باسم السبع أحد نائبيها المعارضين للحزب نفي منها.. وصوره تعرضت للتشويه
قد تكون الضاحية الجنوبية لبيروت معقلا أساسيا لحزب الله، وخزانا بشريا شيعيا يعيش على الطرف الجنوبي للعاصمة اللبنانية، لكنها بالتأكيد ليست معقلا انتخابيا للحزب، وإن كانت أصواتها ترجح فوز طرف على آخر إن مالت إليه.
فعلى الرغم من أن الضاحية الجنوبية تشهد كثافة شيعية تكاد تكون خالصة، فإن غالبية سكانها يصوتون في البقاع أو الجنوب، بعدما انتقلوا إليها، كعادة سكان الأطراف، بحثا عن فرص عمل وللاقتراب من المدينة قدر الإمكان. فتداخلت الضاحية مع بيروت سكانيا وبقيت مفصولة عنها انتخابيا، فيما بقي المسيحيون القوة الأساسية في عدد من بلدات الضاحية، على الرغم من أنهم لم يعودوا يقيمون فيها منذ اندلاع الحرب الأهلية. ولهذا اضطر حزب الله إلى محاصصة «التيار الوطني الحر» عام 2000 عندما جرت الانتخابات البلدية على قاعدة إعطاء المسيحيين رئاسة بعض البلديات مقابل الحصول على الأكثرية العددية في مجالسها، ليحلوا بذلك معضلة انتخاب المسيحيين مجالس بلديات لم يعودوا يسكنون في نطاقها ولا يستفيدون من خدماتها.
كانت الضاحية الجنوبية مكونة من مجموعة بلدات صغيرة متناثرة في ساحل المتن الجنوبي، هي: الغبيري وبرج البراجنة ذات الغالبية الإسلامية، حارة حريك والمريجة والليلكي ذات الغالبية المسيحية. وكانت هذه البلدات متداخلة بما لم يسمح بقيام خط تماس فاصل بينها خلال الحرب، فكان أن تم حسم الأمر عسكريا لمصلحة قوى اليسار المدعومة فلسطينيا، بحيث سيطروا عليها ميدانيا. ومع بداية السبعينات بدأ الحضور الديموغرافي الشيعي يأخذ مداه إلى أن أصبح طاغيا مطلع الثمانينات من القرن الماضي. ثم تداخلت حدود البلدات في التسعينات لتصبح الضاحية مدينة صغيرة شمالها وشرقها مليء بالعمارات الفخمة وجنوبها وغربها فقير ومكتظ بالسكان والأبنية العشوائية. واختفت تماما بساتين الحمضيات التي كانت تشتهر بها المنطقة.
يبلغ عدد الناخبين الشيعة في بلدات الضاحية نحو 36 ألفا وفق لوائح الشطب، ما يشكل نحو 23 في المائة من عدد الناخبين في قضاء بعبدا الذي يشكل فيه المسيحيون غالبية تصل إلى 55 في المائة من عدد الناخبين مقابل الدروز (16 في المائة) والسنة (5 في المائة). وتشير تحليلات الأصوات إلى أن نحو 13 ألفا من أصل 17 ألف صوت اعتاد أصحابها أن يقترعوا في الانتخابات، تصب في مصلحة تحالف حزب الله وحركة أمل، وإن كان أغلبها يخضع لـ«مَونة» الأول. وتتمثل الضاحية حاليا في البرلمان بنائبين شيعيين هما باسم السبع وعلي عمار. وكلاهما من منطقة برج البراجنة ومن عائلتين صغيرتين لا يتجاوز عدد ناخبيهما الـ500 ناخب، لكنهما تمثلان قوتين أساسيتين في الشارع اللبناني. إذ حل النائب على عمار منذ عام 1992 مكان عمه النائب محمود عمار في هذا المقعد، بفارق كبير. ويشار إلى أن الأخير ينتمي تاريخيا إلى التيار الشمعوني (نسبة إلى الرئيس الراحل كميل شمعون) فيما ينتمي الأول إلى حزب الله. أما النائب الثاني، وهو باسم السبع الذي كان من أقرب المقربين إلى رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري، فيحظى بشعبية لا بأس بها في الضاحية ـ مقارنة بشعبية حزب الله ـ إذ تقدر قوته التجييرية بنحو 4 آلاف صوت تضاف إليها أصوات حلفائه من الدروز والمسيحيين في «14 آذار». ومنذ اندلاع الأزمة الأخيرة عام 2005، يعيش النائب السبع ما يشبه «النفي» من منطقته التي لم يزرها منذ بدء الأزمة بين فريقي «8 آذار» و«14 آذار». وقد اضطر للانتقال من منزله في برج البراجنة إلى منزل آخر في منطقة الجناح عند الطرف الشرقي للضاحية، ثم إلى محيط دارة النائب سعد الحريري في قريطم حيث تتوافر الحماية الأمنية. وحتى عندما أراد السبع مخاطبة مناصريه أخيرا اضطر إلى لقائهم خارج الضاحية، حيث ألقى فيهم كلمة لم تخل من العاطفة، إذ قال: «أشتمّ فيكم جميعا رائحة ساحل المتن الجنوبي. وقد اشتقت لهذا العطر الطيب، لرائحة بلدتي برج البراجنة، والغبيري وحارة حريك، وكل بلدات الساحل وقضاء بعبدا». وقال إن الاجتماع خارج الضاحية «ليس إشارة خوف من أحد، فنحن نجتمع هنا لأننا نخاف على الناس وكرامتهم. وهم يعرفون أن لا مكان للخوف في قلوبنا، إنما نحن نخاف على الكرامات ومن أي احتمال لأذى الناس». وتحدث عن «محاولات كثيرة لترهيب هذا اللقاء ولدفع الناس إلى عدم الحضور» متسائلا: «هل يرضيهم أن يشتم الجار جاره وأن يشهر الأخ سلاحه على أخيه وأن يتبادل أبناء العم لغة التهديد؟ هل ممنوع على الناس أن تجتمع وأن تتكلم أو أن تلتقي إلى العشاء؟ وهل ممنوع الرأي الآخر؟ وهل يريدون من الناس أن يتحولوا إلى صناديق مغلقة لا مكان فيها لغير الموقف الواحد والقبضة الواحدة والهتاف الواحد؟». واعتبر أن «سياسة الشتم بواسطة اللافتات والصور أو بواسطة البيانات المفبركة والمناشير التي تعد في بعض الحسينيات، لن تؤدي إلى نتيجة». كان السبع يتحدث عن لافتات رفعت في الضاحية ومناشير وزعت فيها تتعرض بالنقد الحاد له وتصمه بـ«الخيانة». كما تحدث عن مضايقات يتعرض لها أنصاره في الضاحية بهدف إبعادهم عنه. ولا يمكن في أي حال من الأحوال مشاهدة صور السبع مرفوعة في أحياء الضاحية. وتقتصر الصور المرفوعة عند مدخل «البرج» الجنوبي على صور للنائب علي عمار، بالإضافة إلى صور للنائب ميشال عون وتحتها عبارة «منهم من آمن بالقرآن ومنهم من آمن بالإنجيل». أما صور النائب السبع التي علقت على أطراف الضاحية فقد تعرض بعضها للتمزيق والتشويه، حتى أن الصورة الجامعة للائحة «14 آذار» في بعبدا جرى طمس صورة السبع فيها من دون غيره.
وكانت أقلام المسلمين السنة قد نقلت إلى مدارس في منطقة طريق المطار في عام 2005 تجنبا لأي احتكاك، غير أن وزير الداخلية زياد بارود أعاد نقلها إلى داخل الضاحية، لكن إلى منطقة الشياح التي تسيطر عليها حركة أمل. ويقلل النائب السابق صلاح الحركة، المرشح على لائحة «14 آذار» من الصعوبة التي يواجهها خلال جولاته في الضاحية مقارنة مع حجم المضايقات التي يواجهها حليفه النائب السبع. ويشير إلى أن الأخير ينطلق من فكرة الخوف عند الناس في الضاحية وهي فكرة صحيحة إلى حد كبير، وهو ما تم تكريسه مع نقل بعض أقلام الاقتراع السنية من طريق المطار إلى أحياء داخل منطقة الشياح. ووصف الحركة الأمر بأنه خطأ غير مقصود من قبل وزير الداخلية «حيث كان يجب أن تبقى تلك الأقلام في مكانها لعدم وجود سبب جوهري لنقلها».
وكان السبع قد طالب رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان والوزير بارود ووزير الدفاع إلياس المر بـ«خطة أمنية شاملة لبلدات الضاحية الجنوبية لا تقتصر على اليوم الذي ستحصل فيه الانتخابات» ودعا إلى وضع «خطة تسمح للمواطن بأن يعبر عن رأيه بحرية وأن يجتمع حيثما يريد وأن ينتخب من يريد». وقد رد النائب عمار على السبع، معتبرا أن كلامه عن أن أقلام الاقتراع في الضاحية ليست آمنة «هو كلام للبعض ليبرر عجزه الانتخابي» مطمئنا «باسم السبع وغيره أن أقلام الاقتراع لن تنقل إلى معراب» في إشارة إلى مقر رئيس الهيئة التنفيذية لـ«القوات اللبنانية» سمير جعجع، ومؤكدا «أن أقلام الاقتراع لن تنقل من الضاحية». |