CET 08:57:08 - 18/05/2009

مساحة رأي

فى كل عائلة ستجد هناك «تيزة»، وهى بالطبع سيدة مُسنّة، فقدت كثيراً من حيويتها الذهنية، وتراجعت قدراتها على أخذ زمام المبادرة، لدرجة يصعب معها محاسبتها على كل فعلٍ أو قولٍ يصدر عنها،

ومع ذلك فإن أحداً من أفراد العائلة لا يجرؤ على إغضابها، أو حتى تنبيهها للأخطاء، لأنه لو فعل سيوصم بأنه ابن عاق لا يحترم تاريخ الجدة ومكانتها.

فى جانب آخر من المشهد سنرى الأقارب الانتهازيين- ولكل عائلة أراذلها- يتاجرون بالمسألة بنفاق «تيزة» على طريقة «ريّح الزبون»، ولأنهم يعرفون جيداً ما تريد سماعه فلا ينطقون بغير ما يطربها من عبارات معسولة، ستكون مصحوبة بموسيقى تصويرية و«شوية حركات» كتقبيل الأيادى والرؤوس، وتسويق المشاعر المصطنعة، وإبداء الغرام الزائف بكل ما يتعلق بشؤون "تيزة"، وما قد يثير اهتمامها.

ولا شك أن هؤلاء سيجنون ثمار وصلات النفاق هذه فى صورة مكاسب مادية ومعنوية، وبالطبع ستكون على حساب الآخرين، الذين يفضلون الحفاظ على مصالح العائلة ومكانتها، أو يحترمون أنفسهم بالترفع عن لعب دور الخادم المبتذل، لأن مجد الأوطان- كالعائلات- لا يصنعه سوى الأبناء وليس الخدم.

وقياساً مع الفارق، ففى العائلة الكبرى مصر، يحدث هذا السيناريو حرفياً، وبفجاجة ربما لا تجدها فى العائلات التى تحرص على المظهر اللائق كحد أدنى، لئلا يبدو الأمر مثار سخرية العائلات الأخرى، لكن فى المشهد العام الراهن يتصرف البعض بتبجّح فى المتاجرة بالوطنية تارةً، والدين تاراتٍ، وهم أكثر الناس كفراً بهذا وذاك، ويظهر زيف ادعاءاتهم أمام أول اختبار جاد.

لن نختلف على حاجة مصر لأبناء منحازين للمستقبل، لا يجترّون الماضى ولا يحوّلون حياتنا إلى نكد مقيم واحتقانات مزمنة، لكننا سنختلف كثيراً حول هوية هؤلاء، وكيفية التعرف عليهم واكتشافهم وسط مناخ اختلطت فيه الأوراق، وتعاظم دور "أولاد تيزة"، الذين اكتسبوا خبرات هائلة فى اختطاف القرار، وتعميق استلاب عقول الجماهير وبهلوانية القفز على مصالح البسطاء، وتعلية الجدران العازلة بين الحاكم والناس.

ستجدهم فى دواوين الحكومة وفى الأندية الرياضية، ووسائل الإعلام والبورصات وإشارات المرور، وعبر الإنترنت والفضائيات، يتدفقون حتى من الصنابير، ويلاحقوننا فى كل مكان، ويقتحمون أدق تفاصيل حياتنا، المهم أن يظلوا حاضرين فى حياتنا، فالإلحاح أشد تأثيراً من السحر.

ستراهم يتحدثون بوقاحة ضارة بمصر (الدولة والنظام والشعب)، رغم أنهم يزعمون الدفاع عنها، ولا مانع من أن يتصرف بعضهم بطريقة سائقى الـ«توك توك»، فيتسللوا بلزوجة فى كل الدروب غير عابئين بقواعد السير ولا آدابه، وأحياناً يستلهمون سلوك قائدى «الميكروباص» بالقفز أمام خلق الله بالقوة، دون اكتراث بما قد يسببه هذا التقافز من كوارث، وربما يصل الأمر للتصرف بعجرفة قائدى الشاحنات، الذين يعتمدون على ضخامة مركباتهم لإرهاب الجميع وفرض إرادتهم المنفردة.

وحتى لا يتعاظم الشعور بالمرارة لدى قطاعات عريضة من المصريين، أتصور أن قدرة الحكم على اختراق حاجز الكهنوت السياسى الذى يحاصره، ويعزله عن الناس، باتت مهمة ملحة ومصيرية، لأن التراخى عن ذلك من شأنه أن يحرث الأرض أمام تيارات فاشية كالجماعات المتأسلمة، التى تسعى بدأب لاختراق المجتمع وبرمجته على مقاسها، بإشاعة الأفكار المتطرفة فى كل شؤون الحياة، لدرجة يخشى معها المرء أن يستيقظ يوما على هؤلاء وقد دانت لهم مقاليد الأمور، وحينها ستكون كارثة محققة.

لهذا يصبح الرهان على «غربلة النخبة» من أخطر مهام أى مرحلة جديدة فى مصر، ولعل أكثر المؤهلين للإقدام على خطوة كهذه- بتقديرى الشخصى- هو جمال مبارك لأسباب يطول شرحها، وقد نختلف بالتأكيد حول تفاصيلها، وتأخذنا لدروب شتى، لكن دعونا نفكر بطريقة براجماتية، فالرجل مؤهل لأدوار بالغة الأهمية فى المستقبل وعلينا ألا نتركه لفرقة "أولاد تيزة" الانتهازيين، لكن عليه هو أيضاً أن يساعدنا ويقترب أكثر من البسطاء، ويخترق الجدران العازلة، وأتصور أن أمامه فرصة سانحة لو خلصت النوايا.

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٢ صوت عدد التعليقات: ٥ تعليق