CET 00:00:00 - 30/05/2009

مساحة رأي

بقلم: القس سامي بشارة
هناك أناس عظماء دخلوا التاريخ من أوسع أبوابه وأثروا الفكر الإنساني بإبداعاتهم وآرائهم وأثروا في حياة الناس وتطلعاتهم فكوّنوا آمالهم وخففوا آلامهم وجعلوا الحياة في متناول أيديهم. ويذكر "فرنسيس الأسيزي" هذا المعنى ويؤكده عندما يقول "هناك أناس لم يستطيعوا أن يعيشوا في الدنيا لأنها كانت مستحيلة وهناك أناس عاشوا في الدنيا وجعلوها ممكنة" وهناك أيضًا أناس بثّوا عُقَدهم وسمومهم وخبراتهم الشريرة وحياتهم الأشر ليجعلوا ويكسبوا لهم أتباع أشد شرًا فالحياة مليئة بهذا وذاك.
فمن فوق أسوار المستحيل يعبر الممكن ومن بين جذور الألم ينبت جنين الأمل ومن بين مخالب اليأس تنمو بذور الرجاء، فالحياة مليئة بدروس الفشل والنجاح والإخفاق والكفاح. ولكن لم يتوقف التاريخ أمام شخص فريد وشخصية متفردة إلا مرة واحدة لينهي دورة ويبدأ من جديد دورة أخرى ولم تعرف البشرية خبر سار ولم ترى خبرة مسرة إلا عندما جاء يسوع، ولم يتوقف العظماء ليرفعوا قبعاتهم ويفتحوا كنوزهم ويخروا سُجَدّا ركوع إلا حينما وُلد يسوع ولم تتبع الجموع إلا معلم واحد عمل وعلّم عندما قدم موعظة الجبل وطوّب المساكين بالروح والحزانى والودعاء والجياع والعطاش إلى البر والرحماء وأنقياء القلب وصانعي السلام والمطرودين من أجل اسمه.

ولم تتغير حياة الملايين أمام بطل في قصة الحياة إلا عندما قبلوا يسوع مخلصًا شخصيًا لهم وقد غلب الخطية وهزم إبليس وانتصر على الموت ودعيَّ اسمه يسوع لأنه يخلص شعبه من خطاياهم، ويقدم نموذج حياتي عملي لما ينبغي أن يحيا وأن يعيش وأن يسلك وأن يتكلم أدم الأخير الإنسان المخلوق على صورة الله في البر وقداسة الحق، الذي بدأ العهد الجديد عهد النعمة والبر الذي بالإيمان وكمّل ناموس الأعمال وتمّم في جسده ذبيحة الإثم والخطية وصار كفارة لخطايا العالم أجمع.
نجح عندما فشل أدم الأول الترابي وقام بعدما سقط أبو البشر بغواية حواء وشكاية إبليس الخبيث وعاش لما مات عن ذاته وتمجد لما أخلىَ نفسه وتوُّج بالكرامة عندما حمل العار وجلس عن يمين العظمة لما ارتضى إكليل الشوك وأطاع الآب بعدما عصى أدم وحواء وصية الرب وأنبت الخير من شر جسد الأرض بعدما ضُربت بلعنة الحسك والشوك.
يسوع بطل لأنه عاش على الأرض بمبادئ السماء ونقل السماء إلى الأرض وأتى بالملكوت إلى أرض السكوت والفناء. "لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل مَن يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية" (يوحنا 3: 16).  

1-يسوع هزم الأعداء:
لقد عاش السيد المسيح قرابة ثلاثون عامًا عاملاً ومُتممًا كل أمر ليهزم الخطية وأكمل كل متطلبات الناموس وفرائضه كيهودي حتى هزم الخطية، إذ لم يكن فيه خطية ولا في روحه غش لكن رسم يذلك طريق الاجتهاد ضد الخطية ولم تتعلق نفسه بالعالم ولا الأشياء التي في العالم وبذلك يكون أول إنسان يهزم الخطية واستطاع أن يقول من منكم يبكتني على خطية بعدما أوضح ليوحنا المعمدان أنه ينبغي أن نكمل كل بر. وهنا أول الأعداء وقد جاء إنسان أمكنه أن يهزم الخطية ومن ثم يأتي ثاني الأعداء أي الشيطان، إذ هزمه بالنقاط قرابة 33 سنة وبخاصة على جبل التجربة بعدما ثلاث مرات أن يغريه ولكن بلا جدوى إلى أن هزمه بالضربة القاضية على جبل الجلجثة عندما مات بدلاً عن جميع الخطاة وهو بلا خطية وقال: رأيت الشيطان ساقطًا كالبرق من السماء عندما جرد الرياسات والسلاطين وأشهرهم جهارًا ظافرًا بهم في الصليب. ثم جاء دور العدو الثالث والعنيد الذي يهزم كل البشر والذي جاء نتيجة فساد الطبيعة البشرية إذ عصت وعاث فيها المشتكي فسادًا ألا وهو الموت، إذ مات يسوع ككل البشر ولكنه الوحيد الذي قام وأقامنا معه إذ أمات بالموت ذاك الذي له سلطان الموت ونقض أوجاعه وقال أين شوكتك يا موت وأين غلبتك يا هاوية. كثيرون ماتوا وقاموا والأكثرين أقامهم يسوع لكنهم ماتوا ثانية، لكن يسوع أقامه الله وهو حي إلى الأبد ليشفع في المخلصين الذين يقبلونه ربًا وفاديًا ومحررًا ومخلصًا شخصيًا به يهزمون الطبيعة القديمة ويهزمون إبليس ولا يخافون من الموت إذ ليس بعد موت بل انتقال من الحياة في الأرض التي هي نفاية إلى الحياة التي هي ربح مع المسيح ذاك أفضل جدًا. لذا فأن يسوع الفريد يبقى وحده البطل الحقيقي إذ هزم أشر وألد الأعداء للإنسان وللإنسانية جمعاء. 

2-يسوع بطل الفداء:
هوذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم (يوحنا 1: 29) وقد تمم كل نبوات العهد القديم بدأ من وعد التكوين في عدن "نسل المرأة يسحق رأس الحية" تكوين 3 :15) إلى ملاخي "ولكم أيها المتقون اسمي تشرق شمس البر والشفاء في أجنحتها (ملاخي 4: 2 -5) ها أنذا أرسل لكم إيليا النبي (يوحنا المعمدان بحسب لوقا 1:17) و (متى 11 :14) قبل مجيء يوم الرب اليوم العظيم والمخوف.
فيسوع أعظم من الملائكة أيضًا بحسب العبرانيين (1 :1-4) الله بعدما كلّم الآباء بالأنبياء قديمًا بأنواع وطرق كثيرة كلمنا في هذه الأيام الأخيرة في ابنه الذي جعله وارثًا لكل شيء... صائرًا أعظم من الملائكة بمقدار ما ورث اسمًا أفضل منهم" ويسوع هو الذبيحة الواحدة والأبدية لأنه بقربان واحد قد أكمل إلى الأبد المقدسين (عب 10 :14) إذ دخل مرة واحدة إلى قدس الأقداس فوجد فداءًا أبديًا.

لقد كان الكبش فداء عن اسحق وإن كانت الأسرة تُفتدىَ بحمل عندما يمر الملاك المهلك وحمل رئيس الكهنة عن نفسه وعن الأمة لكن يسوع حمل الله عن العالم كله إذ أخلىَ نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب. وهذا الفداء أبدي في ديمومته فهو فداءًا أبديًا ووسيلة قبوله بالإيمان فبدون إيمان لا يمكن إرضاء الله فليس من أعمال لكي لا يفتخر أحد فبالنعمة نحن مخلصون بالإيمان (أفسس 2: 1-10) فالنعمة أعظم من كل شيء حتى الإيمان والمحبة أعظم من الرجاء والإيمان فيا لعمق وغنى وفيض النعمة وما أروع الحياة بالإيمان.
ويسوع بطل الفداء الأعظم إذ الجميع من هابيل إلى المعمدان قدموا أشياء أو ذبائح أما يسوع فهو بطل الفداء إذ قدم نفسه، وما أعظم وما أغلى التضحية بالنفس ليس على الطريقة الحماسية الانتحارية وما أثمن وما أغلى من حياة السيد المسيح ابن العلي القدوس المولود من المنعم عليها العذراء البتول.
عندما مات يسوع افتدانا من عبودية الخطية ومن عبودية الناموس ومن عبودية إبليس وافتدانا من الظلمة إلى نوره العجيب، وعلى الصليب مات كبطل بريء وقبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة نكس الرأس ليستريح ويسند رأسه لأنه قد أكمل أعظم قصة حب بين الله والإنسان قصة الحب العجيب. "وهذه هي الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك ويسوع المسيح الذي أرسلته" (يوحنا 17: 3).

3-يسوع حل السماء:
إن مشكلة الإنسان هي الخطية والحل الوحيد لهذه المشكلة هو دم المسيح فالماء يطهر الجسد والذبيحة ربما تريح النفس، ولكن ماذا يفيد الروح التي تلوثت وتلطخت وشردت في براري النجاسة والشر لا يوجد غير الدم، كما من حمل بلا عيب وحده الدم يطهر الجسد فيصير هيكل للروح القدس ووحده الدم يغسل النفس فتتواصل مع قداسة الله ووحده الدم يشفي الروح يعتقها ويطلقها لتسبح في فلك السماء، بعدما عجزت الأرض أن تصعد إلى العلاء نزل السماء إلى الأرض وبعدما سقط أدم قام يسوع وبعدما رسب الناموس بكل مواده وملاحقه نجح يسوع بنعمته وملحقاتها من إيمان ورجاء ومحبة.

فشلت الذبائح الحيوانية والبشرية كما للإله مولك قدم يسوع نفسه ليس عن اضطرار بل عن حب إذ أحب خاصته الذين في العالم أحبهم إلى المنتهى، وحل يسوع ليس ككل الحلول الوقتية والمؤقتة بل حل أبدي لأنه صنع في السماء، فكل الحلول البشرية صنعت في الصين لكن يسوع قدم حل غير بشري أزلي أبدي فهو حمل الله.
كل الحلول مسكنات ومهدئات أما يسوع فعالج الخطية من جذورها، فهو الطبيب الشافي وشفاء يسوع تام والكيد وشامل يشفي الجسد والنفس والروح فهو مضاد حيوي ضد الخطية وترياق ضد الشر وبلسم ضد الموت، فالمسيح خير دواء لأعظم داء لأنه طبيب الأطباء والمجروح الشافي والمعلم تلميذ الآب وأستاذ الحكماء.

ولكي يكون المسيح حلاً عمليًا ممكنًا للإنسان لابد من معونة روح الله القدوس روح القوة والفهم والإعلان والمعرفة الذي عاد ليمكث معنا معزيًا آخر وأخير فليس بعد يسوع حل أو طريق أو حق أو حياة حتى لا نكون بعد يتامى وليتمم إرسالية السيد المسيح التي أوكلنا بها أن نذهب إلى العالم أجمع ونكرز بالإنجيل للخليقة كلها بقيادة ومعونة الروح القدس ليس على طريقة السيف أو باستخدام العنف أو الاحتلال بل بالحب كما كان المسيح المحب الأعظم، فعندما قدم الإنجليز إلى الهند يحملون أعلامهم المدججة بعلامة الصليب وخرج إليهم غاندي مقاومًا سلميًا قائلاً لهم" خذوا مسيحيتكم وأعطوني مسيحكم فأن مسيحيتكم تقتل وتدمر وتحتل وتعتدي أما مسيحكم فكان لا يصيح ولا يرفع ولا يسمع أحد في الشارع صوته قصبة مرضوضة لا يقصف وفتيله خامدة لا يطفئ إلى الأمان يخرج الحق" (أشعياء 42: 2-3)، وديع ومتواضع القلب مملوء نعمة وحقًا، "وأما كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطاناً أن يصيروا أولاد الله أي المؤمنون باسمه" (يوحنا 1: 12).

ما أحوجنا إلى المسيح وما أحوجنا إلى روح الله حتى نعمل أعمال الله وحتى نهزم أنفسنا بكل سطوتها وأنانيتها، وحتى نفتدي الوقت لأن الأيام شريرة وحتى لا نضيع الوقت في حلول بشرية عقيمة ونأتي تائبين معترفين بخطايانا ونقبل حل السماء يسوع البطل الحقيقي في قصة الحياة "لانكم بالنعمة مخلصون بالإيمان وذلك ليس منكم هو عطية الله... لأننا نحن عمله مخلوقين في المسيح يسوع لأعمال صالحة قد سبق الله فأعدّها لكي نسلك فيها" (أفسس 2: 8 و 10).

ماجستير الدراسات اللاهوتية
samy6868@yahoo.com

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٠ صوت عدد التعليقات: ٢ تعليق