CET 00:00:00 - 19/05/2009

مساحة رأي

بقلم: د. صبري فوزي جوهرة
يحتفل العالم هذا العام بالذكرى العشرين لتحطيم سور برلين الشهير الذي أقيم عام 1961 ليقسم عاصمة ألمانيا قبل نهاية الحرب العالمية الثانية إلى شطرين, شرقي يخضع لحكومة ألمانيا الشرقية التابعة بدورها للإتحاد السوفيتي (الذى نفق أيضًا عام 1991), وغربي تحكم قطاعاته الثلاث الأخرى الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة وفرنسا، كان الغرض من بناء هذا السورالبغيض هو احتجاز ضحايا الحكم الشيوعي الرازحين خلف الستار الحديدي ومنعهم من الفكاك إلى الغرب حيث كانت لهم فرص العيش في حرية مُنعوا من كافة أشكالها تحت الطغيان الشيوعي الذي امتد إلى شرق ووسط أوروبا بعد هزيمة ألمانيا النازية، وقد ينخدع المتابع لهذا التاريخ بسرعة وسهولة انهيار هذا الصرح الشرير ويبدو له أن الإنهيار جاء مفاجئًا و سريعًا بينما واقع الأمر يشير إلى ما هو مخالف، فلم يكف المئات من المتطلعين للحرية بالمغامرة بالهروب من الشرق إلى الغرب متبعين كافة الوسائل الشاقة مثل حفر الأنفاق إلى الغرب رغم المراقبة الشديدة من جانب السلطات الشيوعية والأوامر الواضحة بقتل من يضبط في محاولات الفرار، إلا أن هذه المحاولات البطولية وإن مثلت الشعور العام المتطلع إلى الحرية إلا أنها كانت جهود فردية نجح بعضها وأخفق البعض الآخر منها أمام طغيان الدولة الشيوعية، إلى أن جاء اليوم الذي تجمع فيه المحتجزين خلف الجدار وأعملوا فيه مطارقهم وعتلاتهم بتلقائية شعورهم بالرغبة في التحرر, فانهار المانع البغيض وتدفق السجناء نحو الغرب مؤكدين أن التضافر والتعاون ضد قوى الاستبداد والطغيان والوقوف في وجهها هي السبيل الفعال لإزالة الشر.
وهنا يجب ألا تفوتنا حقيقة مذهلة أخرى وهي أن الحائط المنيع قد سقط دون إطلاق عيار ناري واحد: قوة الشعب الواعي المؤمن بحقه لا يضارعها تجبّر أشد الطغاة وأعنفهم، وفي مدى عامين من الزمان وهي أسرع من طرفة العين في حساب الشعوب, امتد الانهيار إلى "أم القيح" وتهاوى ما كان يدعى بالإتحاد السوفيتي ليصبح ذكرى مؤلمة لزمن عانت منه و خلاله البشرية.

الشعور بالانطلاق إلى عالم الحرية إحساس عميق يصعب وصفه فيه الامل والسعادة والرجاء.
اجتاحتني هذه المشاعر يوم العاشر من أكتوبر عام 1968 عندما أقلعت بي الطائرة من مصر جمال عبد الناصر المنتقصة بغزو سيناء متجهة إلى ما كنت أعلم أنه المهجر بعد أن انتهى تكليفي بالجيش أثناء هزيمة الخامس من يونيو في العام السابق.
ولى تصور لعله يكون ساذجًا لحتمية هذه الأحداث... يولد الإنسان بوعد أن يكون حرًا، وإن جابه ما يمنع عنه هذا الحق فليس أمامه سوى المقاومة أو الرضوخ، في المقاومة الجهاد الشاق والتضحيات الجسيمة وفي الرضوخ الموت بكتم الأنفاس.
الطغيان سد يحول دون ممارسة الإنسان لحقه الإلهي في أن يكون حر الفكر والإرادة ويباشر حياته في مجتمع يسوده العدل، لا حرية بلا عدل ولا عدل بلا حرية، ويؤدى تعاظم ضغط الحرمان من العدل والحرية خلف هذا السد يجعل انهياره أمر محتم.

دروس أخرى نستوعبها من هذه الذكرى العشرينية لسقوط حائط برلين:
1. لا مستقبل في عالم اليوم للطغاة (هذه نصيحة أسديها للمشير عمر البشير ومؤيديه والمتمثلين بأعماله البشعة).
2. لا مكان في عالم اليوم للأيدولوجيات الشمولية سياسية كانت أم دينية، بل إنه لم يكن لهذه الأفكار الشريرة نجاحًا إلى أدنى مدى في تاريخ الإنسان على امتداده، إنما جميعها لم تجلب على البشر سوى المعاناة والتأخر والإنحدار والخراب، النازية والفاشية والشيوعية وما يستجد من أمثال هذه الأفكار المخربة تنتهي بالإنتحار، من منا يستطيع أن يذكر لحظة واحدة في تاريخ الإنسان حكم فيها شخص أو عقيدة أهل هذا الكوكب جميعًا؟.
3. الوعد بالسيطرة على العالم جهل مطبق أو خدعة دنيئة تقود بها القلة الشريرة جحافل الجهلاء والمخدوعين إلى المزيد من الشقاء والعناء لهم وللكثيرين من الضحايا الأبرياء الذين يعلمون باستحالة هذا الهراء، حذار إذاً ممن يحرضون الأغبياء والمتخلفين على العمل ليصبح العالم بأسره قطيعًا واحدًا من الأغنام يأتمر بما يأمرون ويمارس ما يستعذبون، وبالتالي فإن أي فكر من هذا القبيل لا يمكن أن يصدر عن إنسان عاقل ناهيك عن إله عليم قدير.
4. في التطلع إلى العدالة والحرية قوة هائلة لمن يعيها تستطيع أن تهزم أعتى حصون الطغيان وتحقق التقدم والرفاهية والسلام، بل أن نهاية الطغاة لا تكون إلا على أيدى من يتحدون تجبّرهم.
5. الوقوف أمام الشر والطغيان لا يعني ولا يتطلب العنف أو العدوان بل الإيمان المطلق والإصرار الراسخ على تحقيق العدالة والحرية المسئولة التي لا تتعدى حقوق و حريات الغير.

لنرجو المزيد من سقوط أسوار السجون التي تحتوي الأبرياء والمتطلعين إلى الحرية والعدالة، ولا شك عندي أنه "حيحصل" ربما بأسرع مما نظن: تذكروا حائط برلين...

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٢ صوت عدد التعليقات: ٢ تعليق