CET 23:51:56 - 20/04/2011

شغل سيما

بقلم: ميرفت عياد
على اسم مصر التاريخ يقدر يقول ما شاء
أنا مصر عندي أحب وأجمل الأشياء
بحبها وهي مالكة الأرض شرق وغرب
بحبها وهي مرمية جريحة حرب
بحبها بعنف وبرقة وعلى استحياء

هكذا كتب شاعر الثورة .. الضاحك الباكى .. الحاضر الغائب .. عاشق تراب الوطن .. ومفجر حماس شعبها بكلمات اشعاره الوطنية .. القلب الكبير الذى لم يحتمل غدر الزمن .. فاصيب باليأس .. وارتجف قلبه من شدة الهزيمة .. وارتسمت فى ابتسامته الحانية .. مسحة حزن حفرت اخاديدها الزمن .. ركب مركبته الورقية .. وجدف بقلمه الذهبى .. فى بحر الابداع .. عله يصل الى شط الامان .. ويرتوى قلبه بنشوة الحب .. انه الشاعر الكبير والفنان الجميل ورسام الكاريكاتير المتالق صلاح جاهين .. الذى يعد من اعظم شعراء العامية .. حيث ارتبطت كلماته بوجدان الشعب المصرى فى ايام الهزيمة والنصر .
سطعت شمس يوم الخامس والعشرون من شهر ديسمبر عام 1930 ، متالقة حيث كانت السماء صافية والجو دافئ ، يدعو الى البهجة والتفاؤل وينذر بمولد نجم متالق فى سماء الفن هو صلاح الذى ورث عن والدته حب القراءة وخاصة الاعمال الادبية والروايات العالمية ، وفيما هو ينتقل فى دراسته من عام الى اخر ، ظلت ينتقل فى موهبته من مرحلة الى اخرى الى ان قرر الالتحاق بكلية الفنون الجميلة علها تطفا ظمأه الغير متناهى للفن .
بدأت ريشة الفن تعلن عن وجودها منذ منتصف الخمسينيات ، حيث ذيع صيته كرسام كاريكاتير واشتهرت شخصياته الكاريكاتورية مثل قيس وليلى، قهوة النشاط، الفهامة، درش وغيرها من الشخصيات ، ومن شدة اتقان صلاح للرسم وقدرته على التعبير به عن مشاكل وهموم الانسان المصرى البسيط ، تعرض للتحقيق معه اكثر من مرة ، كما وضع اسمه على راس قائمة المعتقلين السياسين نظرا لميوله اليسارية فى ذلك الوقت ، الا ان علاقته القوية بالرئيس الراحل جمال عبد الناصر حالت دون دخوله المعتقل الذى كان فى انتظاره ، وعلى الرغم من كل تلك الصعاب الا ان ابداع صلاح لم يتوقف فأصدر ديوانه الأول "كلمة سلام" عام 1955، ثم ديوانه الثانى "موال عشان القنال" عام 1957 وفى نفس العام كتب "الليلة الكبيرة" أحد أروع إبداعاته والتى لحنها له سيد مكاوى أحد أقرب أصدقاؤه
ركب صلاج جاهين جواد ابداعه ، وامسك بلجام فنه ، واخذ يعدو فرحا سعيدا املا فى غد افضل ، خاصة عندما قامت ثورة 23 يوليو 1952 ، فالتحم بالشارع وتفاعل مع الشعب ، وخرجت كلمات اشعاره من جوف الزهوو النشوة ، فرسمت صورة حية لاحلام وافراح ومشاعر ملايين المصريين ، فاستطاع ان يعبر بكلمات عامية بسيطة ورشيقة عن فرحة الثورة ، التى مالبثت ان لحنها الموسيقار كمال الطويل وباكتمال مثلث الابداع بصوت الفنان الجميل عبد الحليم حافظ خرجت لنا أحلى الأناشيد الوطنية مثل إحنا الشعب ،وبالأحضان ،والمسئولية ، وياأهلا بالمعارك ،وصورة ،وناصر، وغيرها ، فخلدها التاريخ كاغانى للثورة والحرية والكرامة .
الا ان حدوة الجواد كسرت ، وضوء الامل والتفاؤل خفت ، واظلمت الدنيا فى قلب صلاح جاهين بهزيمة 1967 ، وسقط صلاح من على الجواد يأسا حزينا ، ووجد قلمه يتشح بالسواد وهو يكتب كلمات قصيدة "تراب دخان "التى الفها بمناسبة نكسة يونيو 1967 حيث نراه فيها يقول :
وما بين تراب دخان، وقشر سودانى، كان مدفون ..
وكنت ماشى لوحدى فى الشارع ..
معرفش رايح فين، لكن ماشى ..
والليل عليا وع البلد غاشى ..
ليل، إنما ليل أسود الأخلاق ..
ليل، إنما عملاق ..
اسود سواد خنَاق ..

القت خفافيش الهزيمة باجنحتها الثقيلة على صدر الفنان صلاح جاهين ، فحرمته من تنفس هواء الامل ، ومنعت عنه اكسير الفرحة ، واصابته بحالة من الاكتئاب ظلت تلازمه طيله حياته ، واكبر دليل على هذا ان معظم رباعيات صلاح جاهين تفيض بالحزن فنراه يقول فى احدى رباعياته
دخل الربيع بيضحك لقاني حزين
نده الربيع على اسمي لم قلت مين؟
حط الربيع ازهاره جنبي وراح
وشتعمل الازهار للميتين
عجبي!
ولان الفن هو دواء النفوس الجرحى التى تبحث عن الخير والحق والعدل والجمال فى هذه الحياة القاتمة المليئة بالشر والبغض والقبح ، استطاع صلاح جاهين ان يتغلب على احزانه ، وانطلق شلال موهبته جارفا امامه كل الصعاب فقدم للسينما سيناريوهات أفلام "خللى بالك من زوزو"، "أميرة حبى أنا"، "عودة الابن الضال"، و"شفيقة ومتولى". كما قدم للتلفزيون سيناريو وحوار مسلسل "هو وهى"، فوازير "الخاطبة" و"عروستى"،
وغابت شمس حياة الفنان صلاح جاهين يوم 20 ابريل عام 1986 ، حيث اغمض عينيه ليرحل الى عالم الخلود ، تاركا لنا ذكرى حية لاتموت ، واعمال فنية خالدة لا يمحيها الدهر ، ولا يسعنا فى هذا الوقت ان نقول سوى ماخطته يد صلاح جاهين بنفسه حينما قال
مرغم عليك يا صبح مغصوب يا ليل
لادخلتها برجليه ولا كان لى ميل
شايلنى شيل دخلت انا فى الحياه
وبكره ح اخرج شايلنى شيل
عجبى !

شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٢٨ صوت عدد التعليقات: ٤ تعليق