CET 08:41:47 - 01/06/2009

مقالات مختارة

بقلم: سيد القمنى

منذ أسابيع تناول الكاتب العلمانى البارز الأستاذ / حامد حمودى عباس ما أكتبه
بمقال مهذب يليق بعلمانيته الراقية ، يناشدنى فيه الانتقال بمشروعنا إلى المستوى التالى والأعلى ، وإذ أشكره على حسن ثقته واختياره لشخصى من بين كل الأقلام العلمانية المحترمة التى أقرأ لها للتصدى لهذه المهمة الكبيرة ، فأنى أسرعت بالرد عليه لأوضح وجهة نظرى فى أن الموقف الآن لا يحتمل مطلبه ، بذات اللطف والأدب والاحترام الواجب بين زملاء قيمة كالعلمانية . والذين تكاثروا فى العقد الأخير وكلما ظهر قلم جديد كلما نبت لريشى العجوز المتراخى ريشة شابة جديدة تملؤنى فرحاً وطرباً ورغبة فى الطيران معهم ببلادنا وأهلنا نحو النور .
ومنذ أيام طالعت للكاتب المتميز الأستاذ / نادر قريط موضوعاً بعنوان " نوستا لوجيا : محنتى مع سيدى القمنى"
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=172959
ومن الطبيعى أن أقرأ ما يكتب عنى هنا أو هناك صدفة
أو بتنبيه يأتينى ، وبين تلك الكتابات من يطعن فى شرفى ، ومن يطعن فى أمانتى ،
ومن ينتهك خصوصيتى ليتحدث عن سيرتى الذاتية ، ومن يخوننى ، ومن يقبضنى الأموال تنهال على مدراراً ، وكله كلام لا يرد عليه لعيه الشديد وضعفه وهزاله لمرضه المزمن بفكرة المؤامرة ، ولكنى أطالعه من باب قياس مدى التقدم أو التأخر فى مستوى الرأى العام .
أما أن يكتب كاتب أحترمه مثل الأستاذ / قريط نقداً لما أكتب ، فلا ريب سيكون محل اهتمامى الأول ، لأنه – ولاشك عندى – يريد أن يصلح لى شأناً أغفلته ، أو أن ينبهنى إلى خطأ ارتكبته لأتلاشاه مستقبلاً ،أو يشير إلى هفوة هنا أو زلة هناك ، من باب المزيد من التلاحم بإفادة بعضنا بعضاً وتقوية بعضنا بعضاً فى مواجهة من لا يرحمون ، الذين يعرفون كيف ينتظمون ويتضفرون ضفيرة واحدة من أجل تحقيق مآربهم ، ويدارون سواءات بعضهم البعض المنكرة ، وينكرون ويستنكرون إذا ما تسرب عن أحدهم فضائح تزكم الأنوف تتصاعد من داخل أروقتهم السرية حيث يجتمعون وأحياناً يجامعون .
الحق أقول لكم .. أنى بعد ما قرأت ما كتب زميلى قريط ترددت كثيراً فى التعاطى مع ما كتب ، حتى أنه ثنى بموضوع ثان بذات الخصوص دون رد منى ، وتدخل أكثر من زميل نفاشا مع ما كتبة فريط ، وسر التردد الذى أخر ردى هذا عن ردى السريع على الأستاذ / حمودى ، هو أنى سأكون مضطراً مع هذا الرد للحديث عن ذاتى ، وهو أسوأ موقف يمكن أن يضعنى فيه أحدهم ، فذاتى هى عالمى الخاص بحلوه ومره أحب أن إداريها وأنأى بها عن المجال العام ، لأن زميلى الأستاذ قريط ركز معظم موضوعه عن سيد القمنى الشخصى والذات الإنسانية ، دون أن يتطرق إلى موضوع يعينه يتجادل معه منطقاً ومعرفة ليشرح مكامن الخلل فيه ، إذ كنت أتوقع فوائد جمة من نقده ، لأنى إنسان يخطئ ويصيب ، ومع الظرف الصحى يمكن أن يتزايد السهو ومع تقدم السن يتكاثر الخطأ الناتج عن كلل الذهن والبدن ، لهذا أقبلت على موضوعه أبحث عن تنبيه لطيف من زميلى الشاب ليصلح الخطأ أو يشير لمكامن السهو ، ولكنى للأسف وجدت شيئاً آخر لو أردت وصفه وصفاً دقيقاً سأرتكب الزلل الفاحش . وهذا هو العامل الثانى فى التردد والتأنى قبل الرد ، حتى لا أسمح لحمية الغضب بخلق معارك بيننا تكسب الاستبداد السياسى والدينى القوة ، ولا أسمح لحزنى علينا بارتكاب الزلل. وهنا لابد أن أعترف أنى قد كبرت سناً وأن حواسى قد كللت وأنهكنى المرض ، وربما أثر ذلك على نوع اختيارى للمنهج وسبل الوصول للناس ، وربما اخترت الأسلوب الأيسر المناسب لممكناتى ، ولكن لا يزعجنى ابداً أن تكون من قرائى ثم يشفيك الله من هذا المرض ، فأنا لا أعلم من يقرأنى ومن لا يقرأنى ، لأن ذاتى وذات القارئ ليست فى الموضوع ، كذلك أعترف أنى مهما حاولت إرضاء مختلف الأذواق ، فأنها غاية لا تدرك ، ومن الطبيعى أن نختلف ، ومن الطبيعى أن يتعلم مثلك من مثلى ، ومن الطبيعى أن تأتى مرحلة جديدة أصبح فيها أنا القديم العتيق وأنت الجديد الحديث ، وكل منا يلائم مرحلته فهو ابن فرزها ، وهى سنة تطورية حادثة لا محالة ، فالنجوم محل التشبه بها فى الظهور والانتشار ، هى نفسها تخفت وتموت .. ومع اضطراد سرعة التطور الهائل فى زماننا ، فقد تسارعت أيضاً وتيرة الإحلال والتبديل وظهور الجديد قبل أوانه الذى اعتدناه من قبل ، فكنا ننتظر عقوداً طويلة حتى يظهر طه حسين آخر أو على عبد الرازق آخر أو كواكبى آخر أما الآن فقد أصبح الفرز والتجنيب والتجديد والإحلال أسرع كثيراً عما كان عنه قبل ثورة الاتصالات .
لذلك أنتظر من الأستاذ قريط عطاء يفوق عطائى بحكم ظروفه الآن التى تفرق بكثير عن ظرف كنا نقرأ فيه على لمبة جاز نمرة عشرة ، ويصلنا الكتاب بعد لأى وعنت وعسر ومشقة وضيق ذات اليد ، ولا شك أن هذا العطاء سيكون متفوقً بما لا يقارن بمثلى ، ليأتى الجديد ويتراجع القديم ، ويفوق التلميذ أستاذه ، وهو كله فرح مهرجانى للعجوز مثلى ، وهو يرى شباباً قد آتى وملأ علينا دنيانا ، ولأن ظهورهم الآن فى حد ذاته دلالة نجاح أبناء جيلى الذى يتهيأ للرحيل ليفسح المجال للآتى .
اختار أخى قريط أن يبدأ موضوعه بالمباغتة بما لا يتوقع ، فإذ به يتحدث عن صورتى وعن رقم تليفونى فى مدخل درامى لا يخلو من كاريكاتور هزلى يقول " لم اعد أقرأ للقمنى كسابق الأيام ، صرت أكتفى بتأمل صورته أعلى المقال فهى تشى ببعض المرح والتجهم معاً ، وقبل المغادرة أنزل إلى كعب المقال لأتفقد التعليقات واستعرض حرس الشرف وجماهير المهللين ، وبطريق العودة أتفقد رقم التليفون الذى يحرم المكالمات الخميس والجمعة ، فهذات اليومان يذكرانى بأفلام مصرية تتخللها زغاريد وبهجة وتحضير شربات ، وسيدة عرموفة تقول : كتب الكتاب والدخلة الخميس الجاى "
أضحكتنى خفة ظل قلم أخى قريط وذكرتنى بأيام زمان ومرحلة الصبى فى لقطة مرحة تتضمن مؤشرات خفية لمن يجيد قراءة المسكوت عنه فى ظاهر اللفظ ، وهو شأن عرفناه ضمن القيمة الفنية لقلم أخى قريط رشاقة ولطفًا ، ولكنه إن كان يقصد بذلك التندر والتنقص من شخصى المتواضع ، فأنه فى مقاله لم يقدم رغم كل ما قال أسباباً تبيح له هذا الانفلات العصابى فى التندر والتنقص . لذلك ليسمح لى زملائى هنا أن أشرح أسباب نشر رقم التليفون ، فقد أصاب جهازى فيروس اضطرنى مع براعة الهاكر القاصد إعاقتى إلى استبدال الشركة كلها برقم جديد وشركة أخرى ، وهو ما يعنى انقطاع اتصالى بالمؤسسات والهيئات الإعلامية والصحف وزملاء القلم بعد أن فقدت أرقامهم بدورى ، لهذا قمت بنشره على النت . أما يومى الخميس والجمعة فليس فيهن سيدات عرمرمات ولا مسلوعات
ولا زغاريد ، المسألة أنى ظللت منقطعاً عن النشر بعد التهديد أكثر من سنتين حتى تمكنت من شراء مسكن لعيالى بعيداً عنى بعداً كبيراً ، حتى استطيع أن أعود للنشر دون خوف على عيالى وتوافقنا على الخميس والجمعة نلتقى فيهما لذلك أردت الاعتذار سلفاً لمن يمكن أن يتصل فى هذين اليومين فيجد تليفونى مغلقاً ، هى مجرد حساسية ريفية مفرطة وخجل صعيدى من العيبة فى حق ضيف ولو على التليفون . أما تحديد وقت الاتصال فهو مهم وفيه احترام لوقت العمل وعدم قطعه ، وفيه احترم للمتصل كى يجد كاتبه متفرغاً كله آذان صاغية مع وقت كاف يعطى المتصل احترامه الواجب
ولا يخفى عليكم أن نشر رقم التليفون أوصلنى أولاً بمن يسبوننى يومياً خلال هاتين الساعتين ، وبمن يتوعدنى أنه سيكسب فى ثواباً قريباً ليضمن مكانا فى الفراديس .... الخ ، لكنه أوصلنى أيضاً بمن هم أهل فضل ووفاء فى البيت العلمانى العربى ، وأخص بالذكر اتصال السيدة الدكتورة وفاء سلطان وزوجها المحترم ، أضاءت قلبى بشموعها مع دعوة مخلصة لقضاء وقت فى ضيافتهم بحاتمية غير متكلفة ولا مصطنعة ، وبحب لا يحتاج بحثاً كثيراً للتأكد منه ، هذا رغم علمها وعلمى أن طرائفنا مختلفة حتى فى أعمق التفاصيل أحياناً لكنى لا أنكر عليها دورها ولا تنكر هى على دورى ، ما دمنا نسير نحو ذات الهدف . وأعترف أن هذه السيدة ترهبنى شجاعتها ويبهرنى منطقها ، وتلسعنى لسعاً سرعة بديهتها وحضورها ، وهى اختلفنا معها فى الوسائل أم اتفقنا : السيدة الأولى لبنى ليبرال ( بتعبيرات أخى قريط الرشيقة ) . هذا رغم علمى اليقينى أنه فى البيت العلمانى سيدات يبرزنها علماً ومعرفة بالتراث الإسلامى وتمكنا منة، لكن لهذه السيدة طريقتها وهى التى تضيف إلى رصيدها نقاط تعلو بها الدرجات ، فهى تؤدى دوراً نعجز عنه جميعاً ربما خوفاً من المجتمع ( مثلى ) أو ترفعاً وتكبراً على تلك السجالات ( مثل أخر قريط ) وفى رأيى أنها كلها طرق محترمة ما دامت تقوم على عمد من معرفة سليمة ومنطق محجوج ، وتهدف إلى مبادئ وقيم المجتمع المدنى الحر فى النهاية . ولا يشغلنى مدى لطف الدكتورة سلطان من عدمه ، ولا يشغلنى وصفها بتضخم الذات والطاووسية من عدمه ، لأن الأمر ببساطة : هية حرة فى نفسها ، المهم ما يصلنى منها من نتائج ، ولا يشغلنى أن يكون الليبرالى مؤمناً أم ملحداً ، الهم أن يكون كذلك حقاً ، أما أن يكون علمانياً كاملاً فهى خطوة غير مطلوبة من الجميع وتخضع لاختياراتهم وثقافاتهم وقدرتهم على احتمال الوقوف وحيدين فى وجه الكون والقدر عرايا من الأيدولوجيا والملائكة والأرباب والشياطين ، وحيث لا يوجد عزاء ولا أمل وهمى مريح باستمرار التواجد بحياة أخرى حتى لو كانت فى جهنم .
أما حديث أخى قريط عن صورتى ، فقد دفعنى إلى دخول الموقع للبحث عن صورته ، ولم أتمالك نفسى من الضحك من سلوكى ومما أفعل ، لأنى قرأت له عدة موضوعات ولا أذكر له صورة ، فلم تشغلنى يوماً صورة العالم أو المفكر أو الكاتب أو المخرج ولا شخصيته الذاتية ، فلا أنا أعرف شكل إديسون ولا شكل ابن الهيثم ، وما شغلت نفسى بالبحث عن صورة لكاتب غير اعتيادى مثل إبراهيم البليهى المفكر السعودى ، الذى يمثل نموذج الكاتب المتفلسف من الوزن الثقيل ، تحتاج متابعته إلى احتشاد كامل للحواس
والعقل ومجموع معارف هذا لعقل ، يحتاج عناء بسبب كتابته الصلدة غير الملونة
ولا المزخرفة ، صلبة لا ترتخى ولا تبتسم ولا تهدأ قليلا لتناول الأنفاس ، ولا يكون أمامك سوى خيار من اثنين ، أن تتركه مللاً وكسلاً ، أو تستمر مركزاً لينكشف لك عالماً من الجلال الفكرى الراقى . والبليهى بظروفه اختار هذا اللون الجاف غير الرطب من فنون الكتابة ، وله ما يريد فواقعه قد لا يسمح بلون آخر ، رغم أنه لو كان أكثر وضوحاً وأقل نخبوية ، لكان فعله فى واقعنا عظيماً ، لكنه اختار وله حقه فيما اختار وعلينا احترام اختياره ، ولا نحاسبه عما عنده من كنوز وثراء يمكن بفض مغاليقها أن ترصف لنا فلسفة الزمن المنتظر ، أزعم هذا ، وأنه لخليق به .
المهم عثرت على صورة أخى نادر قريط فلم أجد شيئاً غير عادى ، وليس فيه ما يبخسه أو يطهره أو ينجسه ، مجرد إنسان كأى إنسان آخر ، نعم أراد أن يجعلها موحية وحاملة لمعنى ، فوضع ذقنه على كفه المنقبض وسبابته على خده الأيمن ، مع صرامة وجدة ولا أقول جهامة ، توحى بإجراء عملية تفكير عميقة . إلا أن ذلك لم يجعلنى أتخذ منه موقفاً نفسياً تأثراً بتفسيرى للصورة التى تشى بأنه يتعالى علينا ويعلن لنا أنه مفكر والدليل هذه الصرامة وتلك اليد تحت الخد ، الدليل صورته . لا لم أر ذلك مطلقاً ، رأيت فقط إنسان كأى
إنسان ، كل ما يميزه بالنسبة لى هو منتجه الذى يكتبه ، وكنت احترم هذه الكتابة قبل أن أرى الصورة وبعدها . فكتابتك وليس صورتك هى من يقول للناس من أنت ؟ ولكن فى بعض الأحيان تلتبس الذات بالكاتب بالكتابة فتتدخل المشاعر وتظهر الجروح وتطفو النوازع وتغلب الأحكام الشخصية الوجدانية فتقع الفلتات اللسانية ، وهو ما أظنه قد وقع فيه الزميل العزيز ، وقال عنه العرب : لكل جواد كبوة ، ثم شرحوا سر الكبوة بمثل أخر يقول : المرء مخبوء تحت لسانه فإذا تكلم ظهر ( وتكلم هنا بمعنى إذا فلت لسانه بالمخبوء فى اللاوعى ) .
وبأسلوب اللمحة السريعة ، يشرح كيف كانت كتاباتى بالنسبة له وكيف كان شغفه بها وكيف تعلم منها زمناً طويلاً ، لكنه اكتشف فجأة أن انتشار كتابات القمنى فى الساحة العربية لأن الساحة فاضية ، انتشارها لخلو الساحة فى صدفة تاريخية بحث ، يصوغها فى قالب روائى شعرى بقوله : " لهذا صدقت كل شئ ، تيمناً بما قاله مجنون بنى عامر : أتانى هواها قبل أن أعرف الهوى / فصادف قلباً خالياً فتمكنا ............. فى ذلك الوقت بدا لى القمنى يتصدى بمفرده لشخصيات كارزمية أزهرية مدججة باللغة والموروث ، بدا لى إنساناً كبيراً بدفاعه عن حق الأقباط بالمواطنة والمساواة " .
أن القول بخلو الساحة فيه ظلم عظيم لآخرين مثلى كثر ، لعل أخصهم عاطفة وذكراً بالنسبة لى المرحوم الدكتور فرج فودة ، فإن قصد زميلى بكلامة أن يطربنى وأن يداعب هواى تخفيفاً مما سيقول بعده ، فإنه يظلم به زملاء وأساتذة كبار . هذا مع ما يلحق قوله من استفسار عما حدث لمجنون بنى عامر فلم يعد ير القمنى كبيراً ؟ ترى هل خان القمنى قضيته وخضع للإرهاب من جانب أو الابتزاز والإغواء المادى من جانب آخر ، فباع نفسه لمن يدفع أكثر ؟ هل تراه كتب أو حتى سلك بما هو ضد ما يكتبه وينادى به فى المعتاد ؟ ما الذى يجعل المتتلمذ يتطاول على المعلم سوى سبب يتعلق بالقيم خاصة الأخلاقية منها والحقوقية ؟ فإذا لم تكن تلك هى الأسباب فلابد أن لدى الأستاذ قريط مخبوءات أخرى نفسية لا نعلمها ، ولا نطالبه بالإفصاح عنها ، ولكن أن يشيخ أحدنا
ولا يعود يطرب بعضنا فيقوم هذا البعض بصب السخائم عليه لإقصائه عن عالمهم ، رغم أن المولد لسة فى أولة لم ينفض بعد . فتلك والله لرابعة الأثافى .
المشكلة فى صدق مبادئ بعضنا ، فبدلاً من أن نكرم كبيرنا الذى شاخ ونهمس فى أذنه : " لقد كبرت يا أبتاه فاسترح " ، لأفهم أنه آن أوان اعتزالى مكرماً منكم ، ولأنكم خير معتمد فى حسن تشييع جنازتى يوم رحيلى لترطبوا قلوب عيالى ، لا أن ترمونى بأحجار آثامكم ، وأنا مازلت كاتباً قادراً مقاتلاً عنيداً فى أقصى قمة نضوجه .
أما كيف شفى قلب أخى قريط الخالى ممن تمكنا ليعود بلقعا هانئ البال بدون مؤرقات القمنى ومزعجاته ، وما يكشفه من عار وعوار يطل من نافذة تاريخنا علينا وعلى العالم طوال الوقت ، كيف جاز للقمنى أن يحدثنا عن مجازر سفاح تاريخى مثل خالد بن الوليد فى موقعة أليس ، أو مجزرة يحى العباسى فى مدينة طميسة ، إنه التاريخ الجارح والعار ، الأستاذ قريط يطلب منى أن أنافح عن هذا التراث أكثر من منافحة أهله عنه ، أن أهله هم من قالوا وهم من دونوا وهم من اتفقوا على هذه الوقائع على اختلاف فرقهم مذاهبهم ، ويريد منى الأستاذ قريط أن يكون رأيى فى خالد أو عمرو أو أى من الفاتحين ، أفضل وأحسن من رأى بعضهم فى بعض ، ومن رأى أنفسهم فى أنفسهم بأقلام أهلهم وأتباع ملتهم .
لا يشغلنى يا أستاذ قريط كم ذبح خالد سبعين ألفاً أم سبعة أفراد ، المهم أنى لم أتدخل فى التاريخ الإسلامى وهو يروى مفاخرة ، وليس عندى وسيلة تدفيق لتحديد رقمى سليم لمن ذبحهم خالد ، المهم أنه ذبح وأحتل وأزال حضارات وقضى على لغات وسبى واستعبد وسلب ونهب وأخذ خراجاً وجزية هو وصحبه جميعاً بطول زمن الخلافة المقبورة ، وأنا لا آت بما أكتب من تاريخ أمريكا اللاتينية ولا بما هو مخفى وراء بحر الظلمات ، فالمكتبة الإسلامية فى متناول الجميع وأحداث تاريخها مع البلاد المفتوحة هو تاريخ أسود قاتم حالك الظلمة لا يمكن تجميله مهما حاولنا الترقيع فهو أقبح من أى محاولة ترميم ، إن موقفنا مع تاريخنا كى يكون موقفاً محترماً وكريماً وإنسانياً رفيعاً ، أن نعترف بما حدث ، وإن يعتذر أولى أمر المسلمين فى بلاد الحجازوكبار رجال الدين اعتذاراً لائقا نقدمه لأنفسنا وللعالم ولأبناء الملل والنحل والأعراق الباقين فى بلادنا ، حتى نتصالح مع أنفسنا وأن نشف صدقا فنشف مواطنة وحباً لوطننا وبعضنا ، وأن نرفع المواد الدينية بالدستور، ونعقد عقدنا الاجتماعى مصرياكان أو عربيا ، على الوضوح والمكاشفة والتصالح ونسيان الماضى البغيض والبدء من جديد ليأخذ المواطن الفرد فى بلادنا حقه من الكرامة الإنسانية كبقية بنى آدم فى البلاد المحترمة .
نعم يا أخى العزيز نادر عراقياً كنت أو سورياً لا أعرف ، إن أول ما يجب أن يشغلنى هو مصر وطنى بعد أن غاب مفهوم المواطنة ولم يبق سوى الطائفة والمذهب والدين ، وعليك أيضاً أن تبدأ بوطنك الذى مهما عرفته أنا فلن أعرفه مثلك ، فإن لم ينشغل كل من ينشغل بالشأن العام بوطنه أولاً فى ظرفنا الحالى لأنه لأدرى بشعابه ، فأن البديل سيكون تبديداً للطاقات ولن نصل إلى أبعد مما تصل إليه القمم العربية ، لأن الثقافة فى كلا الحالتين هى هى فيكون الحاصل هو مجموعة أصفار نتيجتها صفر عظيم كبير . ولا يعنى هذا ألا ينشغل سيد القمنى المصرى بما يحدث فى الساحة العراقية وأن يقدم ما يمكنه ، والعبد الفقير إلى الله سيد القمنى قد شارك فى كل هذا ، ولسوء حظ زميلى وهو يفترى على الباطل بظلم
شديد ، أن معظم أعمالى وبالصدفة البحتة هى أنشودة حب فى العراق الآن والماضى ، عراق المعنى والإنسان . وهو ما سيجده زميلى فى كتابى الإسرائيليات وفى كتابى الأسطورة والتراث وفى كتابى قصة الخلق وفى كتابى النبى إبراهيم وغيره . تعالوا أهلى العلمانيين نقرأ معاً الإهداء الذى صدرت به كتابى الأبرز ( الأسطورة والتراث ) ، فى الطبعتين الأولى والثانية الصادرتين عن دار سينا ، وتصادف صدوره بعد ضرب الطيران الأمريكى لملجأ العامرية فى العراق إبان حكم الطاغية
يقول الإهداء : " إلى كل امرأة كانت ترضع ابن العهد الآتى ، وتقدمت بجسدها قرباناً فى أقبية ملجأ العامرية ، لتمد شمسنا الغاربة الباردة ببعض الدفء . وإلى كل رضيع تناثرت أشلاؤه على وجه الزمان ، فذهب يفصد دمه فوق مغربنا القاتم المقبض كى يمنحه غسقاً ، وإلى التاريخ يلملم هيبته هلعا مما خضب لحيته ، ليدون ملحمة الملاحم وأسطورة الأساطير ، عن الشعب الذى عاش فى بغداد ، وناس بابل الذين لم يخلق مثلهم فى البلاد "
إن محاولة أخى نادر الوقيعة بينى وبين أهلى فى العراق ، الذى عشت فى شرايينه أبحث فى تاريخه القديم ، وزرته وهو تحت الحصار لأشاركه الحصار وأتتم بحثى التاريخى الميدانى لكتاب النبى موسى ، هو محاولة لا أجد لها وصفاً مخففاً ولا استطيع أن أرى فيها شيئاً حميداً ، هى محاولة رديئة لا تليق بالمفكر كبير الخصال ، وهى مقارنة ظالمة يظهرنى فيها مصرياً غليظ الشوفينية مقابل العراق بالذات وبالخصوص ويعيرنى باستيعاب العراق للعمالة المصرية الفقيرة لمجرد قولى أن أهلى فى العراق كى يمزقوا نياط قلبى أخذوه إلى نفق الطائفية المظلم نحو الصوملة .
نعم يا أخى قلت هذا أو شبيهاً به فأنا لا أذكر كل لفظ بكل دقة ، وأنت لم تذكر النصوص التى وشيت بها ، لكنى أيضاً قد قلت منذ خمش سنوات أن مصر قد أصبحت فى القرية هى صومال وفى المدينة هى طالبان وعظم الله أجركم فى مصر ( تقال عندنا فى العزاء ) بعدما أصبحت مصر مجرد مستشفى مجانين كبير مفتوح ويخلو من الأطباء ..... فهل ترانى عندما كتبت هذا كنت أكره مصر وأحط من شأنها وقدرها لصالح العراق مثلاً ؟ هذا كلام تلامذة ثانوى وسقطة أخى هنا سقطة شديدة يستخدم فيه أى أسلوب لتشويه الخصم ، وهو شأن لا يليق برفيق درب لأنى لست خصماً لك ولن أكون وأظن أن الدرب المشترك بيننا يفرض علينا نبل الفعال والتعالى على الهينات والتوافه ، والترفع على صفائر النفس التى تسببها غيرة بدائية وحشية غريزية لا معنى لها ، لأنه ليس لدينا فريسة نتقاتل عليها ولا كرسى حكم ينتظر أحدنا غداً . لقد جعلت موضوعك ثأراً شخصياً لذنب لم ارتكبه سوى خطيئة
نشر صورتى ورقم تليفونى ، واتباعى منهجاً مختلفاً لا أظنه هو الدافع الحقيقى وراء
ما كتبت ، وكما أردت أن توحى لنا به .
المهم يستطرد أخى نادر ليقول " وباختصار للشيطان الرابض فى التفاصيل ، أود التمييز بين النقد والسجال ، فالنقد يعنى ببساطة طرح رؤية أخرى ونسق فكرى يطوى ما دونه من رؤى ، بما يدخره من محتوى وقيمة مضافة ، أما السجال فهو ملا سنة بين ثنائيات .. واعتماداً على تلتك الثنائيات فإن السجال هو أسهل أنواع الفكر ولايدمنه إلا الكسالى . الجانب المهم فى السجال هو قدرته على الاستفزاز وشحن النفوس ، وهذا يعود إلى ولع الناس بالمراهنة والمضار به تماماً كما يحدث فى مباريات كرة القدم أو مباريات فيصل القاسم " ، وهو يشير هنا من طرف خفى إلى مشاركاتى فى هذا البرنامج المبارياتى السجالى أكثر من مرة .
مرة أخرى أكرر أننى فى موقف لا أحسد عليه ، لأنى لأول مرة أجدنى مضطراً للدخول فى سجال افتعله زميلى ،وهذا هو السجال فعلاً وصدقا ، وهو حول ذاتى التى نسيتها من زمان بعد أن بلعنى البحث والقراءة والدرس والكتابة حتى صارت ذاتى ظلاً باهتاً أفاجأ بوجوده
أحياناً ، عندما أفاجأ أن فى الدنيا متعاً لم أكن أعلم عنها شيئاً . ومع الغربة فى هذه المنطقة الخالية الموحشة لن تجد ما يؤنسك ولا حتى ذاتك ، لهذا كان رفضى المهذب لمشروع الزميلة الدكتورة إيناس حسنى لكتابة سيرتى الذاتية ، وأكرر لها هنا اعتذارى فقد حاولت وعرضت كل التيسيرات وأنها لن تكلفنى اى مشقة سوى الثرثرة التى تمسك هى بمفاتيحها ومقود توجيهها ، لأن ذاتى من وجهة نظرى كأى ذات أخرى فيها الموجب والسالب ،
ولا قيمة لها فى أى موضوع أكتبه ، ناهيك عن كونها سيرة لا تسر القلب بقدر ما توجع الكبد ، وقليل من أصدقائى المقربين من يعرف عن هذه السيرة يسيراً ، ومن ثم لن تجد فيما أكتب ما يشى عن هوى بالذات أو ( مفكر بأمره ) . كما قال قريط ولا طاووسية
كما قال آخرون ، فقط ما أعتز به وأتيه به فخراً أنى أنجزت ما أنجزت بماله وبما عليه فى ظروف كان مستحيلاً أن تنتج أكثر من كاتب عرضحالجى على باب محكمة ريفية مريض ومتهالك .
أما أن يكون الطريق الذى اخترته مؤخرا فى مناقشة ما يطرحه علينا الإسلام السياسى يعجب البعض ولا يعجب آخرين من حيث مذاقه، فإن ذلك لا يكون ضمن حسابات أى كاتب ولا حتى الأستاذ قريط ، وإلا ما كان كاتباً حراً. حساباتى يا زميلى هى استكمال الموضوع السلامة العلمية، وصدق المقدمات،

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ١ صوت عدد التعليقات: ٠ تعليق

خيارات

فهرس القسم
اطبع الصفحة
ارسل لصديق
اضف للمفضلة

جديد الموقع