بقلم / حامد الحمداني
يصادف هذا اليوم ،الثامن من آذار، العيد السنوي للمرأة ، ويجري الاحتفال بهذه المناسبة في ظل ظروف صعبة تمر بها المرأة العراقية منذ انهيار نظام صدام، وانتهاء الحقبة الفاشية التي انتهكت حقوق وحريات المرأة بشكل فض، وعادت بها القهقرة إلى ما قبل الثلاثينات من القرن الماضي، وجرى تهميش دورها في المجتمع وهي التي تمثل نصفه.
لقد أراد لها النظام الفاشي أن تقبع في البيت، والحيلولة دون مشاركتها في شؤون البلاد مما سبب أكبر إعاقة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية في البلاد فلا يمكن أن نتصور كيف تتطور أمة إذا كان نصفها في المطبخ؟
لقد أرادوها أن تكون تحت سلطة الرجل قابعة في بيتها تنجب الأطفال وتقوم بشؤون البيت وخدمة العائلة والحيلولة دون تحررها الاقتصادي المفضي بكل تأكيد إلى تحررها الاجتماعي من سيطرة الرجل والمجتمع الرجولي المتخلف، والتحكم فيها من خلال عدم فسح المجال لها للمشاركة في العمل خارج بيتها في مختلف المجالات الاقتصادية والثقافية والصحية والاجتماعية جنباً إلى جنب أسوة بأخيها الرجل.
لقد تعرضت حقوق وحريات المرأة العراقية خلال العقود الأربعة الأخيرة من حكم الطغيان والدكتاتورية إلى انتكاسة خطيرة، وفقدت خلالها معظم المكاسب التي حققتها بكفاحها، وبمساندة ودعم الفئة المثقفة الواعية والمؤمنة بالقيم الديمقراطية والعدالة والمساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات، ومن العراقيين الذين خاضوا إلى جانبها صراعاً مريرا مع قوى الظلام والجهل التي كانت تنظر إليها وكأنها سلعة للرجل يتحكم فيها كما يشاء، وحيث كانت تحرم من الذهاب إلى المدرسة ونيل قسطها من الثقافة التي تؤهلها للمشاركة مع الرجل في كافة الأعمال والتي تقودها حتماً إلى التحرر الاقتصادي من هيمنة الرجل لتقيم علاقة جديدة بينها وبين زوجها قائمة على الاحترام المتبادل والمساواة في الحقوق والواجبات.
لقد كانت لحروب صدام الكارثية، والحصار الذي فرضته الولايات المتحدة على الشعب العراقي، والذي استمر 13 عاماً تأثير سلبي خطير على المجتمع العراقي وبشكل خاص المرأة .
لقد أوصلت تلك الظروف الاقتصادية البالغة الصعوبة المجتمع العراقي إلى حالة من اليأس بعد أن عمّ الفقر والجوع والإذلال في طول البلاد وعرضها، وانهارت الطبقة المتوسطة المتنورة إلى دون مستوى الفقر، وانهارت العملة العراقية بشكل رهيب فلم تعد تلبي أبسط الحاجات المعيشية، واضطرت المرأة العاملة إلى ترك عملها بعد أن أصبح راتبها لا يفي حتى أجور النقل من بيتها إلى عملها، فلم يبقً أمامها غير الجلوس في البيت والتوجه إلى الله لإنقاذ المجتمع العراقي من تلك الحالة المعيشية الكارثية !.
وعادت المرأة إلى أيام الثلاثينات من القرن الماضي، وبات عليها وعلى الفئة المثقفة الواعية والمؤمنة بحقوق وحريات المرأة اليوم خوض الكفاح من جديد لتحرر المرأة ومساواتها بالرجل في كل الحقوق والواجبات .
أن واجبنا اليوم كمثقفين أن نقف إلى جانب المرأة بحزم، ونسخر أقلامنا وكل طاقاتنا لتحقيق هذا الهدف المنشود ولتخرج المرأة العراقية من القمقم الذي صنعته الفاشية لها لتنطلق في رحاب العمل المفضي إلى تحررها، وأني لأستذكر تلك الأيام الخوالي يوم قاد النضال من أجل تحرر المرأة في الثلاثينات والأربعينات من القرن الماضي نخبة من المثقفين والأدباء والشعراء وفي المقدمة القوى والأحزاب السياسية التقدمية، والشخصيات الوطنية العلمانية المتنورة من الأدباء والكتاب والفنانين والشعراء، وكان في المقدمة ممن حملوا راية تحرر المرأة آنذاك مجموعة الحلقات الماركسية التي قادها حسين الرحال، وجماعة الأهالي، وحزب التحرر الوطني، والحزب الشيوعي، وخاصة من خلال رابطة الدفاع عن حقوق المرأة ونشاطها الدؤوب، والحزب الوطني الديمقراطي وفي المقدمة من تلك الشخصيات القادة الوطنيون البارزون جعفر أبو التمن، وكامل الجاد رجي بالإضافة إلى شعرائنا الكبار محمد مهدي الجواهري وجميل صدقي الزهاوي ومعروف عبد الغني الرصافي، وكوكبة من المثقفين المؤمنين بحقوق المرأة ومساواتها مع الرجل وإنقاذها من عبودية المجتمع الذكوري بكل ما يعنيه من انتهاك لحقوقها وحريتها وإنسانيتها.
واستطاعت تلك الجهود، والكفاح المتواصل الذي خاضته المرأة مدعومة بهذه الكوكبة المتنورة أن تحقق طفرة كبيرة في هذا المجال، وبات ذهاب الفتيات إلى المدرسة أمر اعتيادي شأنها شأن الفتيان، وانتزعت البرقع الأسود الذي يسمونه العباءة، والحجاب الذي فرضه عليها المجتمع الرجولي، والذي يمثل بحق رمزاً لعبودية المرأة، وليس رمزاً للعفاف، واستطاعت المرأة العراقية مواصلة الدراسة الجامعية، وتخرج منها أعداد غفيرة من المعلمات والطبيبات والمهندسات والحقوقيات، واستطعن أن يشغلن وظائف في أجهزة الدولة بكل كفاءة وجدارة .
لكن حقوق وحرية المرأة العراقية أصيبت بنكسة كبرى بعد الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003، وتولي أحزاب الإسلام السياسي بشقيه الشيعي والسني زمام السلطة، وسيطرة ميليشيات هذه الأحزاب على الشارع العراقي، والتي مارست أبشع عمليات القتل والخطف والترهيب ضد المرأة بالجملة، وتعدت جرائم هذه الميليشيات المرأة المسلمة لتشمل المسيحية والصابئية والأيزيدية، وثم فرض الحجاب عليهن جميعا من جديد، وفرض على المرأة المكوث في البيت خوفاً للتعرض للقتل والاغتصاب والذبح كما تذبح الشاة!!، وكل هذا العمل الشنيع جاء باسم الدين والشريعة التي عفا عليها الزمن.
واتخذ مجلس الحكم الذي سيطرت عليه أحزاب الإسلام السياسي الشيعية والأحزاب القومية الكردية قراره البائس بإلغاء قانون الأحوال المدنية الذي شرعته حكومة الشهيد عبد الكريم قاسم، وإصدار قانون جديد أعاد حقوق المرأة إلى نقطة البداية لولا تدخل الحاكم الأمريكي بريمر، وبعد الاحتجاجات التي شهدها الشارع العراقي، والحملة التي قام بها المثقفون العراقيون عبر وسائل الأعلام، حيث قام بإلقاء القرار المذكور.
ومع ذلك جاء الدستور العراقي الذي وضعته نفس قيادات تلك الأحزاب لينتقص من حقوق وحريات المرأة من خلال التأكيد على الشريعة البالية، وتجاهل تضمين الدستور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي شرعته الأمم المتحدة، والذي أكد على حقوق المرأة، وتحررها من سلطة الرجل التعسفية.
ورغم أن دستور بريمر كان قد منح المرأة حصة ثابتة في الانتخابات بنسبة 25% ، وتم تأكيد تلك النسبة في الدستور الحالي، إلا أن هذا لا يكفي لتأمين حقوق وحرية المرأة، وقد ثبت بالملموس في الانتخابات النيابية التي جرت والتي هيمن عليها أحزاب الإسلام السياسي والحزبين القوميين الكرديين أن وجود هذا العدد من النساء في البرلمان لم يكن له سوى دور ضئيل، ولن يستطع هذا العدد من النائبات تحقيق أي انجاز في مجال حقوق وحريات المرأة، بل كن في أغلب الأحول أدوات رهن إشارة قياداتهم الحزبية قابعين في البرلمان بعباءاتهم السوداء.
إن حقوق وحرية المرأة لن يتحقق إلا عبر تحررها الاقتصادي والاجتماعي ، ومساواتها مع الرجل في الحقوق والواجبات وعلى قدم المساواة، وهذا الأمر لن يتحقق في ظل سيادة الأحزاب الدينية التي تعيش خارج العصر، وتعتبر المرأة سلعة يتصرف بها الرجل كملكية خاصة واجبها إنجاب وتربية الأطفال والخدمة المنزلية، وإشباع رغبات الرجل الجنسية.
ومن المؤسف أن القوى العلمانية والديمقراطية قد باتت مهمشة في ظل الديمقراطية التي جاءنا بها المحتلون، والتي أوصلت العراق إلى الكارثة ، وكان أكبر ضحاياها المرأة التي عادت حقوقها وحرياتها القهقرة عشرات السنين، وبات عليها أن تنفض عنها رمز العبودية، وتأخذ الأمر بيدها وتناضل من جديد لتحقيق حلمها في الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والتصدي لعبودية الرجل، وتحقيق المساواة، وليكن معلوماً أن الحقوق والحريات تؤخذ عبر النضال، ولا تعطى منة من أحد.
ليكن الثامن من آذار عيد المرأة العالمي محفزاً للمرأة العراقية للنضال، وتحدي القيود التي فرضها عليها المجتمع الرجولي، ولتعيد أمجادها يوم كانت في مقدمة الوثبات الشعبية أعوام 1948، و1952، و1956، وعام 1958، عام ثورة الرابع عشر من تموز المجيدة حيث كان لها الدور الصِدامي الشجاع والرائد في خوض النضال من أجل التحرر والديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
بورك عيدك أيتها المرأة خالقة الأجيال، والنصر والظفر لكفاحك من أجل تحقيق ما تصبين إليه. |