بقلم: د. ممدوح حليم
تمر يوم 8 يونيو الجاري الذكرى الثالثة لرحيل الأب متى المسكين، والذي يُعد بحق عميد الرهبنة القبطية في العصر الحديث، وأحد نجوم الرهبنة على مستوى العالم في القرن العشرين، وكان قد رحل عن عالمنا الأرضي الساعة الواحدة من فجر الخميس 8 يونيو 2006.
وفي حياة هذا الأب الفاضل تتجسد كلمات الرسالة إلى العبرانيين عن أبطال الإيمان: "وهم لم يكن العالم مستحقًا لهم. تائهين في براري وجبال ومغاير وشقوق الأرض" 11: 38.
لقد عاش راهبًا ومن أجل الرهبنة بحسب الإنجيل، وعبر 58 سنة إلا قليلاً قضاها وكيلاً للبطريركية بالإسكندرية، تجوّل في أديرة مصر وصحاريها بحثًا عن خلاص نفسه وعن الالتقاء بالمسيح، مقتفيًا خطوات أبائها أنطونيوس ومقار.
ومن أجل الارتقاء بالرهبنة بَحث وطوّر وشيّد وقرأ وكتب ودرَس وتعمّق بجهود ذاتية، فقد ثقّف نفسه بنفسه وشق طريقه وسط الصخور برغم الصعوبات والأعاصير، لكنه صمد صمود الهرم وتدفق منه الفكر تدفق النيل.
كان يقضي وقته كله في الصلاة والقراءة والكتابة مع النوم لساعات قليلة، حدث في فترة أن عانىَ من متاعب في ظهره، فكان أن طلب من نجاري الدير أن يصمموا له لوحًا خشبيًا يُمكّنه من الكتابة وهو راقد على ظهره.
ولم يحدث في تاريخ الرهبنة منذ نشأتها أن قام راهب بتأليف هذا العدد الضخم من المراجع التي يمكن أن توضع بجدارة على رفوف أعظم مكتبات العالم وتصلح دون مجاملة لأن تكون مراجع لأعلى الشهادات من أعرق الجامعات الغربية في مجال الدراسات المسيحية خاصة الفكر الشرقي.
انفتح على فكر آباء الكنيسة، وهو في هذا الرائد الذي اخترق هذا المجال منذ أواخر الخمسينات من القرن الماضي بل إنه هو الذي لفت الأنظار إلى ضرورة العودة إلى هذا الفكر كوسيلة لنهضة الكنيسة.
قاده هذا إلى الانفتاح أيضًا على فكر الكنائس الأرثوذكسية غير القبطية مثل الكنيسة الروسية وكنائس الروم الأرثوذكس العربية وغير العربية واهتم بقراءة وهضم ونشر هذا الفكر.
وأخيرًا وتحديدًا في تفسيراته لأسفار العهد الجديد رجع إلى آراء كبار علماء الكتاب المقدس الغربيين، وأخذ برأيهم كثيرًا دون انغلاق ومن ثم تجد بين مراجعه مؤلفات "وليم باركلي" و"بروس" والعلامة "لايت فوت" والعالم "جوثري" وغيرهم.
سلامًا لروحه الوثابة التي تسبح في عالم النور مع آباء الرهبنة ونجومها –وهو أحدهم- أمام عرش المسيح في فردوس النعيم. |