CET 00:00:00 - 30/05/2009

مساحة رأي

بقلم: د. عاطف نوار
كما أن للمواطن حقوق يطالب بها أيضًا عليه واجبات يلتزمها، والمواطن شريك في وطنه فمن واجبه أن يشارك في الأحداث التي تمر بوطنه تنفيذًا لوصية الكتاب المقدس الإلهي "فرحًا مع الفرحين وبكاءً مع الباكين" (رو 12 : 15)، من هنا أيها الأحباء نشاطر قائد مواطنتنا الرئيس مبارك الأحزان، فبالأصالة عن نفسى ونيابة عن سائر إخواني الأقباط في المهجر مسلمين ومسيحيين نقدم التعزية القلبية لسيادته في مصابه الجلل بوفاة حفيد فخامته، ندعو الله عز وجل أن يتغمد الفقيد بواسع رحمته مُنعمًا عليه بالسُكنى مع الأبرار والصديقين مُلهمًا سائر أفراد الأسرة الصبر والسلوان.

عودة إلى أعمدة المواطنة.. فقد وضعت حرية العقيدة والمواطنه تحت مجهر الفكر المستنير فشاهدت أن حرية الإعتقاد جزء أساسي في تركيب المواطنة، فالمواطنة هي تعايش كل فئات الشعب معًا يتفقون فى شيء واحد هو صالح الوطن يتحدون فيه ويتجمعون حوله حيث يعم الخير على الجميع ويعم الضرر أيضًا على الجميع، يحكم الجميع دستور واحد يعدل ولا يفرق، وأي تقصير من أحد تجاه الوطن يحاسبه الوطن.... أما فيما يتعلق بدين كل أحد فهو يدخل في دائرة مغلقة على صاحبها هي حرية العقيدة، فأى تقصير في تعاليم الدين فإن العقاب يكون من رب الأديان وليس من أحد آخر مهما علا قدره وارتفعت مكانته وارتقى مركزه.. فكانت نتيجة هذه المشاهدة هي قانون المواطنة المصري الرصين أن الدين لله والوطن للجميع.

ولكن.. فكر مظلم ألقى بظلمته منذ فترة وتفشى فأصبح واقعًا أسودًا أليمًا مزق المواطنة الرصينة وألقى حرية المعتقد في الأرض دفينة.. هذا الفكر صدّره عملاء الإرهاب إلى أرض الكنانة ليفتتوا شعبها ويحرقوه في سعير الفتنة... هؤلاء العملاء سعوا للوقيعة بين فئات الشعب فأصابوا الأمة في مقتل، أشاعوا فكرًا ملوثًا محوره أنه لا مواطنة لغير المسلم ولا حرية معتقد إلا للمسلم.

كيف كان هذا وما الذي حدث؟
بدأت هذه الحقبة السوداء حين دعا الإرهاب إلى حرق ممتلكات المسيحيين وكنائسهم واغتصاب بناتهم وإجبارهن تغيير ديانتهن عنوة وغيرها وغيرها من الجرائم البشعة التي زينها الإرهاب الأعمى لمرتكبيها وأخرجها لهم فى صورة أسماها "جهاد في سبيل الله"، زادت هذه الفترة قتامة وسوءّا حين سيطر هذا الفكر على الدعاة فتطاول الشيخ الشعراوي في السبعينات على المعتقدات المسيحية وسخر منها علنًا في وسائل الإعلام حيث قال أن المسيحيين كلاب وخنازير كما تهكم على مثل العذارى بصورة كاريكاتيرية تسيء للسيد المسيح، وتطاول بل تبجح عاشق الشهرة والمال زغلول النجار الذي قال في "جريدة القاهرة" التابعة لوزارة الثقافة "أن لا مقارنة بين نزاهة القرآن وهزاءة ورداءة الكتاب المقدس" كما صرح بتبجح ودون بهان كعادته على شاشات التلفاز أن "الدين المسيحي ليس بالدين الصحيح وأن الكتاب المقدس كتاب محرف بل وسخر منه بأسلوب كاريكاتيري واصفًا إياه بالفولكلور وبأنه مكدس"، وقول أبو إسلام "شنودة وأولاده الغجر"، كما دعا أئمة المساجد الأجلاء شباب المسلمين إلى مهاجمة الكنائس وتخريبها وقتل المسيحيين وتدمير ممتلكاتهم.

وعلى سبيل المثال لا الحصر ما حدث في عين شمس مؤخرًا حين حرّض إمام المسجد في عزبة عاطف عين شمس الغربية آلاف الشباب المصلي معه على الهجوم على كنيسة بجوار المسجد مرددين "مش عايزين كنيسة" وذلك في أثناء إقامة الصلاة داخلها، والغريب أن محمود مجاهد عضو مجلس الشعب عن دائرة المطرية أيّد ما حدث مما أثار دهشة الإعلامي المتنور معتز الدمرداش في برنامجه 90 دقيقة على قناة المحور.
والكارثة الكبيرة كانت في أواخر 2006 بإصدار كتاب "فتنة التفكير" لمحمد عمارة معلنًا على صفحاته أن اليهود والنصارى كفرة وأعلن إستباحة دمهم ومالهم هذا ما جاء في ص 31 "فاليهودي والنصراني كافران لتكذيبهما لرسول.."، وفي ص 32 "الكُفر حكم شرعي كالرق... إذ معناه إباحة الدم والحكم بالخلود في النار"، وجاء الحكم النهائي في ص 41 "والأصل المقطوع به أن كل من كذّب محمد فهو كافر أي مخلّد في النار بعد الموت ومُستباح الدم والمال في الحياة"، و الكارثة الأكبر أن الكتاب من إصدار وزارة الأوقاف المصرية والمجلس الأعلى للشئون الإسلامية، وما يثير االعجب ويدعو للشجب أنه يوزع مجانًا.
لقد تجاوز فكر الإرهاب ما نص عليه الدستور وتعاليم الإسلام فيما يخص حرية العقيدة والشعائر الدينية، متجاهلاً من تدعي بالمواطنة لاغيًا إياها من دستوره و قانونه.

فكر خطير حذر منه المستنيرون مرارًا.. إن المغرضين يهدفون إلى السيطرة على الأمة وسبيلهم لها هو إزالة العقبة الكبرى من طريقهم وهي وحدة الأمة المتحصنة بقلعة المواطنة، لقد درس المغرضون أعمدة المواطنة واتفقوا على أن أكثر الأعمدة دعمًا لها هو حرية العقيدة، وكانت الخطة المُحكمة والمدروسة، فقد لبسوا قناع التدين خادعين الكثيرين بفكرهم الإرهابي الزائف الأجوف والخالي من أي مسحة دينية لينفذوا مآربهم الإستعمارية، روجوا فكرًا ملوثًا يدعو لقتل النصارى وسبهم وكراهيتهم تحت ستار "الجهاد في سبيل الله"، و كان هذا مبررًا لإرتكاب أبشع الجرائم مع النصارى في مصر.
لقد صادر الفكر الإرهابي العاجز الحق في أن يرد أحد على كل من تطاول على العقيدة المسيحية وسخر منها، حيث هاج على كل من قام بالرد على من تعدى وتبجح على العقيدة المسيحية، وكالعادة أحل الفكر الإرهابي دمهم معلنًا عجزه عن الرد عليهم.
وأتساءل.. لماذا غضب الفكر الإرهابى من هؤلاء وهو الذي بادر بحوار الأديان؟، هو تحاور بالإزدراء والتوعد والسخرية وهؤلاء ردّوا بالبرهان والأساليب الراقية.. فمن العدل أنه إذا هاجم طرف عقيدة الآخر فمن حق هذا الآخر أن يرد بما يحفظ لعقيدته هيبتها وكرامتها، هذه حقوق المواطنة، وغير ذلك يُعد إرهابًا، وكلنا يشجب الإرهاب ولا نقبله.

موضوع آخر قاده الفكر المتعصب ببراعة مطيحًا بالمواطنة في غياهب الضياع.. قضية المتنصرين.. فانطلاقًا من حرية العقيدة التي أطلق عنانها القانون المصري نفسه رقم 143 في مادتيه 46 و47، سلك كل مواطن في إطار هذه الحرية حسبما يقتنع ويؤمن، ولكن حقيقة الأمر لم تكن تمت بصلة لهذه الحرية، وهذا ما أكده فضيلة الدكتور علي جمعة مفتى الديار المصرية في لقائه والإعلامي المتألق عمرو أديب في القاهرة اليوم خلال شهر رمضان الماضي، حيث أكد فضيلته أن تغيير الديانة له شقّان أولهما ديني والآخر قانوني، فبالنسبة للديني وضّح فضيلته أن الإسلام كفل حرية العقيدة كما أكد فضيلته أن حرية الرأي مُباحة بشرط ألا تقتحم حرية الآخر، ولكن المشكلة تقف عند الجانب القانوني إذ لا ينفع أن يتحول المسلم للمسيحية و لكن ينفع أن يتحول المسيحي للإسلام، معللاً هذا بمنع حدوث (لخبطة) هذا هو تصريح فضيلة المفتى.

والسؤال هنا.. أي (لخبطة) يقصدها فضيلة المفتي؟ طالما أن الدين يكفل حرية المعتقد وأيضًا القانون في مواده يكفلها إذًا فلا مشكلة ولا (لخبطة) في تغيير الديانة، وهذا ما تساءل عليه اللبيب عمرو أديب، هل التحول من الإسلام للمسيحية يثير اللخبطة والتحول من المسيحية للإسلام لا يثيرها؟
المواطنة العادلة الصحيحة تقتضي المساواة.. فكما لا يُسمح بهذا هكذا يُمنع ذاك (منعًا للخبطة)، إن ما يعنيه كلام المفتي هو أن التحول إلى الإسلام مسموح به أما التحول إلى المسيحية فغير مسموح به و قد أكد فضيلته ذلك بقوله "ما ينفعش"، و هذا ما أكده المحامون للمستشار نجيب جبرائيل فى إحدى قضايا التعنت مع المتنصرين أن "التنصير جريمة" رافعين الأحذية عليه حيث خرج من المحكمة في حراسة أمنية مشددة.
هذا الفكر الخطير لا بد أن يُراجع ويُعدل فهو دخيل على القانون والدين، وأتساءل.. ما معنى ما حدث للمتنصرين من سب وضرب وتعذيب؟ فضُربت ريهام المتحولة إلى مريم ضرب أفاض إلى كسر ساقها وسُحلت على الأرض وحُلق شعرها وعوملت معاملة المجرمين، وأيضًا محمد حجازي الذي لقى أبشع الإهانات، وشأنهم شأن كثيرين من إخوتهم المتنصرين، وكل هذا لأنهم مارسوا حقهم وحريتهم فى اختيار ما يدينون به.
ماذا يعني أن يُحرم المتنصر من الميراث؟
ماذا يُعني الإصرار التام على عدم إصدار بطاقات تحمل ديانتهم الجديدة رغم سلوكهم الطرق القانونية لإستصدارها؟

لماذا يقابل المتأسلمون بالترحيب والترحاب والمتنصرون بالتعذيب والسباب؟
ما معنى وجود الكاهن الورع القس متاؤوس وهبة في السجن بتهمة ملفقة لا معنى لها؟
هل الكاهن أو المأذون مطالبين بالتحري عن البطاقات وكيف تم إستصدارها؟
هل سيُقبض على أى مأذون عقد قران أشخاص تحولوا إلى الإسلام؟

خيوط سوداء نسجها الفكر المظلم الإرهابى حول الشخصية المصرية، قيدها بسلاسل التعصب والكراهية، حرمها من مياه الفكر المستنير فباتت ذابلة ضعيفة.
إن خروج مصر من هذه الدائرة اللعينة يعنى دخولها عصر الديمقراطية الحقيقية، عصر نضوج العقل، عصر الفكر المستنير..
سيادة الرئيس أقدمت على الضربة الجوية في سماء سيناء فأخرجت مصر من خزي الهزيمة إلى زهو الإنتصار، أقدمت على الإصلاح الإقتصادى فأخرجت مصر من فقر الكساد إلى غنى الرواج، أقدمت على تغيير المادة 76 من الدستور فأخرجت مصر إلى أعتاب الديمقراطية، وها نحن نأمل في أن تسقي الديمقراطية بماء حرية العقيدة العذب لتجني مصر أشهى ثمرة تحتاج إليها... المواطنة.

Atef gpm2006@yahoo.com

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٠ صوت عدد التعليقات: ٢ تعليق