CET 09:41:57 - 30/04/2011

أخبار مصرية

كتب: صبري حسنين-إيلاف

يستدل من اقوال وزير الداخلية المصري السابق حبيب العادلي أمام المحققين أنه لم يجرؤ على إعلام مبارك بان التظاهرات تطالب برحيله، كما ينفي إصداراه لاوامر إطلاق النار على المتظاهرين وأن من فعل ذلك هي عناصر مندسة كانت تستهدف قوات الأمن.

 قبل الخامس والعشرين من شهر يناير الماضي، لم تكن كلمات الفساد أو التوريث أو سوء الأوضاع الإقتصادية أو التغيير تعرف طريقاً إلى لسان اللواء حبيب العادلي وزير الداخلية المصري السابق، ولم يجرؤ على النطق بها في حضرة الرئيس السابق مبارك، مكتفياً بالتلميح بها فقط في 28 يناير الماضي، رغم أن الثورة كانت قد بلغت حداً غير مسبوق، وصار النظام بأكمله في وشك الإنهيار، لكن لسانه نطق بها أخيراً أثناء التحقيقات معه في قضية قتل المتظاهرين، بعد نجاح الثورة في إسقاط نظام الحكم البوليسي كله، في 11 فبراير الماضي، و قال العادلي إن المظاهرات التي أندلعت في 25 يناير، كانت إحتجاجاً على تردي تلك الأوضاع الإقتصادية وإنتشار الفساد ومشروع توريث الحكم لجمال مبارك.

وفي الحلقة الثانية والأخيرة من تحقيقات النيابة العامة مع وزير الداخلية المصري السابق، التي تنشر "إيلاف" أبرز ما ورد فيها، مشفوعة بتعليق من خبراء قانونيين وسياسيين، ينفي عن نفسه تهم قتل المتظاهرين أو التسبب في الفوضى والإنفلات الأمني والإضرار بالمال العام.

ورداً على سؤال المستشار مصطفي سليمان المحامي العام الأول لنيابات أمن الدولة حول المعلومات التي تلقاها بصفته وزيراً للداخلية عن مظاهرات 25 يناير، قال العادلي: وردت تقارير من قطاع أمن الدولة يوم 22 أو 23 من شهر يناير، مفادها أن بعض النشطاء السياسيين والعناصر الشبابية دعوا للتجمع والتظاهر في جميع مواقع الجمهورية للتعبير عن احتجاجهم على سوء الأوضاع بالبلاد والمطالبة بتغيير الحكومة وإسقاط النظام وابراز السلبيات الداخلية من فساد وبطالة وفشل الإنتخابات الأخيرة في التعبير عن التطلعات الشعبية، وكانت هذه الدعوة من خلال موقعي فايسبوك وتويتر، وأن يكون هذا التجمع صباح يوم 25 يناير، وأن العناصر المدعوة للتظاهر تنتمي إلى حركة 6 أبريل وحركة كفاية والجمعية الوطنية للتغيير وما يسمي البرلمان الشعبي الموازي، بالاضافة إلى جماعة الإخوان المسلمين، وأن هذا التظاهر والتجمع سيكون سلمياً وبأعداد كبيرة دون تحديد عدد.

كما تلقينا معلومات من ذات القطاع يوم 27 يناير مفادها أن جماعة الإخوان المسلمين مع باقي هذه الفئات والتيارات قررت التجمع في جميع المحافظات يوم الجمعة 28 يناير، وأسموه "جمعة الغضب" وبأعداد ضخمة مستغلين فيها تواجد أعداد كبيرة من الناس وقت انتهاء صلاة الجمعة، أما فيما يتعلق بالمعلومات والتقارير التي سبقت الأحداث بفترة فقد بدأت المعلومات بحدوث احتجاجات ضد النظام القائم بدءاً من عام 2005، ولكن بصورة صغيرة وبأعداد قليلة، كانت تتصاعد تدريجياً مع كل حدث في المجتمع، وتقوم به فئات تنتمي إلى بعض النقابات المهنية والتيارات السياسية، بسبب سوء الأوضاع في البلاد والفساد ومشروع التوريث وتردي الوضع الإقتصادي، إلى أن وصلت ذروتها بعد أحداث تونس، حيث أراد المتظاهرون تطبيقها كنموذج للثورة.

تليمحاً وليس تصريحاً

ورغم أن الصورة كانت واضحة وضوح الشمس في عز الظهيرة، إلا أن وزير الداخلية لم يجرؤ على نقلها بأمانة إلى رئيس الجمهورية، حيث وجهت النيابة إليه سؤالاً جاء فيه: هل تم إخطار رئيس الجمهورية السابق ورئيس الحكومة السابق وباقي الجهات المعنية بهذه المعلومات؟، وجاء رد العادلي قائلا: "كنت قد ألمحت إليه أكثر من مرة في مواقف سابقة إلى أن رغبة الناس تسير في اتجاه تغيير الحكومة ومحاسبة الفاسدين، ولكني لم أتمكن من التصريح بها مراعاة للحدود مع السيد رئيس الجمهورية، حتي لا يتصور أني أملي عليه قراراً أو رأياً، بالاضافة إلي ذلك فقد صرحت بذلك في إجتماعات مجلس الوزراء، وهذا مسجل في مضبطة الاجتماعات".

وتأتي أقوال العادلي متسقة مع أقوال مبارك في التحقيقات حول القضية نفسها، حيث قال الرئيس السابق إنه كان ينوي التنحي يوم 28 يناير الماضي، إلا أن زكريا عزمي رئيس ديوان رئيس الجمهورية، أبلغه أن المتظاهرين يريدون تغيير الحكومة وليس إسقاط النظام، ويبدو أن مبارك تعرض لعملية خداع أو حجبت عنه الحقائق من جميع المحيطين به.

وأكد العادلي أن دوره كوزير للداخلية في التعامل مع المظاهرات يتمثل في توجيه أجهزة الوزارة بكيفية التعامل مع المظاهرات بوضع خطة تتمثل في تأمين تلك المظاهرات سواء كانت سلمية أو غير سلمية، وعدم التعرض لها إلا عند مخالفة المتظاهرين للقانون وارتكاب أي جرائم تحتم علي جهاز الشرطة التدخل للتعامل معها، هذا على المستوي الأمني وعلى المستوي السياسي، نحيط القيادة السياسية متمثلة في رئيس الجمهورية علماً بها، كما يتم إخطار رئيس الوزراء بتلك المظاهرات.

ضباطه يتهمونه وهو ينفي

وواجهت النيابة العادلي بأقوال شهود من القيادات والضباط تفيد بأنه هو من أصدر أوامره بإطلاق النار على المتظاهرين، لكنه أنكر وورد فيها: "قرر اللواء أحمد عاطف أبو شادي في أقواله بالتحقيقات أن قرار اطلاق النار الحي على المتظاهرين عند الحاجة إليه يصدر من وزير الداخلية لمدير الأمن فما قولك؟ ورد قائلاً: "هذا الكلام غير صحيح فاللواء عاطف أبو شادي ضابط في أمن الدولة، ولا يعلم القرارات والتعليمات التي أصدرها، لأن العلاقة مع رئيس الجهاز وليس معه".

وقالت له النيابة: "قرر اللواء عبدالعزيز فهمي حسن مساعد رئيس قوات الأمن المركزي في أقواله بالتحقيقات أن قرار اطلاق النار بصفة عامة في وزارة الداخلية هو قرار وزير الداخلية وحده فما قولك؟ ويرد: "هذا الكلام غير صحيح وتوجيهات وزير الداخلية في المظاهرات بعدم استخدام السلاح بأي نوع وهذه التوجيهات صدرت لمساعد الوزير قائد الأمن المركزي والذي قام بدوره بتعميمه على قواته قبل الخروج للمظاهرات".

وواجهته كذلك بما قرره المقدم عصام حسين عباس الضابط بالإدارة العامة لشؤون المجندين أن كلاً من مساعدي الوزير لشؤون الأمن المركزي ومباحث أمن الدولة ومدير أمن القاهرة، قد اتخذوا قراراً بعد العرض على وزير الداخلية، واقراره بمنع المواطنين من التجمع في ميدان التحرير أو الميادين العامة بالقاهرة وبالمحافظات الأخري يوم 28 يناير، بصرف النظر عن النتائج كما اتخذوا قراراً باستخدام القوة والعنف مع المتظاهرين دون الرجوع للقيادات؟

ورد العادلي: "هذا الكلام غير صحيح ولم يحضر الاجتماع فمن أين أتي به. كما أن التوجيهات التي صدرت مني لقيادات الوزارة كانت واضحة وصريحة وتنحصر في تأمين المتظاهرين، وعدم التعامل معهم بأي قوة، وضبط النفس إلى آخر مدي والتأكيد علي عدم استخدام أي أسلحة، وحتي العصي التي يستخدمها العساكر تم التنبيه عليهم بالاحتفاظ بها داخل السيارات، وإذا كان هناك ضباطا اطلقوا الرصاص علي المتظاهرين، فيسأل عن هذا كل واحد منهم، ويمكن الوصول بسهولة إليه وتحديد القوات التي كانت موجودة في موقع الجثث من خلال أوامر الخدمة التي تصدر ومن الجهات التي يتبعها هؤلاء الضباط وسؤالهم. يسأل عن ذلك القيادات والضباط في هذه المواقع لمخالفتهم لتعليماتي.

مندسون قتلوا المواطنين

وواجهت النيابة العادلي أيضاً بأقوال شهود آخرين منهم اللواء مختار رجب علي شلبي وما أكدته معاينة النيابة من قيام مجموعة من قوات الشرطة باعتلاء أسطح الجامعة الأميركية ومبني وزارة الداخلية يوم 28 يناير، بعد أن اقتحموا مبني الجامعة وقاموا بإطلاق أعيرة نارية خرطوش بصورة عشوائية صوب المتظاهرين سلمياً، مما أدي إلى حدوث اصابات ببعض المتظاهرين، وتم العثور علي فوارغ الخرطوش بسطح المبني. كما واجهته بما هو مثبت في دفاتر مخازن السلاح من أنه تم تسليح التشكيلات والسيارات المدرعة التي شاركت في مواجهة المظاهرات بأسلحة آلية وخرطوش وذخيرة آليه وخرطوش ومطاطية. فضلاً على اخطار من ضابط تأمين وزارة الداخلية باطلاق النيران علي المتظاهرين مباشرة.

وأنكر وزير الداخلية المصري السابق كل هذه الأقوال، وقال: "في تصوري أن اطلاق النيران إذا قام به أحد من رجال الشرطة، وتم التوصل اليه من خلال تحقيقات النيابة فهذا تصرف شخصي يسأل عنه مرتكبه، وما أحب الاشارة إليه أن كان هناك العديد من المندسين داخل هذه المظاهرات كانوا يحملون أسلحة، واستطاعوا استخدامها بطريقة عشوائية لاستهداف رجال الشرطة، فأصابت الغير من المواطنين".

الاتهامات

وفي نهاية التحقيقات وجهت النيابة للعادلي ثلاث تهم هي: التسبب في الإنفلات الأمني والفوضي بالبلاد من خلال إصدار أوامره بصفته وزيراً للداخلية بتعطيل أمر رئيس الجمهورية بتاريخ الصادر في 28 يناير بالحفاظ عللا أمن البلاد إلي جانب القوات المسلحة مما ترتب عليه اشاعة الفوضي والذعر في انحاء البلاد.

وكالعادة أنكر هذا الإتهام، وقال: لم يحدث وغير حقيقي، لأني كنت أتعامل مع القيادة السياسية ومع قيادة القوات المسلحة طوال يومي 28 و29 يناير، وكان هناك اجتماع بمقر القوات المسلحة برئاسة الرئيس والذي وجهني بأن التقي بالسيد نائب رئيس الجمهورية وقتها في حضور السيد المشير، و شرحت لهما الموقف، وطلبا مني جمع شتات قوات الشرطة التي تركت مواقعها، وأن يكون ذلك خلال ثلاثة أيام، ووعدت بتنفيذ هذا وتوجهت إلى أحد معسكرات الأمن المركزي لتنفيذ هذا الأمر.

وتمثل الإتهام الثاني في قتل عدد من المتظاهرين عمداً مع سبق الاصرار والشروع في قتل آخرين بإصدار الأمر بذلك. ورد بالنفي، وقال: "لم يحدث ولا يمكن التخيل أنني أشارك في مثل هذه الجرائم". أما الإتهام الثالث فكان التسبب في الإضرار بالمال العام في وزارة الداخلية، ورد: "غير صحيح، ومن غير المتصور أنني أساهم في حرق سيارات الوزارة، وحرق مرافق خاصة بالوزارة".

وفي محاولة أخيرة من دفاع الوزير السابق لإفلاته من الإحالة إلى محكمة الجنايات، طلبوا من المحامي العام الأول لنيابات أمن الدولة استدعاء رئيس الجمهورية السابق بصفته الرئيس الأعلى لهيئة الشرطة، لسؤاله لماذا لم يتم اتخاذ اجراءات من جانبه بهذه الصفة رغم اخطاره قبل حدوث تلك المظاهرات؟ وكذا استدعاء مجلس الوزراء بكل أعضائه لسؤالهم بصفتهم، لماذا لم يتخذوا اجراءات أو قرارات رغم اخطارهم من السيد وزير الداخلية بحجم المخاطر التي تتعرض لها البلاد واستجوابهم في حالة وجود تقصير منهم؟

ودفع محامو وزير الداخلية السابق بانتفاء الدليل المادي اليقيني بأن المتهم طلب من قوات الشرطة تعطيل أمر قرار رئيس الجمهورية بالحفاظ على أمن البلاد مع القوات المسلحة، كما دفعوا بانتفاء أركان جريمة الاشتراك في القتل بركنيها المادي والمعنوي، كما أنه لم يثبت عن طريق القطع أو اليقين من أن قوات الأمن هي التي أطلقت الاعيرة النارية أو الطلقات الخرطوشية ضد المتظاهرين. وكذا انتفاء أركان جريمة الاضرار بالمال العام. ولم تفلح جهود المحامين في إنقاذ العادلي من الإحالة لمحكمة الجنايات.

مرحلة الصدمة

وفي السياق نفسه، قال المستشار بهاء الدين أبو شقة رئيس محكمة سابق لـ"إيلاف" إن الموقف القانوني لوزير الداخلية المصري حبيب العادلي ضعيف للغاية، مشيراً إلى أن إعترافات قيادات وزارته وضباط ينتمون إليها، بالإضافة إلى الأدلة الأخرى مثل تسجيلات أجهزة اللاسكي، وفوارغ الطلقات التي عثر عليها فوق أسطح الجامعة الأميركية والمباني المحيطة بميدان التحرير، تؤكد أنه مدان بإصدار تعليمات بإطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين، وهي الجريمة التي توصف بأنها "تحريض على القتل"، وينزل القانون بفاعلها عقوبة السجن المشدد من 15 عاماً إلى الإعدام شنقاً، حسب ظروف وملابسات أرتكابها.

وحول عدم جرأة العادلي أو زكريا عزمي على التصريح لرئيس الجمهورية بأن المظاهرات خرجت إحتجاجاً على الفساد والتوريث وتردي الأوضاع الإقتصادية، قال أبوشقة الذي يشغل منصب عضو الهيئة العليا لحزب الوفد لـ"إيلاف"، إن أحدا من المسؤولين صغر أم كبر لم يكن يجرؤ على قول ما يغضب الرئيس، فقد كان جميع أفراد حاشيته يقولون له ما يحب أن يسمعه، حيث كانوا ينقلون إليه تقارير تزعم أن المصريين يعيشون في رفاهية، والدليل أن كمية القمامة تقدر بملايين الأطنان، وأن نحو 60 مليون منهم يقتنون الموبايل، وأن إستهلاك الكهرباء يرتفع جداً صيفاً نتيجة إستخدام التكييفات، التي زادت نسبة مبيعاتها عدة أضعاف خلال السنوات القليلة الماضية.

فيما أشار الدكتور منير عبد الحليم عضو إئتلاف الثورة إلى أن العادلي ما زال يصر على المغالطة والتزييف في أقواله أمام النيابة، حيث يتصور أن الإخوان هم من صنعوا الثورة، وأن هناك عناصر مندسة هي من قتلت المتظاهرين، وهي كلمات دأب على أستخدامها طوال السنوات الماضية للإنقضاض على المعارضين وتلفيق التهم إليهم.

وأضاف عبد الحليم لـ"إيلاف" إن أحدا من رموز نظام مبارك لم يكن يتوقع إندلاع الثورة بهذا الزخم، أو أن تنتصر خلال تلك الفترة الوجيزة، لأنهم كانوا يعتقدون أن كل الأمور تحت السيطرة، وأن الشعب يغط في نوم عميق، وأنه لن يفيق إلا بعد مرور نحو عشرين سنة أخرى من حكم الوريث جمال مبارك، لكن الشعب خدعهم جميعاً، وإنطلق ثائراً، فزلزل الأرض من تحت أقدامهم، وأطاح بهم جميعاً.

وأضاف عبد الحليم أن جميع رموز نظام الحكم البائد بمن فيهم مبارك وزوجته ونجله جمال مازال في مرحلة الصدمة غير مصدقين أن الثورة أنتصرت عليهم، وأنهم قيد السجن الآن، ولن يفيقوا إلا بعد صدور أول حكم إعدام بحق أحدهم وتنفيذه فيه، عندها سوف يعلمون أن عهد الظلم والإستبداد قد ولى إلى غير رجعة.

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ١ صوت عدد التعليقات: ٢ تعليق

خيارات

فهرس القسم
اطبع الصفحة
ارسل لصديق
اضف للمفضلة

جديد الموقع