CET 00:00:00 - 06/06/2009

مساحة رأي

بقلم: نبيل المقدس     
أتعجب كثيرًا أن بعض الأحباء يلومون أوباما لأنه لبّىَ زيارة جامع السلطان حسن، متناسين تمامًا أن أوباما مسيحي معمداني من أصول مسيحية, كما صرح في مستهل خطابه في جامعة القاهرة إلاّ أن والده أعتنق دين آخر، لكن واضح تمامًا أن أوباما لتربيته المسيحية في أحضان جدته الأمريكية تغلبت عليه صفة المحبة والتواضع.
فقد تجلّت هذه الصفة في حادثة غسل الأرجل التي قام بها الرب يسوع، ففي يوحنا 13: 3 – 4 (يسوع, وهو عالم أن الآب قد دفع كل شيء إلى يديه وأنه من عند الله خرج وإلى الله يمضي, قام عن العشاء وخلع ثيابه وأخذ منشفة وأتزر بها) نجد أن المسيح الذي يقبض بيديه على كل ما في السموات وما في الأرض من سلطان, يستخدم هاتين اليدين في عملية غسل أرجل التلاميذ... وهنا الغريب بل العجيب كما يقول كاتبنا المحبوب متى المسكين (كيف تتعامل هذه الأيادي مع وسخ الأقدام في آن واحد وهي نفسها أيادي الله الطاهرة والمقدسة والتي تمتلك مصائر الحياة).

هذا ما فعله الرئيس أوباما آخذا تعاليم المسيح وأعماله نموذجًا له في التعاملات مع البشر... طبعًا أنا لا أعمل مقارنة بين المسيح وأوباما.. حاشا! لكنني أُشيد بمحبة هذا الرئيس الذي تعلمها من تعاليم كنيسته، فقد انحنى أمام العاهل السعودي من قبل وهو يعلم تمامًا أنه بيديه يستطيع تغيير أحوال البلدان... وها هو يلبي اليوم زيارة جامع السلطان حسن كنموذج حي لكرازة المحبة.
في حادثة غسل الأرجل نجد يسوع بدلاً من أن يملأه الكبرياء والاستعلاء, أخلى عنه كل شيء وفي اتضاع أتخذ مركز الخدم والعبد وقام بغسل أرجل التلاميذ حتى وصل إلى أقصى درجات التواضع... هذه هي المحبة الصادقة.

يقول العالم اليهودي (إدرزهيم) الذي آمن بالرب أن كلمة (إتزر) تفيد معنى ربط المنشفة حول الوسط على أن يكون جزء من المنشفة طويل وحر للتنشيف به... فقد كان يوحنا البشير دقيق النظر ويسجل الأحداث بحركاتها بدقة متناهية، ففي 13 : 5 من إنجيله يقول (ثم صب ماء في مغسل وابتدأ يغسل لأرجل التلاميذ ويمسحها بالمنشفة التي كان مُتزرًا بهـا).
ويذكرنا التاريخ اليهودي أن غسل أرجل الضيوف في وليمة أو زيارة دليل على المحبة، لكن كان هذا الواجب لا يقوم به المضيف بل العبيد والخدم الذين يعملون مع المضيف لكن الرب قام بنفسه بهذا العمل بالرغم من وصوله إلى الخطوات النهائية في خدمته واقترابه من الآب وأمجاده, هذه هي المحبة الصادقة

ألم يأتي الوقت لكل مَن آمن بالرب يسوع أن يغسل أرجل أخيه لكي يمارس صفة المحبة والتي هي أصلاً الوصية التي تركها لنا رب المجد بدلاً من الشريعة؟! ألم يحن الوقت أن نرتفع بأرواحنا إلى السمو الطاهر ونتقبل بعضنا البعض مهما اختلفتا في الفكر وليس في أساسيات العقيدة؟! 
وقد قرأت قصة جميلة ترتبط بالقديس (فرانس الأسيسي) يقول إنه كان في شبابه ثريًا وأرستقراطيًا ومن أسرة كبيرة وكان معتادًا على نعومة العيش، لكنه لم يكن مستريح البال... وفي يوم من الأيام كان راكبًا جواده في طريق خارج البلدة فإذ به يرى فجأة إنسانًا ممتلئًا بالبرص البغيض وقد تحوّل جسده من هامة الرأس إلى باطن القدم إلى قرح مقززة, ولقد كان من الطبيعي أن يرجع هذا الشاب بسرعة إلى قصره تجنبًا أن يلمسه، ولكن شيئًا تحرك في داخله فنزل من جواده وأنطلق إلى هذا الإنسان فاتحًا ذراعيه له... ثم ضمه إلى صدره وقبّله هاتفًا: يا أخي ... يا أخي .... وإذا بذاك الأبرص المشوّه يتحول بين ذراعيه إلى شخص المسيح... هذه هي المحبة الحقيقية لو حضنتها من كل قلبك سوف تجد المسيح بين أحضانك.

وأسعد جدًا عندما أُنهي مقالي هذا بقول "متى المسكين" بمناسبة ذكراه حيث يقول (صعب على الإنسان أن يغسل إنسانًا, وعسير غاية العسر أن يغسل رجلي خادمه, نعم هذه هي طبيعة الإنسان, لا يستطيع أن ينزل دون ذاته ولكن الله ليس كذلك).
بالرغم أن خطاب أوباما كان مملوء بالمحبة لكن تغلبت عليه حب بلاده فقط... حيث قال أنني أعمل لحماية بلاده فقط... خطابه كان شبه توبيخ للدول الإسلامية, كما ألقى بطريقة دبلوماسية المسئولية على الدول الإسلامية أنها هي المسئولة في دحر الإرهاب وبؤر التعصب... وعليها القيام بواجبها نحو وقف نزيف الدم بين الشعوب.
فعلاًً المحبة بلا حدود.

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٥ صوت عدد التعليقات: ٤٨ تعليق