بقلم: مجدي ملاك
قرار المحكمة بتأجيل قضية العائدين للمسيحية له العديد من المؤشرات غير الصحية على الإطلاق، كما أنه يفتقد لسبب واضح للتأجيل غير العرقلة وجعل العائدين يصلون لمرحلة من اليأس المعنوي يفقدهم فيها توازنهم، والمعروف أن هذا التأجيل ليس الأول من المحكمة وهو ما يعني أن هناك أشياء غير مفهومة على الرغم من وضوح القضية، وأغلب الظن أن المحكمة تراعي توازنات الإسلاميين أكثر من مراعتها للدستور وحرية العقيدة التي نَص عليها داخل الدستور، فليس من المعقول أن تخضع الأحكام للتوازنات وليس للقانون والحق الذي يفرضه الدستور، ودعونا ندرس ثلاثة احتمالات لما يمكن أن ينتج عنه هذا التأجيل المستمر لتلك القضة شديدة الحساسية والتي ربما ستحسم العديد من الأمور ليس الآن فقط ولكن في المستقبل:
* الإحتمال الأول:
أن تحكم المحكمة بأحقية هؤلاء في الرجوع للمسيحية وإلزام وزارة الداخلية بإصدار بطاقة شخصية لهم، وهو أمر بالطبع جيد، ولكن يجب أن لا ننسى أن البطاقة وحسب ما صرح به العديد من المسئولين سيكون مكتوب عليها عبارة "مسلم سابقًا"، وفي الحقيقة لدي تعجب شديد من إصرار الدولة على التعامل مع المواطنين خاصة الأقباط منهم، وكأنهم رعايا وليس مواطنين حقيقيين يتمتعون بكافة حقوقهم وواجباتهم كما هو منصوص عليها في الدستور، فعبارة مثل تلك العبارة تعني بكل وضوح أن المحكمة لا تريد أن تنهي تلك القضية، بل أنها تريد أن تنهي على أصحاب تلك القضية بشكل ليس فيه أي لبس على الاطلاق، وبحيث سوف يعاني العائد للمسيحية من اضطهاد موجه من قبل الدولة لكل أصحاب الأعمال الذين سيرفضون بكل تأكيد توظيفهم في أي وظيفة تناسب كفاءتهم، هذا بالإضافة إلى المشاكل الإجتماعية الأخرى المرتبطة بالزواج وغيرها من الأمور، وبالتالي فهذه العبارة ستحول حياة هؤلاء إلى نوع من الجحيم وبالتالي فهو يعتبر حكم جيد ولكن يجب أن يتبعه إجراءات أخرى تزيل تلك العبارة من على البطاقة الشخصية، فلا توجد دولة في العالم تفعل هذا الأمر، كما أنه ضد كل المواثيق الدولية التي وقّعت عليها مصر لأن تلك العبارة تجعل هؤلاء في حكم المميزين، والدستور نص على عدم التمييز بين المواطنين بسب اللون أو الجنس أو الدين أو العرق، وبالتالي نحن أمام معضلة دستورية ومعضلة حقوقية دولية.
* الإحتمال الثاني:
أن ترفض المحكمة أن تعطي العائدين للمسيحية هذا الحق، ومن ثم أطلق على هذا الحكم في هذه الحالة حكم بإزدواج الشخصة، فالدولة ترغب أن تظل مجموعة من الأفراد مسلمة بالاسم في حين تتجاهل الإيمان الحقيقي للفرد، وبالتالي سيخلق هذا الحكم نوع من الإزدواجية داخل الفرد أولاً الذي سيكون عليه أن يظهر كمسلم في الأوراق وكمسيحي في التعاملات والممارسات الروحية، وربما يلجأ الكثير منهم إلى التزوير من أجل التخلص من تلك المعضلة التي ورطتهم فيها الدولة المصرية، هذا بالإضافة إلى أن الحياة الإجتماعية لهؤلا الأفراد ستكون قد انتهت تقريبًا، لأن إيمانهم الداخلي سيمنعهم من الزواج بمسلمة كما أنه لا يوجد أية إنسانة سوف تقبل أن ترتبط بأي منهم وكل أوراقه الرسمية مذكور فيها ديانته المسلمة، إذًا عدم صدور الحكم أيضًا سيخلق حالة من الإزدواجية الإجتماعية والسلوكية عند هؤلاء الأفراد، بالإضافة أن هذا الحكم ربما يدفعهم إلى اللجوء الديني، وهو ما سيعرض الدولة المصرية لإحراج كبير أمام العالم الذي سوف يكون أمامه نوع غريب من القضايا الحقوقية التي تسببت فيها الدولة المصرية، ومن ثم ستؤثر تلك القضية بشكل كبير على سمعة مصر التي تعاني من الضرر أصلاً بسبب ممارسات الدولة في مختلف المجالات.
* الإحتمال الثالث:
أن تقوم الدولة بمزيد من التأجيل لتلك القضية من أجل المماطلة ومحاولة لفت الأنظار عنها تمهيدًا لإصدار حكم لا نعرفه، ولكن أيضًا قضية التأجيل تعني استمرار معاناة أصحاب القضية لمزيد من الوقت وتوقف حياتهم في مختلف الأمور، ومن ثم إحداث نوع من اليأس المبرر الذي ربما يتسرب لنفوس هؤلاء.
الدولة المصرية عليها أن تعرف وتعلم أن هؤلاء مواطنين مصريين وليسوا عملاء أو جواسيس، ذلك لأن تعامل الدولة بهذه الطريقة مع قضية استقر عليها العالم أجمع باستثناء مصر والدول العربية يعني أن تلك الدولة ما زالت تعيش في الغيبوبة وأنها تريد من يقوم بإيقاظها من تلك الغيوبة التي تفقد المواطنين حقوقهم المشروعة والطبيعية.
أعتقد إذا لم تنجح الدولة المصرية في هذا الإختبار ليصدر حكم تاريخي لهؤلاء لتكون سابقة ليس فقط في الحكم ولكن في الإجراءات التي تتبع هذا الحكم وإلغاء عبارة "مسلم سابقًا"، ستتعرض الدولة المصرية والنظام المصري لانتقادات عنيفة من جانب المجتمع الدولي بأسره الذي له مطالبات عديدة في هذا الشأن، وسيكون موقف النظام أصعب من ذي قبل، كما أنه إذا لم يصدر هذا الحكم ستقوى شوكة الإسلاميين داخل البلاد وستصبح كل الدراسات التي حذرت من إمكانية أن يحكم الإخوان المسلمين مصر ستكون قريبة التحقيق، فهل تستطيع الدولة المصرية أن تدرك هذا الخطر أم انها تنتظر وقوعه حتى تلتفت لتلك القضية؟!. |
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع |
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك
أنقر هنا
|
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر
أنقر هنا
|