CET 00:00:00 - 19/05/2009

مساحة رأي

بقلم: محمود الزهيري
أن تكون إنساناً حراً هذا لا ينفي عنك أن تكون مؤمناً بالأديان السماوية أو الأديان الأرضية الوثنية، فالحرية هي أساس الإعتقاد الديني وهي كذلك أساس لنفي الإعتقاد الديني السماوي الإلهي أو الأرضي الوثني، والمهم في الأمر هو احترام عقائد الناس واختياراتهم، فمن حق الإنسان أن يعبد حجراً، ولكن ليس من حقه أن يقذف الناس به.
والذي لا يمكن نفيه هو الدائرة الإنسانية القائمة على أساس من احترام حريات الآخرين في اختيارهم للمعتقد الديني الذي يؤمنون به من دون ضرب أي نوع من الوصايات الدينية على حريات الناس في إختياراتهم الدينية أو اللادينية، والعمل معاً في دائرة المشترك الإنساني.
وأعتقد أن من أخطر مآسي الإنسانية هي الصراعات القائمة بين البشر علي أسس وخلفيات دينية سماوية أو أرضية كلها تدعي الإمتلاك الكامل والمطلق لحقائق الأديان والمعتقدات والطبيعة والكون والإنسان.
 بل وتنتقل الملكية المطلقة للتصورات الإنسانية كذلك بدعوى أنها مرتبطة بإرادة إله السماء الواحد الأحد الفرد الصمد حسب عقيدة أصحاب الديانات الإبراهيمية أو آلهة السماء المتعددة أو آلهة الأرض التي من الصعب حصرها حسب المعتقدات الدينية الأخري.
الوصاية الكافرة بالإنسان أصبحت فارضة نفسها على بني الإنسان، وهناك نماذج في العديد من المجتمعات المريضة بداء حماية الله، والدفاع عنه، وكأن الله سبحانه وتعالي غير قادر علي الدفاع عن ذاته وعن دينه وعن العقيدة التي إرتضاها للناس، أو هم يظنون بالله الظنون حين يدّعو أنهم يدافعوا عن الله، أو يدافعوا عن أنبيائه ومرسليه وكتبه المقدسة باعتبارهم لذواتهم وأنفسهم وكلاء مفوضين عن الله.

إنها المجتمعات المريضة العاجزة التي تسمح للأوصياء ببزوغ نجمهم، وشروق شمسهم حينما تأفل نجوم العقل وتغيب شموس الحكمة، ويصبح الفقروالجهل ملاذ والإستبداد معاذ والطغيان والقتل قاعدة للإستبداد، تبني عليها مصدات الوصاية وحوائط المفاهيم الملعونة الكارهة للإنسان والمغيبة لحقوقه بإسم الله، وبإسم الأنبياء والمرسلين وبإسم التفسير والتأويل لمرادات الله، من خلال الأوصياء أعوان الإستبداد والقتل والطغيان، وأرباب الفساد بجميع صنوفه وألوانه وأشكاله.
هنا في المجتمع المصري ظاهرة إسمها يوسف البدري، أسماه الناس محتسب مصر، لدرجة أصبح معها إسم يوسف البدري مقترن بدعوى جنائية يطلب فيها الحبس والتعويض المدني والغرامة، أو يقترن إسمه بدعوى مدنية يطالب فيها بالتعويض المدني والمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة، أو دعوى من دعاوى الحسبة التي يطالب فيها بالتفريق بين زوج وزوجته، لأن الزوج إقترف الكفر وزار العصيان ورتع في الفسق وذاق طعم الفجور وأصبح مرتداً يتوجب التفريق بينه وبين زوجته المؤمنة الغافلة الطاهرة البتول، ومن ثم وجب التفريق أو هكذا يزعم يوسف البدري، ومن هم معه من محتسبي مصر من الأوصياء والمراقبين لإيمان الناس، والمحافظين علي حدود الله حسبما يتوهمون أو يؤمنون.

ولا ننسي البيعة الكبرى التي بايعها يوسف البدري لمبارك الأب هذا ما قاله ونطق به لسانه مدعياً أنه حين يسأله الله عن عمل واحد يدخله الجنة لكان هذا العمل هو بيعته لمبارك الأب البيعة الكبرى إذ قال: لو سألني الله عن عمل واحد يدخلني إلى الجنة لقلت بيعتي لمبارك.
بل قال في بيعته الكبرى لمبارك الأب محقراً من كل المصريين في النظام الحاكم وحزبه والمعارضة ومن هم خارج نطاقهما إذ قال: «أيها الرئيس جئت لأبايعك علي الإمامة الكبرى فليس فينا من هو قادر على تحمل المسؤولية مثلك».
هذا هو يوسف البدري محتسب مصر الذي وظف نفسه لملاحقة العقول التي ترفض الجمود وتأبي السكون، وتتألم لآلام الإنسان وفقره وجهله وجوعه ومرضه، ووظف نفسه لقياس إيمان الناس وإجبارهم على قياس إيمانهم على المسطرة الإيمانية التي صنعها بنفسه ولنفسه لتكون مقياساً لإيمان الناس.

والذي كان يشغل بال يوسف البدري هو تحويل كنيسة لمسجد أو مسجد لكنيسة، ويرى في ذلك أن هذه من المسائل السياسية التي يصبغها بالصبغة الدينية، وهذا ماقرر به في لقاء معه بالمصري اليوم إذ قال عن أحد بيوت الألمان في حلوان أنه تحول لمسجد: كان بيتاً لأحد الألمان وتحول إلي مسجد، ولما وقع السادات معاهدة كامب ديفيد اشترطوا عليه أن يُعيد كل ما تم تأميمه لأصحابه، وكان من بين ذلك بيت الألماني الذي كان كنيسة كاثوليكية وافق جمال عبدالناصر على تحويله لمسجد.
وكأن الإستيلاء على دور عبادة المسيحيين بقرار من رأس الدولة مبرراً ليوسف البدري في تحويله لمسجد بعد أن ضاقت الأرض وما عليها بالمسلمين ليكون مبرراً لهذا الفعل الذي يرفضه الله وتأباه جميع الأديان، وتستنكره أبسط مبادئ العدالة الإنسانية، إذ بعد إقراره واعترافه أن هذا المنزل كان كنيسة كاثوليكية، ومع ذلك لا يريد إعطاء الحقوق لأصحابها وإعادتها لهم، إلا أنه يستنكر ذلك ويقول: أذن فيه لأكثر من عشر سنوات إلى أن أصبح الناس في صباح يوم ما من شهر يوليو ليسمعوا أجراس الكنيسة بدلاً من آذان الفجر، وتعجبوا لقد صلوا العشاء في المسجد، فكيف تم تحويله إلي كنيسة في ساعات.
وذهبنا فوجدنا ما يزيد على الـ٥٠٠ شاب يقبعون حول الكنيسة الجديدة ويصرون على ألا يرجعوا إلا إذا تمت صلاتهم في المسجد وأعلنوا الأذان وعادت الكنيسة مسجداً، واستمر هذا الوضع المحتقن فترة من الزمن.

وهذا مايشغل بال يوسف البدري وينفعل له وتسعد به أساريره، أن يحزن آخرين ليفرح هو، ويؤذي مشاعر غير المسلمين ليسعد هو وترتاح وتبتهج مشاعره المؤمنة وأساريره المسلمة.

لم يصدر من يوسف البدري بيان بشأن فساد، ولم يدلي برأيه في قضايا الإستبداد، ولم نسمع له صوتاً في تزوير الإستفتاءات والإنتخابات، وسكت صوته حينما قتل في عبارة الموت 1033 إنسان بسبب من الفساد والطغيان، ولم نرى له وجهة تجاه قضايا التعذيب وانتهاك حرمة الإنسان وحريته وحياته الخاصة، وصمت عمداً حينما استوجب الكلام في بيع الأصول الوطنية لممتلكات المصريين ولم يعرف المصريين أين ذهبت تلك الأموال ثمن البيع البخس، ولم نسمع له قول في التعديلات الدستورية وقانون الطوارئ أوالإرهاب وإلغاء الإشراف القضائي على الإنتخابات، بل كان ضد المظاهرات والإعتصامات والوقفات الإحتجاجية والإضرابات وأسبغ عليها ألواناً من الرفض الديني، قائلاً بالحرف الواحد: إن ما يحدث من مظاهرات واعتصامات وإضراب عن العمل منهي عنه شرعاً، واصفاً تلك الأمور بأنها عبث لا ينفع البلاد في شيء، ولافتاً إلى أن ما يشكو منه الناس من غلاء فاحش، يرجع سببه إلى قلة الشيء وعدم وفاء الإنتاج بالمتطلبات الضرورية.
بل قال بصيغة الفتوى التي لايتوجب مخالفتها: لا مظاهرات في الإسلام ولا إفساد ولا توقف عن العمل ولا إضراب، لأن ذلك يسفر عن تعطيل مصالح البلاد والعباد.

لم نر يوسف البدري إلا مع مذيعات ومذيعي الفضائيات والتوك شو، والحديث في قضايا أبعد ما تكون عن واقع الناس وأزماتهم المعيشية، فما يشغل عقل يوسف البدري الحسبة الدينية الموظفة للتخديم على الحسبة السياسية في نهاية المطاف، وما يشغل عقل وتفكير يوسف البدري هو التداوي بالقرآن أو التداوي بالأعشاب والبحث عن أحاديث تبيح تلقي أموال مقابل علاج الناس بالوهم، وهو ليس من أهل الطب أو من خريجي الصيدلة وليس من المتخصصين في الطب النفسي، ومع ذلك يبيح لنفسه تلقي أموال مقابل هذا العلاج المدعي وممارسة مهنة الطب والصيدلة بدون ترخيص.

لم يترك يوسف البدري أحد له رأي إلا وحاربه بالنوايا التي لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى، فكان أن حرك الدعاوي ضد نصر حامد أبو زيد وحلمي سالم وأحمد عبد المعطي حجازي ورجائي عطية وسعاد صالح وجابر عصفور وجمال الغيطاني وممدوح نخلة وأخيراً إشترط شروطاً على شريف منير بسبب كلمات قالها عن القدر، واعتذر شريف منير خوفاً من يوسف البدري إلا أن يوسف البدري طالبه بالحضور ومعه شاشات الفضائيات حتى يعلن توبته على الملأ وأنه إذا لم يحضر ومعه شاشات الفضائيات فسيحرك ضده الدعاوي الجنائية، لكي يرضي الله عن يوسف البدري وحوارييه من أصحاب الحسبة الدينية الخادمة للحسبة السياسية للطغيان والفساد والإستبداد.
وأتمنى أن أرى يوسف البدري مهتماً لقضايا الفساد ومشغولاً بقضايا الإستبداد، ومهموماً بقضايا الفقر والجوع والجهل والمرض، ومحتاراً في كيفية الخروج من مأزق الجهل ونفق التخلف، وأزمة إستيراد الغذاء والكساء والسلاح والدواء، ذلك الدواء الذي أصبح لا يكفي أعداد المرضي، كما لايكفي الخبز أفواه الجياع في وطني.

الغريب أن يوسف البدري قال حين تم سؤاله في أحد المواقع حينما اتهموه بأنه طالب شهرة قال: أما من يقولون أنني أقصد من هذه الدعاوى "الشهرة"، فهذه الكلمة حساب للنوايا، وهل هم إطلعوا على قلبي وعرفوا ما فيه، ولذا فإنني أعتبر هذا رجما بالغيب ومقولة باطل يراد بها باطلا.

ولا أدري إذا كان ليس من حق الناس حساب نوايا يوسف البدري، فهل من حقه محاسبة الناس على نواياهم؟!!
المصيبة أننا ما زلنا مأزومين بأمراء الجماعات الدينية وصبيانهم الذين عينوا من أنفسهم محتسبين ومراقبين لضمائر الناس ودواخل أنفسهم، وهؤلاء لم تفسح لهم الفرصة في الإعلام الرسمي بالرغم من فتح أبواب القنوات الفضائية أمام المحتسبين الذين يؤجروا في الساعة بآلاف الدولارات أو الريالات مقابل بث مفاهيم أنظمة حكم إستبدادية تريد أن تذهب بالناس لعمارة الآخرة، حتى تنعم تلك الأنظمة بعمارة دنياها هي وحدها على حساب المجتمعات المفقورة والممروضة والأداوات في سبيل تحقيق هذا الهدف من أسموا أنفسهم برجال الدين أو علماء الدين أو الدعاة سواء كانوا محتسبين متمرسين في دعاوى الحسبة أو دعاة مأجورين بآلاف الدولارات أو الريالات في ساعة البث الفضائي الواحدة علي حساب المغيبين من الفقراء والمرضي والجائعين المأزومين برغيف الخبز أو كوب ماء نظيف.
المسألة تحتاج إلى تعديل تشريعي في القوانين لإخراس من يتأولون على نوايا الناس والزج بهم خلف أقفاص الإتهام في ساحات المحاكم الجنائية وقاعات المحاكم المدنية، وإلا فالمحكمة الجنائية الدولية والقضاء الدولي أبوابهم واسعة رحيبة للمضهدين بسبب حرية المعتقد أو الفكر والرأي!!

محمود الزهيري
mahmoudelzohery@yahoo.com

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٦ صوت عدد التعليقات: ٨ تعليق