CET 10:12:53 - 18/05/2009

مساحة رأي

بقلم: منير بشاي
عندما وقف الرب يسوع أمام قبر لعازر وبكى، كان يقدم لنا صورة رائعة فى تعاطفه  مع مآسى البشر. وعندما صرخ قائلا "لعازر هلم خارجا" وخرج لعازر من القبر، كان يقدم لنا تعبيرا  صادقا على أنه يريد ويستطيع أن يحل هذه المآسى.
    ولكن قبل أن يجرى الرب يسوع معجزة إقامة لعازر من الموت، طلب من الواقفين قائلا "إرفعوا الحجر" (يوحنا ١١:٣٩) وبعد قيامة لعازر من الموت طلب منهم "حلوه ودعوه يذهب" (يوحنا ١١:٤٤).  وهنا يأتى التساؤل: ألم يكن فى مقدورالرب يسوع الذى أقام إنسانا من الموت أن يقوم أيضا بالأمر الأسهل وهو رفع الحجر وأيضا بأن يحله من الأكفان؟ والإجابة: نعم كان يستطيع، وبكل سهولة. ولكن الرب يسوع كان يرسى لنا بذلك مبدأ هاما وهو أن أعمال الله ومشاركة البشر يسيران جنبا إلى جنب، لا تلغى الواحدة الآخرى، ولا تناقض الواحدة الأخرى. الله يعمل ما لا نستطيع ونحن نقوم بما نستطيع.
    مرة أخرى أعود لأكتب فى هذا الموضوع الهام للرد على ما يتردد من الكثيرين بأن للكنيسة رب يعتنى بها وهو لا يحتاج لتدخلنا. وهو قول حق يراد به باطل،  فعناية الله بالكنيسة لا تعنى أن نلغى نحن كل مجهوداتنا ونقف مكتوفى الأيدى إنتظارا لله أن يقوم بالعمل كله دون مشاركة منا. نعم ألله يعتنى بالكنيسة ولكنه غالبا يستخدم البشر لتتميم عمله.
    حتى نبرر صمتنا وتقاعسنا وتخاذلنا فإننا نحاول إلقاء تبعة الأمر كله فى يد الله، فنردد القول "الرب يقاوم عنكم وأنتم تصمتون" (خروج ١٤:١٤) وبهذا نقع فى خطأ إقتباس الآية الواحدة ونترك الكتاب المقدس كله جانبا. هذه الآية جاءت فى موقف لم يكن لشعب الله المقدرة على المقاومة أو الدفاع عن النفس فقام الله بالعمل كله. ولكن عندما كان فى مقدور الإنسان أن يتكلم كانت تعتبر خطيئة منهم إذا لزموا الصمت. ففى سفر الأمثال ٣١:٨،٩ يقول: إفتح فمك لأجل الأخرس فى دعوى كل يتيم. إفتح فمك إقض بالعدل وحام عن الفقير والمسكين. وفى سفر الأعمال ٨:٩،۱۰ يقول: لا تخف بل تكلم ولا تسكت لأنى أنا معك. والشواهد من الكتاب المقدس كثيرة التى تؤكد هذا المفهوم.
    لقد أعطانا الله يدين لنعمل بهما ولو كانت مشيئته أن يقوم هو بالعمل كله نيابة عنا لكان قد خلقنا بدون يدين. وأعطانا رجلين لنتحرك بهما ولو كانت مشيئته أن يقضى هو كل حاجتنا دون تدخل منا لخلقنا دون رجلين. وأعطانا لسانا لنتكلم به. ولو كانت مشيئته أن يتكلم هو نيابة عنا لما كان هناك إحتياج أن يخلق لنا لسانا. ولو كان الإنسان ماكينة لا إرادة لها، يحركها الله كما يشاء، لما كان للإنسان مسئولية فيما يرتكب من أعمال ولما كان هناك دينونة وعقاب وجزاء.
    الآن أمامنا فرصة أن ندافع عن إخوتنا الذين أبكم القهر أصواتهم فى مصرباستخدام أصواتنا فى مجتمع يعطينا هذه الحرية. أمامنا الفرصة أن نخرج ضمن المسيرة التى ستقوم فى واشنطن يوم ٢٦ مايو ۲۰۰٩ أئناء زيارة الرئيس مبارك للبيت الأبيض لنعلن للعالم كله الأوضاع الظالمة التى يعانى منها أقباط مصر ونطالب بحقهم فى العدالة.
والله دائما على إستعداد أن يعمل المعجزة إذا قمنا نحن أولا بواجبنا فى رفع الحجر. فلنخرج ونشارك فى هذه المسيرة السلمية ونطالب بتصحيح الغبن الواقع على إخوتنا فى مصر. ولنعمل ذلك بطريقة متحضرة ومسيحية ووطنية.
    بطريقة متحضرة لأننا أناس متحضرين. أقباط المهجر ليسوا كما يشاع عنهم بأنهم جماعة من المشاغبين. أقباط المهجر يحتلون مكان الصدارة ضمن أفضل من أنجبتهم مصر. معظمهم تركوا بلدهم مضطرين بعد أن أغلقت أمامهم فرص الحياة فى مصر، ويالها من خسارة قومية أضاعتها مصر نتيجة التعصب وقصر النظر.  هؤلاء جاءوا إلى بلاد غريبة ليواجهوا لغة غريبة ونظام تعليمى وخبرات مخالفة لينافسوا أبناء البلد ويثبتوا وجودهم ويتفوقوا. أقباط المهجر هم الصفوة الممتازة فى العلم والفكر والثقافة والتحضر.
    بطريقة مسيحية لأننا أناس مسيحيين نتمسك بعقيدتنا. من أجل عقيدتنا عانينا ولذلك فليس سهلا علينا أن نفرط فيها. عقيدتنا تعلمنا المحبة والتسامح والغفران. تعلمنا أنه إختيار شخصى لمن يريد أن يفرط فى حقه وأن يدير الخد لمن يلطمه. ولكن عقيدتنا تعلمنا أيضا أن لا نفرط فى حقوق المظلومين والمستضعفين. وأيضا تعلمنا عقيدتنا  أن نستخدم الشرعية وننبذ العنف كأسلوب فى تحقيق أهدافنا.
    بطريقة وطنية لأننا أناس وطنيين حتى النخاع. الأقباط هم أصل مصر ويفتخرون أن مصر أعطتهم إسمها. ولكن مصر ليست هى النظام الحاكم. ومن يعترض على ظلم النظام لا يسىء إلى مصربل على العكس يخدم مصالح مصرلأنه يسعى إلى تلميع صورتها للعالم.
أيها الأقباط إستقبلوا رئيس بلادنا مصر باحترام يليق به ويمليه علينا تحضرنا ومسيحيتنا ووطنيتنا  ولكن أيضا إعلنوا عن مظالم الأقباط بكل قوة وحزم. وإذا كان إعلان هذه المظالم أمر يخجل ويحرج النظام، فالعلاج بسيط، فليصلحوها....
    إرفعوا الحجر، ولكن لا ترموه على أحد..

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ١٤ صوت عدد التعليقات: ١٦ تعليق