لا أقصد هنا أبدا التمييز الديني أو العرقي أو الجنسوي ولا التمييز الإيجابي، لأن المساواة والعدالة مع تعليم عقلاني جيد كفيلة بإنهاء أي نوع من هكذا تمييز. ولكن ما نراه من إقصاء الشريحة الاجتماعية الأكثر عددا لأسباب اقتصادية أو لدواعي بعض العادات والتقاليد لهو أخطر كثيرا مما ينشغل به البعض من الحديث عما يدعيه من تمييز ديني أو ضد المرأة الذي هو نفسه عَرَض عن مرض يتمثل في ضعف مؤسسات الدولة المصرية مما جعلها غير قادرة علي حماية المواطن، مما يدفع به إلي الاحتماء بطريقة دينية أو بالمسجد أو بالكنيسة القريبين منه، أو بالجماعة الدينية أو بالقبيلة مما يؤدي بهذا المواطن أو ذاك، إلي الاستقواء بما هو ديني أو عرقي أو فئوي علي حساب ما هو إنساني وعقلاني ووطني. وقد أدي هذا إلي دخول بعض المتاجرين بالدين سواء من رجاله أو من بعض المنظمات التي تصطاد في الماء العكر، علي الخط في هذا المأزق الحادث بين المواطن والمؤسسة العاجزة.
كما أن الحديث عن تمييز ديني أو جنسوي، فيه شغل للرأي العام بهذه المشكلات العابرة وفيه صرف الانتباه عن الإقصاء المجتمعي الذي تعاني منه الأكثرية في التعليم والصحة والسكن والوظائف والنوادي وأماكن الترفيه والتصييف.. وهذا الفرز والإقصاء يرعاه ما النظام الحاكم الذي أضعف الدولة المصرية مما جعله يهدد السلام الاجتماعي، بسبب خلق منظومتين: قلة مستعلية «بسبب فائض أموال الفساد» تتلقي تعليما وتنال علاجا خاصين وتسكن مناطق ما أشبهها بالجيتو، مما يعزلها كلية عن مجتمعها، وسوف تدفع ثمنه باهظا. في حين أن الأكثرية الكاسحة: تترهل. تضعف. تموت ببطء. تتربص اللحظة للانقضاض. تعاني كبتا جنسيا يجعل المرأة والرجل يمارسان عنفا. تري في الدين الخلاص. تبيع أصواتها الانتخابية بسبب عوزها..
وهناك أنواع أخري من التمييز، مثل هذه الفئوية المقيتة التي أنشأت نوادي اجتماعية أو مهنية تنتمي في مجملها إلي الطبقة الوسطي التي أصابها العطب، ولا يسمح للدخول فيها إلا لأبناء المهنة أو السلك أو الأعضاء، وهو ما لا نراه إلا في المجتمعات المترهلة التي يبحث أفرادها عن شيء ما للاستقواء به، لأنها تفتقد الثقة في الذات. ومن التمييز والإقصاء اشتراط بعض الأماكن مبلغا معينا كحد أدني لاستهلاك الفرد، وكذلك تحريم شواطئ معينة علي كثير من المواطنين. وثمة تمييز مرده إلي عقدتي الخواجة والبرجوازية الصغيرة التي ما زالت تعشش في أمخاخ بعض المسئولين. خذ مثلا علي ذلك أنه ممنوع دخول المسرح الكبير في الأوبرا علي مصري يلبس قميصا (جلابية) وهو لباس ما لا يقل عن 50% من المصريين، أو محب للموسيقي لا يرتدي جاكت وكرافت، تخيلوا كرافت في مناخ حار!! مع العلم أن دور الأوبرا في العالم لم تعد تشترط زيا معينا منذ سنوات طويلة.
نقلا عن جريدة البديل |