CET 09:59:33 - 01/05/2011

مساحة رأي

بقلم: جرجس بشرى
فور صدور تقرير لجنة الحريات الدينية الأمريكي 2011، وهو تقرير يتناول أوضاع الحريات الدينية حول العالم، كما إنه يتبع الرئيس الأمريكي شخصيًا، تتبعت ردود الأفعال حول هذا التقرير خاصة فيما يتعلق بأوضاع الأقليات الدينية في "مصر" من أقباط وبهائيين وشيعة وغيرهم. ومن المؤسف أن رأيت أن الحكومة المصرية وبعض الشخصيات السياسية الكبرى تنتهج أسلوب ما قبل ثورة 25 يناير في التعامل مع هذه التقارير الحقوقية الموثقة باحترافية عالية؛ ففي ظل نظام الرئيس المخلوع "مبارك" كانت تتعامل الدولة باستخفاف مع هذه التقارير وتَّتهم الجهات التي أصدرتها بأنها غير محايدة، وتدَّعي زورًا بأنه ليس لأي جهة ما أن تقيم من نفسها حكمًا أو وصيًا لتقييم أوضاع حقوق الإنسان في "مصر"، والأخطر من ذلك ما كنا نسمعه على لسان المتحدث الرسمي للخارجية المصرية الذي كان يشجب ويستنكر ويدين مثل هذه التقارير ويعتبرها من قبيل التدخل السافر في شئون "مصر" الداخلية، مع أن "مصر" موقِّعة على معاهدات مع الدول التي أصدرت هذه التقارير، وجزء من هذه المعاهدات يتناول تحسين أوضاع حقوق الإنسان والحريات الدينية في "مصر".
 

ومنذ أيام قلائل، صدر تقرير لجنة الحريات الدينية الأمريكي 2011، وأدان بشدة تدهور أوضاع الأقليات الدينية في "مصر"- وخاصة أوضاع الأقلية القبطية- وإتهم حكومة تسيير الأعمال برئاسة "عصام شرف" (حكومة ما بعد ثورة 25 يناير 2011) بالفشل في حماية الأقليات الدينية- وخاصة الأقباط والشيعة والأحمديين والبهائيين وغيرهم- محذرًا من تصاعد حدة استهداف الأقليات الدينية خلال الفترة القادمة.. ومع أن ما جاء بالتقرير كان موثقًا، قام مسئولون حكوميون ودبلوماسيون بإدانة التقرير ووصفوه بغير المقبول!
 

والخطير في هذا التقرير إنه وضع "مصر" على قائمة "الدول المثيرة للقلق" والدول "الأكثر انتهاكًا للحريات الدينية"، محذرًا من السياسات والقوانين التمييزية المؤثرة سلبًا على حرية الدين والمعتقد، وهو ما كنت قد حذرت منه في كتاب "الأقليات الدينية في مصر تحت الحصار" والذي صدر منذ ثلاثة أعوام تقريبًا، حيث حذرت الحكومة المصرية ورئيسها من التمادي في الانتهاكات الممهنجة التي تحدث بحق الأقليات الدينية في "مصر"، وتوقَّعت وقتها أن تُوضع "مصر" على قائمة "الدول المثيرة للقلق" في هذا الشأن، كما حذَّرت في الكتاب من مثول نظام الطاغية "مبارك" ووزير داخليته "حبيب العادلي" أمام محكمة جنائية دولية بسبب تحصين الجناة بالإفلات من العقاب وبسبب التواطؤ الحكومي الواضح والفاضح وقتها في هذه الجرائم.
 

وما يجب الإشادة به في تقرير الحريات الدينية الأمريكي الصادر مؤخرًا هو أن التقرير لم يغفل سياسات الإفلات من العقاب التي انتهجتها حكومة "عصام شرف" في سلسلة الحوادث التي استهدفت الأقباط ، حيث إتَّبعت حكومة "شرف" سياسة النظام السابق في التعامل مع الانتهاكات والعدوان الجماعي على كنائس وممتلكات الأقباط، في تعزيز سياسة إفلات الجناة من العقاب وعدم ردعهم بالقانون، واللجوء إلى جلسات الصلح العرفي التي حذرنا منها مرارًا، كما طالب التقرير بتخصيص جزء من المساعدات العسكرية الحالية لـ"مصر" إلى حماية الأقباط والأقليات الدينية الأخرى، وكذلك زيادة دعم المساعدات الموجَّهة للمنظمات الحقوقية المعنية بالديمقراطية وحقوق الإنسان والمرأة.
 

والجديد في هذا التقرير والذي يجب أن تتخذه الحكومة المصرية بجدية، هو مطالبته بإنشاء وحدة خاصة في مكتب النائب العام لمتابعة "ملف اضطهاد الأقليات"، وهذا المطلب هام جدًا، وعلى حكومة "شرف" والمجلس العسكري أن يتخدا هذا المطلب مأخذ الجد لو كانت لهما إرادة سياسية لرفع الاضطهاد عن الأقليات الدينية، وأتذكَّر هنا منذ عام ونصف تقريبًا كنت قد طالبت ومن على منبر صحيفة "الأقباط متحدون" الرئيس السابق بإصدار قرار جمهوري باستحداث "محكمة للنزاعات الطائفية في مصر" وما يستتبعها من نيابات وغيرها، إلا أن هذا المطلب قوبل بالتجاهل، مع إنه لو تم تأسيس هذه المحكمة المتخصصة سيحدث نوع من الردع العام وسيقدَّم الجناة في حوادث العنف الطائفي إلى محكمة سريعة وعاجلة!
 

وبرغم ما جاء بتقرير لجنة الحريات الدينية الأمريكي من إيجابيات، إلا أنه تجاهل حوادث تواطؤ المجلس العسكري مع السلفيين، حيث لم يقم المجلس العسكري حتى هذه اللحظة بتقديم مرتكبي جريمة حرق وهدم كنيسة "صول" بـ"أطفيح" أو هجوم مدرعات الجيش على دير الأنبا "بيشوي" وإطلاق رصاص حي على بعض ممن بالدير، وكذلك هجوم بعض رجال الشرطة العسكرية على الأقباط بالرصاص الحي بـ"المقطم" و"ماسبيرو" إلى المحاكمة العادلة.
 

إنني أطالب المجلس العسكري وحكومة تسيير الأعمال برئاسة "عصام شرف" أن يتخذا خطوات جادة لرفع الإضطهاد الواقع على الأقباط والأقليات الدينية الأخرى في "مصر"، بعد أن ثبت لنا انحيازهما الكامل للتيارات السلفية وجماعات الإسلام السياسي، وهو ما يعد انتهاكًا صريحًا للشرعية الثورية التي قامت عليها ثورة 25 يناير، والتي طالبت بدولة مدنية وإصلاحات ديمقراطية واجتماعية. فترك الملف الطائفي بهذه الصورة المهينة لـ"مصر" سوف يصب بلا شك في صالح تفتيت "مصر" وربما تقسيمها في المستقبل، واستخفاف الحكومة المصرية بمثل هذه التقارير سيصاعد من حدة الانتهاكات، وهو ما يعطي مزيدًا من المبررات للتدخل الدولي في الشأن المصري الداخلي.

كما أطالب الكنيسة المصرية أن لا تتعامل مع مثل هذه التقارير الحقوقية بروح ما قبل ثورة 25 يناير، بل تتعامل معها بروح 25 يناير..

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ١١ صوت عدد التعليقات: ٧ تعليق