بقلم/د.محمد مسلم الحسيني - بروكسل إغتصاب أراضي الآخرين ومصادرة أملاكهم وسلب حقوقهم وظلمهم والإعتداء عليهم هي ظواهر سجلها تاريخ البشرية منذ نشوء الحيوان الناطق وأصبحت وصفًا مميزًا لإنسان ما قبل الحضارة، وستصبح هذه الظواهر أسطورة تتحدث وتقرأ عنها الأجيال المتطورة وتهزأ بها وتستنكرها وتعتبرها مرحلة تاريخية من مراحل تطور الإنسان وصيرورته. إلاّ أن المتابع لحركة التطور والزمن يجد أن الزمن لا يتحرك في منطقة الشرق الأوسط وأن سكان هذه المنطقة لا يزالون يعيشون في مرحلة ما قبل الحضارة!، ففي الوقت الذي تنتشر فيه منظمات حقوق الإنسان وتتصاعد فيه الأصوات المنادية بالحرية والديمقراطية والمدنية والإنسانية، تقصف الطائرات الإسرائيلية المدنيين العزل وتحرم شعبًا أعزل من كل مقومات العيش الكريم والرفاهية، تغتصب الحقوق وتنتهك الأعراف، تدمر البنية التحتية وتتلف الحرث والنسل أمام كاميرات الصحفيين ووسائل إعلامهم دون ردع ودون تحفظ ودون توجس أو خوف! إن كانت إسرائيل تعتمد على مظلة الحكومات الأمريكية والأوربية في حماية نفسها من الإنتقاد والمحاسبة، فإنها قد أخطأت في حساباتها السياسية هذه المرة كما أخطأت في حساباتها العسكرية عندما شنت هجومين فاشلين على كلّ من جنوب لبنان وقطاع غزة المعزول، العالم هذا اليوم هو شعوب وليس حكومات فإن صمتت الحكومات فلن تصمت الشعوب، الشعوب الغربية قد اكتشفت هذه المرّة قساوة الكيان الإسرائيلي وشراسته وهمجيته، أدركت مدى تعنته وعنجهيته وتماديه، فهمت درجة إستهانته بالأعراف الدولية وبحقوق البشر، عرفت كيف يتعامل هذا الكيان مع العزل والأبرياء فيسحقهم ويدوس كرامتهم. على إسرائيل أن تدرك بأن زمن الصمت قد ولّى وفات وأن الحكومات الصامتة سوف تنطق عاجلاً أم آجلاً خوفًا من شعوبها وإن نطقت فستنطق بشيء من الحقيقة، لكن هذه الحقيقة مرّة كالعلقم لا تجرعها إسرائيل ولا تستطيع بلعها! وهكذا خرج بعض السياسيين الأوربيين من صمتهم فوصفها أحدهم بأنها الدولة المارقة ووصفها آخر بالدولة المريضة وطالب سياسي آخر بمحاكمة إسرائيل بقضية جرائم حرب! هذا الإنتقاد الأوربي الحاد على لسان بعض السياسيين لمنهج إسرائيل وتصرفاتها هو خطوة نحو الأمام ستتبعها خطوات... فقد فهمت أوربا وبقيادة القادة الحكماء فيها بأن الوقت قد حان والساعة قد قامت وأن على إسرائيل أن تنتبه إلى حركة الزمن وأن العالم يسير في منطقة الحضارة وليس خلفها، وهكذا يتوقع المحلل السياسي بأن ضغوطًا قوية "خارجية وداخلية" ستسلط على الكيان الإسرائيلي وحكومته الجديدة من أجل دفعه إلى المفاوضات المجمدة منذ حين وستكون الحكومة الإسرائيلية التي يحمل أركانها المتطرفون أمام الخيارات الصعبة التي لا تسمح للمماطلة والتسويف، بين هذه الضغوط المسلطة والتي ستسلط على الإسرائيليين نذكر ما يلي: 1- فشل إسرائيل في تحقيق نصر حقيقي في كلّ من جنوب لبنان وقطاع غزة هو إشارة الى أن أسطورة التفوق العسكري الإسرائيلي الذي كان أساسًا في انتصاراتها العسكرية على العرب صارت في خبر كان وأخواتها اليوم، فقد أدركت إسرائيل بأنها غير قادرة على زحزحة القوى الشعبية المتفانية عن مكانها وأن سلاحها عاجز عن إحراز النصر أمام هذه القوى المتصاعدة، فما عليها إلاّ ان تؤمن بالأمر الواقع وتمد يد السلام بعد أن قطعت يد الحرب. 2- أصبحت إسرائيل كشاة سوداء في قطيع أبيض، فقد كشفت عن وجهها القبيح في وضح النهار في عالم لا يرضى إلاّ بالجمال في هذا اليوم... لامها على شراستها ونهجها أقرب أصدقائها وأنتقدها أخلص محبيها، فما لها إلاّ أن تسلك طريق إرادة شعوب العالم وتأخذ العبرة من أخطائها وأخطاء الآخرين، التطرف والعنجهية والإستهتار لا تخلق المعجزات، فقد فشل السياسيون المتطرفون في الإدارة الأمريكية السابقة نتيجة لوضاعة أفعالهم وشراسة أعمالهم، فقد ورطوا شعوبهم في محن لا يعرفون طريق الخلاص منها، حتى أعتبر رئيس أمريكا السابق جورج دبليو بوش أسوأ رئيس أمريكي في تاريخ الإنتخابات الأمريكية! باراك أوباما لا يمكن أن يسلك نفس الطريق الذي سلكه سلفه بوش، لأن الأخطاء جسيمة والمصيبة عظيمة وترميم ما دمره بوش يتطلب الجهود والوقت والحكمة، نظرة أوباما للأمور ستكون مختلفة عن نظرة سلفه والتعامل مع الأمور سيكون مختلف أيضًا وما عليه، أن هو جاد في مشروعه، إلاّ السعي الحثيث في معالجة الصراع العربي - الإسرائيلي بجدية وثبات، فكل مصائب العالم تخرج من أرض فلسطين! وأمريكا أن أرادت حل مشكلاتها العويصة فما عليها إلاّ أن تبحث عن الجذور. 3- مسألة السلم في الشرق الأوسط هي هدف العالم بأسره وليست قضية خاصة تخص شعب من الشعوب دون غيره، لأن مشكلات العالم جذورها في فلسطين وتأثيرات النزاع العربي - الإسرائيلي على حياة شعوب العالم ملموسة بشكل مباشر أو غير مباشر، إحتواء الصراع السياسي والعسكري بين العرب وإسرائيل يعني رفاه العالم بطريقة أو بأخرى، فحل المشكلات العالقة بالشكل العادل والصحيح وحسبما قررته الشرعية الدولية وقرارات الأمم المتحدة يعني: تلاشي الإرهاب واختفاء أسبابه، إزدهار الإقتصاد في منطقة الشرق الأوسط وهذا ما سيؤثر إيجابًا على نشاط الإقتصاد العالمي ويخفف حدّة الكساد نسبيًا، تحسن الأمن والإستقرار في سائر بقاع العالم، إنخفاض حدة النعرات الدينية والطائفية والعنصرية بين الشعوب واستبعاد أسطورة صراع الحضارات، زوال أسباب الحروب ودواعيها في منطقة الشرق الأوسط وهذا يعني رفاه المنطقة حيث ستتجه الدول المعنية إلى إنفاق الأموال على حاجات الشعوب ومتطلبات عيشها بدل أن تنفق على الذخيرة والسلاح، ستكون إسرائيل نفسها أول المستفيدين من السلم والأمان أن عمّ بشكل حقيقي في المنطقة، إذًا السلم هو حاجة إسرائيلية قبل أن تكون حاجة العالم كلّه فهل سيدرك الإسرائيليون ذلك؟ أم أن التعصب الأعمى يعمي القلوب والألباب وإلى يوم يبعثون....! بقاء إسرائيل في مكانها وعدم اكتراثها بحركة الزمن وبالتطورات الإنسانية وبمتطلبات العيش في العالم المتحضر يعني تحولها إلى جسم غريب في جسد هذا العالم الحي المتطور وهذا سيؤدي إلى شرنقتها حول نفسها وعزلها، فهل ستدرك إسرائيل ومن هو خلفها هذه الحقيقة، وهل ستعلم بأن الساعة قد حانت قبل أن يفوت الأوان..!؟. |
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع |
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا |
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا |
تقييم الموضوع: | الأصوات المشاركة فى التقييم: ٠ صوت | عدد التعليقات: ٢ تعليق |