بقلم: عبد صموئيل فارس
مع كل إنسان هناك مواقف في الحياة تصادفه تحمل في طياتها معنى ومغزى وهذا ما دعاني إلى كتابة هذه المواقف التي حدثت معي بصفة شخصية، فهي ليست متصلة لكنها منفصلة ولكن جوهرها وهدفها هو واحد إبراز ما آلت إليه الأوضاع في مصر ونحن في القرن الواحد والعشرين، بعد أن تحطمت على أرضها كل المبادئ والقيم وسقطت فريسة للجهل الذي أصبح يحكم ويشرّع ويوجّه ضمائر الناس.
وكنت قد ذكرت في مقالي السابق ما حدث مع الطفل أحمد من تشويه لبراءته بزرع الأفكار المتطرفة وهو لم يتعدى عامه الخامس، أما اليوم فسأنقل لكم صورة حية نعيشها جميعًا ونشاهدها كل يوم في واحد من أهم المرافق الحيوية في مصر، وهو مرفق مترو الأنفاق الذي تحول إلى دولة إسلامية تعمل من باطن الأرض. ففي زيارتي الأخيرة إلى القاهرة وكان هدف الزيارة هو حضور مؤتمر التمييز الديني الذي استضافه مشكورًا حزب التجمع بعد أن رفضت نقابة الصحافيين الإسلامية استضافته.
وبما أن إقامتي كانت في منطقة الخلفاوي بحي شبرا فأسهل وسيلة للذهاب إلى مكان انعقاد المؤتمر هو مترو الأنفاق، فنزلت إلى محطة المترو وتوجهت إلى شباك التذاكر لأجد شيخًا له لحية وشارب ويتمتم وهو مغمض العينين وقفت أمامه حتى يقوم بعمله وهو إعطائي تذكرة المترو لكنه نظر إليَّ واتجه ببصره للشباك الآخر الذي في مواجهته فذهبت مسرعًا إلى الشباك الآخر وبنفس المنظر كأنه كربون لكن هذه المرة سمعت بعض كلمات حينما علا صوت الموظف قائلاً (وبشر الصابرين) واتجه ببصره أيضًا إلى الشباك المجاور له فوجدت طابورًا يقف ففهمت ووقفت حتى حصلت على التذكرة وأنا أتعجب مما يحدث من الموظفين تاركين أعمالهم ليتفرغوا للتمشيخ.
المهم إنني أخذت المترو حتى نزلت في محطة التحرير وذهبت مسرعًا إلى أقرب باب خروج متجه ناحية حزب التجمع وذلك تجنبًا للخروج من الناحية الخطأ وهذا تفاديًا لعدم الترجل في إشارة التحرير فهي في قمة الخطورة.
ووصلت إلى المخرج ولكن وآسفاه وجدت يافطة كبيرة على سلم المخرج تقول السلالم طاهرة والطريق مغلق للصلاة واثنين من العساكر يقفون أسفل السلالم!! فقلت لهم إنني أريد العبور فقالا لي أنت لم تقرأ هذه وهو يشاور على اليافطة، فنظرت وأنا في غاية الاندهاش وقلت لهم هل (أنتم متأكدين إنني أقف في مترو الأنفاق) أخذني الفضول للنظر من الداخل لأنهم كانوا يضعون سترًا كبيرًا وإذ بجيش من الموظفين يقومون بالصلاة!!
وتحوّل المترو إلى جامع كبير للموظفين تاركين المواطنين طوابير أمام شباك التذاكر! فهل هذه الأمور تُرضي الله؟ وكيف وصلنا إلى هذه الحالة في مصر؟ وعلى مَن تقع المسئولية؟ أين مدنية الدولة التي ينادون بها ليلاً ونهارًا؟ كله كلام في كلام لما البلد رايحة في خبر كان. |