CET 00:00:00 - 27/05/2009

مساحة رأي

بقلم: نبيل المقدس
خبر عجيب له حوالي عشرة أيام نجده في أغلب الصحف اليومية القومية منها والخاصة, تتحدث كلمات هذا الخبرعن حملة كُبرى تقوم بها جميع الجهات المسئولة بمحافظة الجيزة في تنظيف جامعة القاهرة، والغريب أن الجرائد جندت أسطول من المراسلين والمصورين يقومون بعمل ريبورتاج يومي عن الأعمال العظيمة والجبارة وكأن عملية تنظيف جامعة القاهرة خبر فريد من نوعه يفوق بناء الأهرامات الثلاثة، كما يبدو أن إدارة الجامعة سوف تقدم طلب توصية لإدخال عمليات تنظيف الجامعة من ضمن موسوعة جينيس Genes وقبولها حيث وصلت إلى رقم قياسي في عدد السنين التي لم يتم تنظيفها!!

تم افتتاح الجامعة المصرية كجامعة أهلية في 21 ديسمبر 1908م في حفل مهيب بقاعة مجلس الشورى وحضره الخديوي عباس الثاني وبعض رجالات الدولة وأعيانها، وعندما رأت الحكومة مدى الإحتياج إلى جامعة مصرية فقد تم إصدار مرسوم بقانون إنشاء الجامعة المصرية الحكومية في 11 مارس 1925 بعد الإتفاق بين الحكومة وإدارة الجامعة الأهلية علي الإندماج في جامعة واحدة وتكون كلية الآداب نواة لها.
وفي سنة 1937م تم تأسيس برج الساعة بارتفاع 40 متر, وهو يقع بجوار المبنى الرئيسي لإدارة الجامعة وتعد ثاني أقدم وأشهر ساعة على مستوى العالم بعد ساعة بيج بن وهي مشهورة بساعة جامعة القاهرة.
جامعة مثل جامعة القاهرة تنقلب الدنيا لمجرد تنطيفها، والغريب أنهم غسلوا الحوائط والمكتوب عليها ذكريات العشاق ووجدوا أسماء دُونت بتواريخ سبعينات القرن الماضي استخدموا خراطيم المياة لإزالتها (كما فعل جيشنا في حرب 1973 عندما استخدم خراطيم المياة لاختراق خط بارليف)، وما تأسفت له حقًا أن أجد صورة في جريدة يومية يظهر فيها مجموعة من العاملين منتشرين على قبة الجامعة وممسوكين بحبال بطريقة بدائية محفوفة بالخطورة وعدم الأمان لكي يقوموا بتنظيف وتلميع القبة لإستقبال باراك.

كيف تُترك الجامعة بدون نظافة طيلة عشرات السنين وهي التي تعتبر من أهم مراكز ومصادر العلم في مصر؟، ماذا يحدث لو كانت زيارة بارك لم يُعلن عنها إلاّ من وقت قصير؟، لماذا نترك الأمور حتى آخر لحظة آخذين المثل الذي تعودنا عليه دائمًا (لما يجي وقته)؟، لماذا لا تكون عمليات النظافة في جميع الأماكن الهامة مستمرة؟
يُعلمنا الإنجيل من خلال مثل عظيم قاله الرب يسوع حسب إنجيل متى (25 : 1 – 13) عن مصير غير المستعدين، وبالطبع شتان بين مجيء زائر وبين مجيء الرب يسوع الذي يُقصد به المثل، أنا هنا أقتبس الفكرة لكي نطبقها علي أحوالنا الحياتية, وليس فقط في أمر تنظيف جامعة القاهرة.

وأنا أتصور أن هذا المثل الذي قاله الرب يسوع يخصنا كمصريين حيث تفشت فينا اللامبالاة وعدم الجدية حتي وصل بنا الحال أن جميع البلاوي والأحداث التي تمر بها البلاد سياسية وإقتصادية وإجتماعية هي نتيجة تأجيل تنظيف عقولنا أول بأول حتي تراكم الجهل عليها, وبدأنا نتصرف بطرق عشوائية.
نجد هنا في رسالة المسيح تحذيرين:
التحذير الأول ينبهنا أنه توجد أمور لا يمكن الحصول عليها في آخر فرصة, فالتلميذ الذي يؤجل استعداده للامتحان إلى آخر أسبوع في الدراسة لا يستطيع أن يحصل علي النتيجة التي يرجوها، كما لنا مثال واضح في حياتنا هنا في مصر نتيجة الإهمال الجسيم في متابعة وفحص العبّارة التي كانت سببًا في غرق الكثير, بالإضافة إلي تأجيل الضمير لأصحابها في عدم تهيئة هذه العبارة بأن تكون صالحة لمواجهة مثل تلك المواقف.

كذلك تقاعسنا كمسيحيين في عدم استخراج بطاقة الإنتخابات حتى آخر لحظة, وطبيعيًا سوف نجد الكثيرين لا يهتمون باستخراجها وتمر بهم المدة المحددة بلا فائدة, ثم نندم بعد ذلك عندما نجد أنفسنا بعاد عن المنافسة في مؤسسات الدولة ثم نُلقي اللوم على الحكومة بأنها تميل إلى العنصر الآخر، ثم نبدأ نطالب بحقوقنا.
التحذير الثاني ينبهنا أنه توجد أمور لا يمكن إقتراضها أو حتى إستعارتها من الآخرين، فلم يكن ممكنًا للعذارى الجاهلات أن يقترضن زيتًا من الحكيمات عندما اكتشفن النقص في الزيت، هكذا في العلاقة بين الإنسان والإنسان وبينه وبين الله, فالمرء لا يستطيع أن يستعير العلاقات من غيره بل عليه أن يمتلكها هو شخصيًا مثل الأخلاق وصلته بالله.
هذا المثل يعلمنا أن لا نفقد الفرص بل علينا أن نكسب الوقت وأن نستمر في العمل لكي لا نوقع أنفسنا في مواقف وخيمة نندم عليها، علينا أن ننظف قلوبنا باستمرار وأن نخرج كل النجاسات من دواخلنا, ولا نفعل مثل ما أهملوا في تنظيف جامعة القاهرة طيلة هذه السنين.

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٧ صوت عدد التعليقات: ٢٤ تعليق