بقلم: د.عبد الخالق حسين
يقوم الرئيس الأمريكي، باراك أوما، اليوم الأربعاء، 3/6/2009، بزيارة رسمية للمملكة العربية السعودية، كما وسيتوجه غدا الخميس، إلى مصر، ومن قاعة الاحتفالات بجامعة القاهرة سيوجه خطابه المنتظر إلى دول العالم الإسلامي.
لقد كُتِبَتْ المئات وربما آلاف المقالات خلال الأيام القليلة الماضية حول هذه الزيارة، ومنها تحمل ذات العنوان أعلاه، قيل فيها الكثير عن أهدافها، والتكهنات حول ما سيقوله أوباما في خطابه المنتظر. ويمكن اختصار الأهداف الرئيسية من هذه الزيارة ومن الخطاب بأنها: محاولات مد اليد باتجاه العالم الإسلامي وتحسين صورة أمريكا لدى العرب والمسلمين، ولمناقشة جملة من القضايا المهمة التي تتراوح بين الطاقة والعملية السلمية في الشرق الأوسط أي الصراع العربي- الإسرائيلي، وبالأخص القضية الفلسطينية، ومكافحة الإرهاب، وبالطبع الملف النووي الإيراني.
والسؤال الكبير والمهم الذي يطرح نفسه هو: هل سينجح أوباما في تحقيق هذه الأهداف ويحقق المعجزة التي فشل في تحقيقها من سبقه من الرؤساء الأمريكان؟
لا نريد هنا أن نسبق الأحداث، ولا ندعي علم الغيب والتنجيم معاذ الله، ولكن اعتماداً على قراءة الماضي، وتعقيدات مشاكل المنطقة، والثقافة العربية- الإسلامية الماضوية، والعقلية العدائية السائدة في المنطقة إزاء الغرب عامة وأمريكا بصورة خاصة، نعتقد أن مهمة أوباما مستحيلة ولا بد أنها ستبوء بالفشل، وسنقدم الدليل أدناه.
وإضافة إلى صعوبة الأغراض التي يأمل أوباما تحقيقها من زيارته هذه، فهذه الأغراض بحد ذاتها متناقضة مع بعضها البعض من منظور الفئات المختلفة والمتصارعة في المنطقة وفي العالم.
أولاً، العالم العربي، أو الجانب المتشدد منه، لن يقبل على أمريكا ما لم تتخلى عن إسرائيل و تتوقف عن دعمها لها. وهذا أمر مستحيل، لأن إسرائيل تعتبر الولاية 51 من الولايات الأمريكية المتحدة، رغم أنها جغرافياً تقع في منطقة الشرق الأوسط. لذلك فأمن إسرائيل وسلامتها واستمرار وجودها جزء أساسي من إستراتيجية أمريكا ومصالحها في المنطقة وذلك بسبب ما تتمتع به إسرائيل من نفوذ في أمريكا وفي العالم.
ثانياً، لا يريد المتشددون العرب، وخاصة التيارات الإسلامية، مثل منظمة القاعدة، وحماس، والأخوان المسلمون، وحزب الله، ومن يقف وراءهم، وبالأخص إيران وسوريا، لا يريدون حل الصراع العربي- الإسرائيلي، لأن وجود هذا التيار المتشدد يعتمد بالأساس على استمرارية هذا الصراع، وعدم الاستقرار في المنطقة، فبحل هذه المشاكل سينتفي سبب بقاء هذا التيار المتشدد ويختفي. وأفضل وأوضح وأصدق من عبَّر عن موقف هذا التيار هو أيمن الظواهري، الرجل الثاني في تنظيم القاعدة، في بيان له نشر على مواقع الإنترنت "وصف الرئيس الأمريكي باراك أوباما بأنه مجرم ودعا المصريين إلى رفض زيارته إلى مصر... وقال إن أوباما جاء ليسعى بالحيلة لتحقيق ما فشل فيه في العراق وأفغانستان والصومال.." (موقع بي بي سي، 3/6/2009).
ثالثاً، العرب بصورة عامة، (وخاصة التيارات المتشددة: الإسلامي واليساري والقومي العروبي)، وبسبب عدائهم المزمن والمتوارث لأمريكا، وما يعانونه من بلبلة فكرية، وفقدانهم لبوصلتهم، وعجزهم عن إيجاد أي حل عملي، ورفضهم للحلول الواقعية المتاحة للمعضلات التي تعاني منها شعوبهم، وخاصة الصراع العربي- الإسرائيلي، صاروا يلقون اللوم على أمريكا في كل ما أصابهم من تخلف وتفاقم المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية...الخ، فهم غير مرحبين بهذه الزيارة. إذ أطلعتُ على بيان عن طريق الرسائل الإلكترونية قبل أيام، موقعاً من قبل جماعة تسمي نفسها باليسار المصري، أن أوباما غير مرحب به في مصر!!
رابعاً، ليس هذا فحسب، بل وحتى التيار الإصلاحي الليبرالي، أخذوا على أوباما اختياره مصر لما قد يؤدي ذلك الى تهميشهم، فيقول سعد الدين إبراهيم "إن إلقاء أوباما كلمته في بلد يحكمه نظام أوتوقراطي سيضفي شرعية على نمط نظام الحكم ذاك الذي نعارضه". (نفس المصدر).
خامساً، "حثت منظمة هيومان رايتس ووتش أوباما على التعبير عن قلقه من أوضاع حقوق الإنسان في مصر، حيث يطبق قانون الطوارئ الذي يسمح بأن تقوم محاكم عسكرية بمحاكمة مدنيين، وحيث يمكن اعتقال نشطاء وتعذيبهم." إذن، حتى منظمات حقوق الإنسان غير راضية على أوبامبا، إذ لا أعتقد أنه سيطالب حسني مبارك بتغيير سياساته في هذا الخصوص.
سادساً، اعتاد العرب وبمن فيهم التيار الإصلاحي المطالب بالديمقراطية، أن يأخذوا على أمريكا أنها تدعم الأنظمة العربية والإسلامية المستبدة، وتحميلها مسؤولية استمرار هذه الأنظمة في الحكم، ولكن عندما أقدمت أمريكا بقيادة الرئيس جورج دبليو بوش، بإسقاط أبشع نظامين دمويين غاشمين، نظام طالبان في أفغانستان، والنظام البعثي الصدامي في العراق، ثارت ثائرتهم واستنكروا عليها ذلك واعتبروا عملها تدخلاً عدوانياً فضاً وإجرامياً ضد دولة ذات سيادة.
سابعاً، وعندما حاولت أمريكا دعم الديمقراطية في المنطقة وأعلنت مشروعها (الشرق الأوسط الكبير) لنشر الديمقراطية والحداثة في دول المنطقة، مرة أخرى استنكر العرب بتياراتهم الثلاثة (الإسلامي والقومي العروبي واليساري) ذلك واعتبروا هذا المشروع تدخلاً صريحاً من أمريكا، وأنها تريد فرض قيمها وتقاليدها على العالم بالقوة. وهكذا نرى أن أمريكا ملامة في كل ما تعمله لصالح العرب والمسلمين ومساعدتهم في التخلص من تخلفهم ومواكبة الحضارة.
والجدير بالذكر، أن الرئيس أوباما كان قد صرح في مقابلته مع مراسل بي بي سي في واشنطن بأن الرسالة التي يأمل في توجيهها" أن الديمقراطية وحكم القانون وحرية التعبير وحرية الدين ليست بكل بساطة معتقدات غربية يتم التبشير بتطبيقها في تلك الدول وإنما هي قيم إنسانية كونية". فهل يقتنع العرب والمسلمون بهذا المنطق؟ لا أعتقد ذلك.
ثامنا، وفيما يخص الملف النووي الإيراني، فالحكومات العربية الصديقة لأمريكا، تطالب أوباما بمنع إيران من امتلاك السلاح النووي، لأنهم وحدهم المهددون من امتلاك إيران لهذا السلاح وليست إسرائيل، ولكن في نفس الوقت يطالب هؤلاء الحكام أوباما بعدم استخدام القوة ضد إيران، وذلك ليس حرصاً منهم على سلامة إيران وشعبها، بل خوفاً من إيران أن تتصرف كالنمر الجريح فيما لو ضُرِبت من قبل أمريكا أو إسرائيل، فتشن هجوماً عشوائياً ضد الدول العربية الخليجية بما تملكه في ترسانتها من الصواريخ الباليستية مثل «شهاب- 3»، و«زلزال» و«نازيات» وغيرها التي طورتها بمساعدة الصين وكوريا الشمالية.
تاسعاً، وفي جميع الأحوال، وخاصة في هذه المرحلة بالذات، وكما حصل في الماضي، فأية محاولة تقوم بها أمريكا في حل الصراع العربي- الإسرائيلي، وقيام الدولة الفلسطينية، يسارع محور (حماس - حزب الله- إيران – سوريا) إلى تخريب المحاولة وذلك بالقيام بأعمال ضد إسرائيل ودفع إسرائيل بشن عدوان مقابل ومدمر، وبالتالي عرقلة الحل وتأجيله إلى أجل غير معلوم.
عاشراً، أعتقد جازماً، أن حل الصراع العربي- الإسرائيلي لست بيد أمريكا وحدها كما يتصور البعض، بل بيد العرب أنفسهم. فهم الذين رفضوا الحلول المتاحة طوال مراحل الأزمة، وفوَّتوا جميع الفرص الذهبية التي توفرت في الماضي وفي عهد كارتر وكلينتون، وأصروا على مقولتهم الانتحارية: "ما أُخِذَ بالقوة لن يسترجع إلا بالقوة". ولو كان أصحاب هذا المنطق يمتلكون القوة الكافية لمواجهة جبروت إسرائيل لهان الأمر، ولكنهم في الحقيقة هم الأضعف في طرفي معادلة الصراع مع إسرائيل. طبعاً نستثني من هذا التيار الانتحاري، الزعيمين العربيين، الشهيد أنور السادات والراحل الملك حسين، اللذين وقعا (معاهدة سلام الشجعان) مع إسرائيل، وحققا السلام ووفرا على شعبيهما المزيد من الآلام والدماء والدموع.
وبناءً على جميع ما تقدم، أعتقد أن مهمة أوباما مستحيلة ومحكوم عليها بالفشل. |