب 200 جنيها في الشهر، فكيف يعيش بهذا المرتب الضحل؟ وما هي مشاعره عندما يرى بعض رجال الأعمال الفاسدين وقد امتلأت بطونهم واتخمت؟ ورغم كل هذه المطالب، إلا أن هناك مطالب سياسية تجاهلا الإعلام المزيف فقد هتف الآلاف هتافا مدويًا "الشعب يريد إسقاط النظام".
( 7 )
يبقى أن نقول، أن محاكمة كل الذين فسدوا وأفسدوا المجتمع المصري، أمر لا مفر منه حتى يعود الاطمئنان والثقة للشعب المصري، ومحاكمة المسؤلين عن هروب رجال الشرطة وتخليهم عن مهامهم، وإعلان أسماء رجال الأعمال الذين تركوا البلاد في هذه الظروف مطالبة الانتربول المصري بالقبض على كل الذين هربوا وتركوا البلاد في محنتها.
وندعوا لفتح صفحة جديدة مع الشرطة، بعد أن أخذت درسًا لن تنساه في حياتها، ويكفى أن رجال الشرطة خلعوا زيهم هربًا من الجماهير، وعلى رجال الشرطة أن يتعلموا من رجال القوات المسلحة في هذا الحب المتناغم مع الشعب المصري.
ويبقى أخيرًا، أن نشيد بدور الشباب المصري في حماية ممتلكاتهم وأعراضهم وهى إشادة تحتاج لمقال آخر. |
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع |
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك
أنقر هنا
|
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر
أنقر هنا
|